مبادرات إماراتية لتمكين أشمل للمرأة
وكالة أخبار المرأة -
جيهان العرفاوي - دبي 

في عالم تتسارع فيه التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لم تعد قضايا تمكين المرأة رفاهية أو شعارات تُرفع في المناسبات، بل أصبحت مقياسًا حقيقيًا لتقدم الدول وقدرتها على مواكبة متطلبات المستقبل. فكل خطوة تُمنح فيها المرأة مساحة أوسع من الفاعلية والمشاركة، هي في الواقع خطوة نحو مجتمع أكثر توازنًا واستدامة.

ومن بين التجارب العربية التي فرضت حضورها في هذا المجال، تبرز الإمارات العربية المتحدة كنموذج طموح تجاوز مرحلة تمكين المرأة بالشكل التقليدي، إلى رؤية أكثر شمولًا تضعها في قلب مشاريع التنمية، والتخطيط، والابتكار. فالتشريعات الحديثة والمبادرات النوعية التي أُطلقت خلال السنوات الأخيرة لا تعكس فقط التزامًا سياسيًا، بل توضح أيضًا فهمًا عميقًا لدور المرأة في مواجهة تحديات الحاضر وصناعة ملامح المستقبل

السياسة الوطنية لتمكين المرأة: رؤية تتجاوز الشكل إلى التأثير

أطلقت دولة الإمارات السياسة الوطنية لتمكين المرأة 2023–2031 لتكون خارطة طريق استراتيجية تواكب المتغيرات المحلية والعالمية، وتُرسّخ دور المرأة كشريك رئيسي في التنمية. جاءت هذه السياسة تحت شعار “نتعاون من أجل الغد”، وارتكزت على ثلاثة محاور أساسية:

  1. دور المرأة في الأسرة والمجتمع، بما يعزز تماسك النسيج الاجتماعي.
  2.  تمكين اقتصادي متكامل، لا سيما في القطاعات المستقبلية كالتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي.
  3.  بناء القدرات والمهارات، بما يواكب الثورة الصناعية الرابعة ويستشرف الوظائف الجديدة.

ما يميز هذه السياسة هو أنها لا تنظر للمرأة من زاوية الضعف أو الحاجة، بل من زاوية الإمكانيات، وهي نقلة نوعية في الخطاب المرتبط بالتمكين.

تمكين رقمي واقتصادي: نحو أدوار جديدة للمرأة

في زمن الاقتصاد الرقمي، أطلقت الإمارات مبادرة “أطلق” بالشراكة بين الاتحاد النسائي العام ومنصة “لينكد إن”، لتدريب وتأهيل النساء في مجالات التقنية، والخدمات اللوجستية، والذكاء الاصطناعي. المبادرة استهدفت الشابات والنساء الباحثات عن تطوير مساراتهن المهنية، ونجحت في تخريج مئات المشاركات خلال عدة دفعات.

وبموازاة ذلك، تعمل الدولة على دعم ريادة الأعمال النسائية من خلال برامج تمويل، وتدريب، وتوجيه، وخاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والابتكار، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة. هذا التوجه يعزز استقلالية المرأة، ويدفع بها نحو مواقع التأثير الاقتصادي.

توازن بين الجنسين: من شعار إلى ممارسة مؤسسية

عملت الإمارات بشكل استباقي على تحقيق التوازن بين الجنسين في مواقع القيادة وصناعة القرار، من خلال المجلس الاتحادي للتوازن بين الجنسين، والمبادرات المرتبطة ببرنامج “نافس” لتوظيف الكوادر الوطنية.

تُرجم هذا الاهتمام إلى نسب واقعية: النساء يشكلن اليوم ما يقارب 50% من العاملين في القطاع الحكومي، و66% من خريجي الجامعات، إضافة إلى تواجدهن المتزايد في مجالس الإدارة، والدبلوماسية، والقطاعات التقنية.

تمكين بيئي وزراعي: أدوار جديدة في فضاءات غير تقليدية

وفي استجابة لتحديات المناخ والأمن الغذائي، أطلقت الإمارات برامج نوعية مثل “زراعتي اكتفائي” و*“بيوت مستدامة”*، لتشجيع المرأة على المساهمة في الزراعة المنزلية، وتعزيز الوعي البيئي، والمشاركة في الاقتصاد الأخضر.

هذه المبادرات تكشف عن فهم عميق لأهمية إدماج المرأة في قضايا الاستدامة، بعيدًا عن الأطر النمطية، بل بوصفها فاعلًا مباشرًا في التغيير.

التمكين خارج الحدود: دور إقليمي ودولي فعال

اللافت أن التمكين الإماراتي لم يقتصر على الداخل، بل امتد ليشمل مبادرات إنسانية وتنموية مثل “مبادرة تمكين المرأة الريفية في أفريقيا”، والتي تهدف إلى تدريب نساء ريفيات على الزراعة والاعتماد الاقتصادي، في إطار رؤية إماراتية تعزز التضامن العالمي.

تمكين بشروط المستقبل

إن تجربة دولة الإمارات في تمكين المرأة تتجاوز حدود الكوتا أو الرمزية، لتطرح نموذجًا متكاملًا يدمج بين التشريع، والتمويل، وبناء المهارات، والانفتاح على العالم. هو تمكين بشروط المستقبل، لا يعيد إنتاج الأدوار التقليدية، بل يصوغ أدوارًا جديدة تُعزز من حضور المرأة في المشهد التنموي، وتُسهم في استدامة التقدم.



إقرأ المزيد