نساء غزة يدفعن فاتورة الحرب
وكالة أخبار المرأة -
غزة - تكوين حسين  - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة

عندما تكون فاتورة التكلفة باهظة الثمن ، وفي حضرة الوجع والقهر يجب ألا نصمت ، عندما يكون المصير هدم أسرة عبر استهداف راس الهرم يجب ألا نصمت ، وحينما تموت السيدات وتصاب الأخريات بحالات اختناق واغماء في طوابير الحصول علي ربطة الخبز التي بالكاد تكفي لوجبة واحدة يتجلي لنا مدي معاناة المرأة في قطاع غزة فهي أكثر الشرائح المجتمعية التي عانت من ويلات هذه الحرب التي تعدت الاربعمئة يوم ويزيد ، فهي باتت رهينة لطوابير الخبز والتكية ومياه الشرب ، فقد تخلت مجبرة عن كينونتها التي فطرت عليها كونها زوجة ومربية وراعية للحلم وأضحت بمثابة ٱله علي مدار الأربع وعشرون ساعة في سباق من أجل الوجود، حتي يأتي بها ٱخر النهار مستنزفة القوي لا تقوي حتي علي ممارسة حياتها الطبيعية كزوجة وام وموظفة احيانا .

المرأة وطوابير الحرب

فبنظرة الي ام خليل كنموذج لآلاف السيدات بمخيمات النزوح المترامية علي طول الشريط الساحلي من الشمال الي الجنوب تقول : كنت عاملة في أحدي المدارس الخاصة ولي من الأبناء ولدان واربع بنات كنا عائلة مميزة ومكتفية ، واولادي من اوائل الطلبة ، حياتنا منظمة لا ينقصنا شئ ، كان حلمي أن اري اولادي في اعلي المراتب التعليمية ، اليوم نسيت كوني امرأة فتركت عملي لأن المدارس أغلقت وبتنا انا واولادي أسري لتلك الخيمة الذي لا نعلم لمتي سنمكث بها فهي لا تقينا حرارة الشمس ولا ترحمنا من برودة وقسوة الشتاء ، وتردف ام خليل حديثها مستعرضة تفاصيل يومها والقهر يعلو ملامحها استيقظ من النوم الساعة الرابعة فجرا، اعد لاولادي ما يمكن إعداده من طعام بأقل التكاليف ثم أخرج لالحق بطابور المخبز وابقي الي ساعات ما بعد الظهر احيانا مع إمكانية الحصول علي ربطة خبز أو عدم الحصول نظرا للتزاحم والتناحر أمام المخبز ، هذا بخلاف الأسلوب المهين الذي نتعرض له نحن النساء من بعض الرجال المنتظرين في الطابور .

طابور ٱخر

تتابع ام خليل والدموع تتصارع في عينيها تأبي السقوط عندما أعود الي خيمتي يكون موعد توزيع التكية اتناول ما يمكن تناوله من حله او طبق واتجه الي طابور ثان حيث نفس المعاناه للحصول علي قوت يومنا كوجبة واحده لطول اليوم ، وقد احصل عليها أو لا هذا بخلاف الطعم السئ لبعض الاكلات ، ولكننا نضطر مرغمين علي تناوله فلا مورد مالي لنا يمكننا من شراء ما نريد .

اسعار جنونية وابن بقلب مفتوح

اعاني كثيرا من الأسعار الجنونية واستغلال التجار والباعة لنا بظل غياب أي جهة قانونية ، احيانا ابني محمود ابن العاشرة يبكي لانه يريد نوع معين من الطعام كاللحوم والبيض أو حتي حلوي بسيطة فهو مريض قلب وله معاملة خاصة

القهر غلب الكبرياء

غلبت ام خليل دموعها وبكت وهي تخبط كف بكف وتقول لا يمكنني الا تهدئة ابني ووعده بأنها ايام ستمضي وسنعود الي حياتنا الطبيعية ، هنا عجزت ام خليل عن تكملة حديثها فأخذت اخفف عنها ولكنها ليست طفل لامرر عليها كلمات الطمأنينة التي نمررها علي الاطفال بوعد يحمل نهاية الكابوس فقد اصبحنا فاقدي الامل فالجميع بلا استثناء خذلنا ، وبعد استراحة تصر ام خليل علي متابعة الحديث وكأنه عبئ يثقل كاهلها وتكمل بعد أن يأكل اولادي الطعام الذي حصلت عليه من التكية اعطي ابني محمود دواءه فأنا لا ارغب بأن تتحمل بناتي مسئولية المعاناه فيكفي معاناة تركهن للدراسة والتفرغ لمساعدتي في أعمال الخيمة .

طابور ٱخر اليوم

بعد العصر يأتي موعد توزيع مياه الشرب اجمع قرب المياه علي كروسة بعجلين واذهب الي الطابور الثالث لتبدأ معاناة الصراع علي تعبئة مياه الشرب وسط صراع المصطفين علي جوانب العربة والكثير الكثير من النساء مطالبات بحقهن في الاولوية بالتعبئة ، يدخل الظلام وتحل الساعات الأولي من الليل اكون قد حصلت علي تعبئة قربة أو اثنتين واعود الي خيمتي لاستلقي مرهقة تأهبا ليوم ٱخر وتكرار نفس الطوابير ، عام وأكثر ونحن رهينة لهذه الطوابير اللعينة هذا بخلاف الاحساس بالعجز والاذلال ونحن نطالب بحقنا عند الجمعيات والمناديب المختصين بتوزيع المساعدات وخاصة إذا كانت المراه أرملة او مطلقة

من أجل البقاء

ام خليل نموذج علي سبيل المثال لا الحصر لسيدات بغزة هن ضحايا الحرب فبعضهم طبيبة ومهندسة ومعلمة كلهن اتثيات تقلدن اعمال شاقة .

سحقت طفولتنا

الاطفال أيضا كان لهم نصيب من الوجع في غزة فقد تركوا مقاعد الدراسة مجبرين وانطلقوا في رحلة الصراع من أجل الوجود، الطفلة فرح ذات الوجه الجميل ابنة الحادية عشر ربيعا لاحظت قدمها الملفوفة بالشاش الابيض مصطحبة معها اختها الأصغر ، استوقفتني وحدتهما في حمل الحلة لمساعدة بعضهما ، رفضت فرح في البداية الحديث خوفا من أن يفوتها طابور توزيع التكية من أجل حفظ حقهن وعائلتهن في الطعام ولكنني ذهبت معها وأخذت وعدا من موزع الطعام بحفظ نصيبهن وعن سبب إصابة فرح بقدمها قالت : كانت التكية قبل امس طبيخ عدس وكان الطابور مزدحم جدا وعند خروجي منه اصطدمت بناس كثيرة فسقطت الحلة مني وانسكب العدس الساخن علي قدمي محدثا فقاعات حرقتني ، واضافت فرح نحن لا نريد العيش كذلك فلسنا متسولين فقد كان لنا بيت جميل في بيت لاهيا وكان ابي يعمل في الزراعة ولدينا مزرعة اغنام اضطررنا لتركها أثناء هروبنا باتجاه الجنوب من شدة القصف والان ابي لا يعمل ونعتمد علي بعض المساعدات التي احيانا نحصل عليها وأحيانا كثيرة لا نأخذها وتضيف فرح لم نعد نشعر أننا اطفال كبقية اطفال العالم أصبح حلمي أن استيقظ ولا أجد طابور التكية والمية الحلوة ينتظرني ، فرتبت علي شعرها الأشقر الجميل وقلت لها قدمك ستشفي وسيعود الفرح لفرح وسيبني البيت للاجمل وسيسحق كل من زرع الالم والقهر في قلوب البؤساء والمغلوبين وسيبقي ذلك الوجه الجرئ الذي يصغر ويتلوث أمامه العالم أجمع بصمته وخذلانه اللامتناهي ، فرح نموذج لصراع المرأة الفلسطينية واحساسها بالمسؤولية منذ الصغر .

قوارير يدفعن فاتورة الحرب

هذا نحن يا عالم يدعي الديمقراطية ونبذ الظلم والإبادة ، هذا نحن نساء غزة كلنا ام خليل وفرح أو أكثر ، وانا شخصيا منهن حيث المعاناه بأشكالها المختلفة وروح التضحية من أجل الآخر فلا أفق يلوح لنا بفجر جديد يهدأ به ورعنا وذهولنا معلنا نهاية الطوفان مخلفا شئ من الحياة لحياة فقدت كل مظاهر الحياه ....



إقرأ المزيد