دراسة : العنف الأسري بين الإعلانات الدولية والشريعة الإسلامية
وكالة أخبار المرأة -
إعداد : د. نهى عدنان القاطرجي
أستاذة في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية في بيروت ـ لبنان

المقدمة

تعتبر ظاهرة العنف الأسري من الظواهر القديمة في المجتمعات الإنسانية, وهي كانت في بعض الأحيان مقبولة اجتماعيا لارتباطها بالعادات والتقاليد السائدة. ففي العصر الجاهلي كانت البنت توأد فور ولادتها كما قال تعالى : ﴿ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾، [التكوير،8] . وبعد موت زوجها كانت المرأة تورث كسقط المتاع . فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها فهم أحق بها، من أهلها)[1] .

كما أن عدد الزوجات كان غير محدد، وكانت المرأة تحبس في ظروف قاسية لمدة عام بعد وفاة زوجها. أما عن ضربها وتعنيفها فحدث ولا حرج، وخاصة لدى الفئات الدنيا من الناس. إلى أن جاء الإسلام فحدد العدد الأقصى للزوجات بأربع شريطة العدل بينهن، ودعا إلى التراحم والتعاون داخل الأسرة المسلمة وبين أفراد المجتمع .

إن العنف الأسري وإن كان معروفا في المجتمعات البشرية القديمة، إلا أن الحديث عنه لم يكن بهذه القوة كما هو اليوم. و يرجع ذلك لعوامل عديدة، منها:

  1. عولمة قضية العنف ومحاولة إيجاد حلول عالمية لها، حتى ولو كانت هذه الحلول لا تتناسب مع عقائد بعض الشعوب، مثل قضية ضرب الزوجة، والانجاب المتكرر، وتعدد الزوجات. وما إلى ذلك من قضايا يحاول البعض إثارة الشبهات حولها في سبيل المطالبة برفض الاحتكام إلى الشرع واستبدال أحكامه بقوانين وضعية.
  2. قيام جمعيات ومؤسسات نسائية عالمية تطالب بحقوق المرأة بما في ذلك قضايا العنف ضدها في الأسرة والمجتمع . وتعمد بعض هذه الجمعيات النسائية إلى التشكيك بصلاحية الشريعة الإسلامية وتطالب بضرورة تعديل بعض الأحكام الشرعية التي تشجع على العنف بنظرهم .
  3. انتشار وسائل الاعلام والانفتاح الاعلامي الذي يركز على هذا العنف ويسلط الضوء على بعض حالاته التي تظهر من حين لآخر .
  4. تقصير الجهات الإسلامية، علماء، ومؤسسات ثقافية وتربوية، في إظهار حقيقة الشريعة الإسلامية في نظرتها إلى أسس قيام الأسرة المسلمة والتعاون بين افرادها . وتغلب التقاليد والأعراف السائدة على القيم الإسلامية الحقيقية في أكثر المجتمعات الإسلامية ، مع انتشار مفاهيم خاطئة تنسب إلى الإسلام خطأ أو عمداً أو جهلاً .

هذا وقد قسمت البحث إلى مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة:

المقدمة وبينت فيها أسباب انتشار الحديث عن العنف الأسري ومحاولة الصاق التهمة بالشريعة الإسلامية . ثم دحضت هذه المزاعم، بالعودة إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، في مباحث أربعة موزعة كالتالي:

المبحث الأول : تحت عنوان" العنف الأسري في أدبيات الأمم المتحدة " ، وقد خصصته لتعريف الأمم المتحدة للعنف الأسري وانواعه

المبحث الثاني: تحت عنوان" الأسرة في الإسلام " عرفت فيه بدور الأسرة في الإسلام وطبيعة العلاقة التي تحكم أفرداها فيما بعضهم البعض .

المبحث الثالث: تحت عنوان" موقف الشريعة الإسلامية من العنف الأسري، وقد قسمت هذا المبحث إلى قسمين، القسم الأول: يتعلق بالتعريف بأهداف تكوين الأسرة في الإسلام وأهم حقوق أفرادها . والقسم الثاني: يتناول موقف الإسلام من العنف الأسري الذي طرحته الأمم المتحدة .

المبحث الرابع: تحت عنوان"آثار العنف ومسبباته" وفيه بيان لأهم آثار العنف الأسري على كل من المرأة والطفل والمسن وأهم الأسباب المؤدية إليه .

وأخيرا تأتي الخاتمة التي اقترحت فيها أهم الحلول لمعالجة مشكلة العنف الأسري والتي يجب ان تكون مبنية على تضافر الجهود بين الأفراد والمؤسسات والدول الإسلامية ، ومستنبطة من أحكام شريعتنا الإسلامية السمحاء .

المبحث الأول: العنف الأسري في أدبيات الأمم المتحدةالعنف لغة
العنف في اللغة هو" الخرق بالأمر وقلة الرفق به, وهو ضد الرفق, ويقال: عنفه تعنيفا ، إذا لم يكن رفيقا في أمره، وهو الشدة والمشقة، وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله "[2] .

وقد عُرِّفَ العنف في بعض العلوم الانسانية المعاصرة تعريفا مشابها، فجاء في المعجم الفلسفي بأن :" العنف مضاد للرفق , ومرادف للشدة والقسوة , والعنيف هو المتصف بالعنف , فكل فعل شديد يخالف طبيعة الشىء ويكون مفروضاً عليه من خارج فهو بمعنى ما فعل عنيف " [3]. كما عُرِّف فى العلوم الاجتماعية بأنه "استخدام الضبط أو القوة استخداماً غير مشروع أو غير مطابق للقانون من شأنه التأثير على إرادة فرد ما " [4] .

وإذا كانت هذه التعريفات موجودة في معاجم اللغة والفلسفة وعلم الاجتماع إلا أنها لم تستخدم بشكل منظم وبالمعنى المتعارف عليه في الدراسات النفسية والاجتماعية إلا منذ وقت قريب. وقبل ذلك استخدمت تعابير والفاظ أخرى، منها:العدوان، والعداوة، والتدمير، والسلوكيات العنيفة ضد الذات وضد الآخرين ... وما إلى ذلك من ألفاظ كانت تعبر عن حالات الضرب والقتل والحاق الضرر بالممتلكات .

هذا من ناحية العنف بشكل عام، أما ربط هذا العنف بالمرأة ومن ثم بالأسرة فلم يبدأ إلا بعد أن بدأ الاهتمام الدولي بهذه القضية، وبعد أن أصدرت الأمم المتحدة الاعلانات والتوصيات المتعلقة بقضية العنف الأسري بشكل عام والعنف ضد المرأة بشكل خاص . لهذا فمن المفيد، قبل الحديث عن موقف الإسلام من العنف الأسري، التعريف بمفهوم هذا العنف وفق أدبيات الأمم المتحدة .

اولا : العنف ضد المرأة في أدبيات الأمم المتحدة: بدأ الحديث عن قضية العنف ضد المرأة يأخذ حيزا كبيرا من اهتمامات المنظمات النسائية منذ أواخر القرن العشرين مع بدء صدور الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة . وبعد ذلك بدأ هذا الموضوع يأخذ منحى خاصاً ومستقلاً مع صدور الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في العام 1993م. .

وفي نظرة تسلسلية زمنية لهذه الاتفاقيات والاعلانات[5] التي عنيت بقضية العنف ضد المرأة ، نذكر الوقائع التالية:

  1. اتفاقية " الغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة " ( السيداو) التي صدرت في العام 1979م. ودخلت في حيز التنفيذ في العام 1981 م. . وهذه الاتفاقية، على الرغم من أنها لا تتناول بشكل صريح ومباشر " قضية العنف ضد المرأة "، إلا أن اللجنة التي تراقب عملية التقيد بها قد أوضحت في التوصيات العامة رقم19 للعام 1992م. أن العنف ضد المرأة يشمل " الاتجاهات التقليدية التي تضع المرأة في مرتبة أدنى من الرجل، وتحددها بالأدوار النمطية التي ترسخ الممارسات المنتشرة التي تستخدم العنف والإكراه . ومن ذلك: العنف الأسري والإساءات الأسرية، والزواج القسري، والقتل المتعلق بالبائنة، أي المهر، والعنف باستخدام الأسيد، وختان البنات.."[6].
  2. مؤتمر نيروبي 1985م. الذي اعتبر أن العنف ضد المرأة هو من أهم المعوقات ضد السلام والتنمية والمساواة. وقد طالب المؤتمر بالقيام بخطوات قانونية تمنع العنف المؤسس على النوع، أي الجندر، وتضع آليات للتعامل مع هذه الظاهرة .
  3. الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة ، كانون الأول 1993م. الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يُعتبر أول أداة عملية تتناول موضوع العنف ضد المرأة. و قد عرف هذا الإعلان العنف ضد النساء في مادته الأولى على الشكل التالي: "يقصد بالعنف ضد النساء أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل، أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".
  4. مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة عام 1994م. الذي حرص في وثيقته الختامية على إدانة العنف الموجه ضد المرأة وبشكل خاص الاغتصاب ، وتجارة الرقيق الأبيض، وتجارة الأطفال من أجل الدعارة، والعنف الجنسي بشتى انواعه .
  5. مؤتمر القمة الاجتماعية في " كوبنهاجن" عام 1995م. الذي أدان أيضاً العنف ضد المرأة في بعض مواده.
  6. مؤتمر المرأة في بكين عام 1995م. والذي عرف العنف ضد المرأة بأنه "أي عمل من أعمال العنف القائم على الجندر يترتب عليه أو من المحتمل أن يترتب عليه أذى بدني أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة، بما في ذلك التهديد بالقيام بأعمال من هذا القبيل، أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة " .
وقد أكد منهاج العمل الدولي للمؤتمر على ضرورة اتخاذ إجراءات متكاملة لمنع العنف ضد المرأة والقضاء عليه ، ودراسة أسباب ونتائج هذا العنف وفعالية التدابير الوقائية في هذا الصدد ، والقضاء على الاتجار بالمرأة ، ومساعدة ضحايا العنف الناجم عن البغاء وعمليات الاتجار[7] .

ثانياً : العنف الأسري في أدبيات الأمم المتحدة: عَرَّفت منظمة الصحة العالمية في العام 2002م. العنف الأسري بانه " كل سلوك يصدر في إطار علاقة حميمة ويسبب أضرارا أو آلاماً جسمية أو نفسية أو جنسية لأطراف تلك العلاقة " .

ويشمل العنف الأسري: عنف الزوج تجاه زوجته، وعنف الزوجة تجاه زوجها، وعنف الوالدين تجاه الأولاد وبالعكس.

وتختلف هذه الأنواع من ناحية دوافعها ومدلولاتها. فمن ناحية الدافع يأتي الاختلاف في دوافع كل طرف لارتكاب الجرم. فصحيح أن الجرم المرتكب قد يكون واحدا مثل الضرب أو الاهانة أو الاعتداء الجنسي، ولكن دافع الأهل في تأديب أبنائهم يختلف عن دافع الزوج في ضرب زوجته "[8] .

اما من ناحية الدلالات، فإن العنف ضد الأباء – على سبيل المثال – يحمل دلالات مَرَضية على مستوى الفرد والمجتمع تختلف عن تلك التى يحملها عنف الأباء ضد الأبناء, والذى قد يلقى – فى بعض الأحيان – مباركة اجتماعية وتدعمه المعايير الثقافية . وكذلك فان بعض المتغيرات ذات العلاقات الجوهرية بالعنف ضد الأطفال لا ترتبط بالمتغيرات المتصلة بالعنف بين الاخوة [9].

ثالثا : أنواع العنف الأسري: ورد في ادبيات الأمم المتحدة أنواعٌ عديدة من العنف، منها المادي الملموس النتائج، ومنها المعنوي الذي لا يترك أثراً واضحاً على الجسد وإنما يترك آثارا على النفس.

وهذه الأنواع من العنف التي حددتها الأمم المتحدة في الاتفاقيات والمواثيق الصادرة عنها يتفق بعضها مع النظرة الإسلامية للعنف داخل الأسرة. أما البعض الآخر فإنه يختلف معها اختلافا جوهريا يجعل القبول به أمرا مستحيلا، لتعارضه مع النصوص الشرعية الثابتة.

وسأحاول في هذا المبحث إن شاء الله تعالى ذكر وجهة نظر الأمم المتحدة في مفهومها ورؤيتها للعنف الأسري، على أن أبين حكم الشرع الإسلامي في هذا الأمر في مبحث آخر . وفيما ما يلي استعراض لأنواع العنف مع ذكر أمثلة عنها:

1-العنف النفسي: وهو أي فعل مؤذ لنفسية المعنَّف ولعواطفه بدون أن تكون له أية آثار جسدية، إلا أن الآلام الناتجة عنه تكون في الغالب أكبر لاستمراريته في الغالب، ولكونه يحطم شخصية الانسان ويزعزع ثقته بنفسه، ويؤثر على حياته في المستقبل . ومن مظاهر هذا العنف (الشتم، الإهمال، عدم تقدير الذات، التحقير، النعت بألفاظ بذيئة، الإحراج، المعاملة كخادم، توجيه اللوم، الاتهام بالسوء، إساءة الظن، التخويف، الشعور بالذنب)[10].

و يدخل في هذا النوع ايضا حرمان الفتاة من حق اختيار شريك حياتها وإجبارها على الزواج دون رضاها، وتسليم نفسها لرجل لا ترغب فيه، وإكراه الصغيرة على الزواج برجل مسن، وإكراه المرأة على الإنجاب رغم العوائق الصحية لديها، و تهديدها بالطلاق .

ومن الملاحظ في هذا النوع من العنف عدم الدقة في تعريفه في بعض الأحيان، وذلك بسبب اعتبار بعض الأساليب التربوية للأطفال باباً من ابواب العنف ، بينما قد لا تكون عنفا بل مجرد توجيه وإرشاد، وإن اتصفت في بعض الأحيان بالشدة ، من أجل إلزام الطفل على التقيد بهذا التوجيه.

2- العنف الجسدي: هو أشد وأبرز أنواع العنف، وهو الذي يتعلق بالأذى الجسدي واستخدام القوة، ويتراوح من أبسط الأشكال إلى أخطرها وأشدها (الضرب، شد الشعر، الصفع، الدفع، المسك بعنف، لَيّ اليد، الرمي أرضاً، اللكم، العض، الخنق، الحرق، الدهس ... الخ)[11]. ومن أشكال العنف الجسدي أيضاً:
  1. الإجهاض التمييزي الذي يتمثل في إزالة الأجنة الإناث. وهذه المشكلة قائمة في الهند والصين وكوريا الجنوبية. فعلى رغم حظر القانون في هذه البلدان لهذا النوع من الإجهاض، إلا أنه من الصعب ضبط الموضوع، خاصة أن هذا الأمر يحدث في كثير من الأحيان " في نطاق من التواطؤ الصامت بين الأهل والطبيب" [12] .
  2. جريمة الشرف وهي" الجريمة التي تذهب ضحيتها امرأة، متزوجة أوعزباء، بسبب انحرافها الذي يمكن أن يكون واقعيا او مفترضا . ويرتكبها عادة أخ او اب او ابن او عم او ابن عم المنحرفة ، زاعما انقاذ شرف العائلة "[13].
  3. الختان وهو : " استئصال بعض أو كافة الأعضاء الظاهرة من الجهاز التناسلي للمرأة ، خاصة الحساسة منها" كالبظر .
العنف الجنسي: العنف الجنسي داخل نطاق العائلة، وهو " الاستدراج بالقوة والتهديد اما لتحقيق الاتصال الجنسي او لاستخدام المجال الجنسي في الايذاء " كالتحرش، الشتم بالفاظ نابية، الهجر من قبل الزوج، الاجبار على ممارسة الجنس، او الاجبار على القيام بافعال جنسية لا تقبلها المرأة. هذا النوع من العنف يؤدي إلى بعض الحرج خاصة في العلاقات الزوجية. أما خارجها فيتمثل هذا العنف بالتحرش الجنسي والشتم بالفاظ نابية [14].

والملاحظ في موضوع العنف الجنسي إدراج موضوع العلاقة الزوجية بداخله، حيث ينادي عدد من الهيئات والمراكز المهتمة بحقوق المرأة بتجريم ما يسمونه بـ" باغتصاب الزوجة". وترى هذه الهيئات أن هذه جريمة يجب أن يقف لها القانون بالمرصاد وأن يمنعها لأنها تندرج في نطاق العنف الأسري.

المبحث الثاني: الأسرة في الإسلام
الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية التي تنشأ نتيجة عقد زواج بين رجل وامرأة . وإلى هذه الأسرة المكونة من زوجين عهد الإسلام بتنمية الجنس البشري. فقال رسول الله :(تناكحوا تكثَّروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة) [15] .
وهذه العلاقة الزوجية لا تقتصر على إشباع شهوة الجنس بل هي جزء من ممارسة البشر لأمانة الخلافة على الأرض نيابة عن الله لتأمين استمرار جنس الإنسان وممارستة مهمة إصلاح الأرض وإعمارها على النهج الذي جاء به الأنبياء والمرسلون [16] .

والأسرة في الإسلام ثلاثة انواع : صغرى، ووسطى، وكبرى. فالصغرى هي التي تتألف من الزوجين والأولاد، و الوسطى وهي التي تضم سائر الأقارب لتشمل الاباء والأجداد والاخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات. والكبرى وهي المجتمع المسلم الذي اوصى الإسلام بالتعارف والتعاون بين أفراده، وذلك في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات ، 13].

وقد عني الإسلام بالأسرة ودعا إلى الحفاظ عليها وحماية حقوق أطرافها ، وأقام علاقاتها على قاعدتي المودة والرحمة واعتبرها بيت السكينة وليس فقط بيت التساكن. كذلك ضمن الإسلام للأسرة أحكامها الخاصة، ونظََّم العلاقة بين الزوجين ووضع لكل منهما حقوقا وواجبات. قال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة، 228] . كذلك ضبط العلاقة بين الأولاد وآبائهم وأمهاتهم وضبط توارثهم بأحكام إلهية. وجعل طاعة الوالدين في المرتبة الثانية بعد طاعة الله والامتناع عن الإشراك به.

فرض الله سبحانه وتعالى لكل عضو من اعضاء الأسرة حقوقا وواجبات، يستلزم منهم القيام بها من اجل المحافظة على سلامة هذه الأسرة من الانحرافات والمشكلات الداخلية ومن اجل تأمين سعادة أفرادها، وهذه الحقوق هي:

اولا: حقوق الزوج: فرض الإسلام على المرأة حقوقًا لزوجها، إذا قامت بها سَعُدَ وسعدت، وعاشا حياة طيبة كريمة، وقال : ( ألا إن لكم على نسائكم حقا)[17]. ومن هذه الحقوق :

1- وجوب طاعة الزوجة لزوجها: لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء،34].

وهذه الطاعة ليست طاعة خنوع أو نزول عن مستوى الإنسانية كما يزعم بعض دعاة تحرير المرأة ، بل هي طاعة مقرونة بالقوامة التي تجعل من الزوج رئيساً للأسرة، والرئيس عادة يستجاب لأوامره ويطاع. على ان تبقى هذه الطاعة محصورة بما يرضي الله ورسوله عملاً بقول رسول الله : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) [18] .
2- صيانة عرض الزوج عبر محافظة المرأة على شرفها لقوله تعالى: ﴿ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء، 34]. " قال السُّدِّيّ وغيْره أَي تحفظ زوجها فِي غيْبته في نفسها وماله وقوله " [19].
3- عدم الإذن لمن يكره الزوج دخوله إلى بيتها، لقول رسول الله  قال : ( لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه )[20] .
4 - عدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج : لقول رسول الله :( من حق الزوج على الزوجة أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى ترجع) [21].
5 - رعاية شؤون البيت لقول الرسول : (والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته[22]( . وهناك خلاف بين العلماء حول وجوب خدمة الزوجة لزوجها فذهب الشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى أن خدمة الزوج لا تجب عليها، لكن الأولى لها فعل ما جرت العادة به، وذهب الحنفية إلى وجوبه ديانةً لا قضاءً[23] ؛ واحتجوا بحديثين ، حادثة النبي صلى الله عليه وسلم مع فاطمة رضي الله عنها التي جاءت إليه تطلب خادما، فأرشدها  إلى ذكر الله عز وجل فقال :( ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم ) [24] . والحادثة الثانية حدثت مع اسماء بنت أبي بكر التي قالت : "كنت أخدم الزبير خدمة البيت، وكان له فرس وكنت أسوسه، فلم يكن من الخدمة شيء أشد علي من سياسة الفرس، كنت أحتش له وأقوم عليه وأسوسه "[25] .

يتبين مما تقدم عدم استنكار عمل المرأة في بيتها واعتبار هذا العمل من الشؤون المعيبة، بل إن عملها في البيت هو من باب التعاون والتعاضد بين الزوجين. فكما أن الرجل يعمل خارج البيت من دون تذمر، تعمل المرأة في داخله ، على ألا يكون هذا العمل فوق طاقة المرأة ، فإذا كان الزوج موسرا وكانت الزوجة مريضة و تحتاج إلى من يعينها، فعليه أنأن فعليه يستأجر لها من يعينها في عملها . إذ إن مسؤولية الزوجة في العمل داخل البيت"ليس أكثر من واجب عليها ديانةً ، أي واجب يتعلق بالتقوى امتثالا لتوجيهات الشريعة بإحسان العشرة وبالمودة والرحمة، فهو اقرب إلى التطوع منه إلى الالتزام الشرعي القانوني"[26].

ثانيا: حقوق الزوجة في الإسلام :فرض الإسلام حقوقا معنوية ومادية للزوجة على زوجها. من هذه الحقوق حق المهر والنفقة وحسن المعاشرة بالمعروف . واعتبر الإسلام حسن معاشرة الزوج لزوجته من مظاهر اكتمال الخلق ونمو الإيمان، فقال الرسول  : ( من أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خُلقاً وخياركم خياركم لنسائهم )[27] . 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال الرسول : ( إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله)[28] . ومن الحقوق التي فرضها الإسلام للزوجة ما يلي:

  1. حق المهر: المهر، ويسمىالصِداق بكسر الصاد، مصدره الإصداق ، قال النووي في تكملة المجموع:" لاشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح"[29] هو مايجب على الرجل لامرأته في مقابل استمتاعه بها استمتاعا حلالا . يقول تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ [ النساء، 4] وقال تعالى: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [ النساء، 24] . والمهر واجب في كل نكاح [30] . وجاء الوجوب في السنة النبوية الشريفة لقوله عليه الصلاة والسلام لمن أراد أن يتزوج ( التمس ولو خاتما من حديد)[31] . اما ادعاء الأمم المتحدة بأن مهر الزوجة هو شكل من أشكال العنف ضد الفتاة لأنه بمثابة ثمن للعروس( bride price)، ويحول الفتاة إلى سلعة تباع وتشترى ، فإنه أمر مخالف للرؤية الإسلامية التي تعتبر المهر رمزاً للتكريم وتعبيراً عن صدق عاطفلة الرجل تجاه زوجته ، ودليل على عزم الزوج على تحمل الأعباء وأداء الحقوق .
  2. النفقة: المراد بها ما تحتاج إليه الزوجة بالمعروف من طعام وملبس ومسكن وفرش وخدمة ودواء ، وإن كانت غنية[32] من ذوات اليسار [33]. ومن الآيات الكريمة التي تدل على وجوب النفقة على الزوج قوله تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾ [ الطلاق ، 6] ، وقوله تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [ الطلاق، 7 ]. وفي السنة النبوية ما اخرجه مسلم في الحج من حديث طويل منه قوله :( فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله )[34] .
  3. المعاملة بالمعروف : من حق الزوجة على زوجها أن يحسن عشرتها ويجمل معها التصرف . قال الله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء ، 19]. وهذا الأمر يغفل عنه كثير من الأزواج الذين " يفهمون كأن الرجل زوجا معناه إجازة مطلقة له بظلم المرأة والجور عليها " [35].
ومن حسن المعاملة للزوجة عند تعدد الزوجات أن يعدل بين زوجاته، ولا يفضل واحدة منهن على الأخرى ، لأن الله تعالى أمر بالاقتصار على زوجة واحدة عند الخوف من الجور في قوله جل شأنه : ﴿ فإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [ النساء، 3 ] ،وقول  : (من كانت له امرأتان فمال مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط ) [36].

ثالثاً: الحقوق المشتركة بين الزوجين: إذا كان الله سبحانه وتعالى قد فرض حقوقا خاصة على كل من المرأة والرجل إلا ان هناك حقوقا مشتركة بين الاثنين، منها :

1- حق استمتاع كل منهما بالآخر : مِن حق الزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع ، فإذا تزوج امرأة وكانت أهلا للجماع وجب تسليم نفسها إليه إذا طلب، وإذا امتنعت الزوجة عن إجابة زوجها في الجماع وقعت في المحظور وارتكبت كبيرة ، إلا أن تكون معذورة بعذر شرعي كالحيض وصوم الفرض، والمرض وما شابه ذلك . والحجة في ذلك حديث رسول الله : ( اذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح )[37] .

وهذا الحق في الاستمتاع لا يتعلق بالزوج فقط بل أن للمرأة على زوجها حق الاستعفاف. وقد اوجب المشرع الحكيم حق المرأة في الاستمتاع كما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله  قال له: (ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت: بلى يا رسول الله: قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا ) [38].

2- حق الإنجاب : وهو حق لكل واحد من الزوجين، ولا يجوز لأحد منهما أن يتسبب في منعه أو تأخيره إلا برضا الآخر، " ويكره للزوج أن يعزل عن امرأته الحرة بغير رضاها، لأن الوطء عن إنزال سبب لحصول الولد، ولها في الولد حق، وبالعزل يفوت الولد، فكأنه سبب لفوات حقها، وإن كان العزل برضاها لا يكره، لأنها رضيت بفوات حقها " [39]. واستدلوا بحديث جذامة بنت وهب. قالت: حضرت رسول الله  فسألوه عن العزل فقال: (ذلك الوأد الخفي، وإذا المؤودة سئلت)[40] .
واختلفوا، رحمهم الله، فيما إذا لم تأذن في العزل أيكره أم يجوز أم يحرم، فذهبت الحنفية والمالكية إلى الكراهة، وقالت الشافعية والحنابلة بالجواز[41] .

3- حق التوارث بينهما: فإذا مات أحد الزوجين، والزوجية قائمة ورثه الآخر. وقد حدد الله سبحانه وتعالى نصيب كل واحد منهما في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [ النساء، 12] .

رابعا : حقوق الأبناء في الإسلام: إن وجود الأولاد في حياة الأهل نعمة عظيمة أمتن الله بها على عباده، يقول الله عز وجل: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [ الكهف، 46 ] . إلا أن هذه النعمة تحتاج من الآباء إلى صيانتها والمحافظة عليها، لأنها أمانة يحاسبون عليها يوم القيامة، لقوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يؤمرون ﴾ [ التحريم، 6] .

وهذه الوقاية تفرض على الأهل حقوقا كثيرة[42] تجاه ابنائهم، سنقتصر على الجوانب التي تتعلق بحسن معاملتهم وعدم تعنيفهم، وابرزها ما يلي:

  1. تربية الأولاد وتعليمهم أمور دينهم ، قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يؤمرون ﴾ [ التحريم، 6] ، وهذه التربية قد تستوجب في بعض الأحيان استخدام اسلوب الضرب إذا كان في هذا الضرب لمصلحتهم، لقول رسول الله : ( علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر )[43]. على ألا يكون هذا الضرب مبرحا، وأن يتقي الوجه، وألا يأتي إلا بعد استنفاذ الوسائل التربوية الأخرى، مثل الحوار والترغيب والترهيب، وما إلى ذلك من وسائل تربوية عديدة .
  2. الاهتمام بتربية البنت ورعايتها الرعاية الصالحة ، ولقد رغَّب رسول الله  في هذا العمل الصالح. عن عائشة رضي الله عنها انها قالت : (جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت، فدخل النبي ، فحدثته فقال: من يلي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهن كن له سترا من النار)[44].
  3. العدل بين الأولاد : وهذا الحق أشار إليه النبي  في الحديث الصحيح بقوله: (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) [45]، فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث .
  4. معاملة الأبناء بالمعروف، وعدم القسوة عليهم من غير حاجة، واظهار الحب لهم عبر تقبيلهم والتودد إليهم، حتى ينشأ الطفل على حب والديه وحسن معاملتهم عند الكبر. فعن ابي هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس أبصر النبي  يقبل الحسن فقال:( لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه رسول الله  ثم قال من لا يَرحم لا يُرحم)[46] .
خامسا: حقوق الوالدين في الإسلام: إن حقوق الوالدين على الأبناء في الإسلام كبيرة، لكونهما السبب في وجودهم في هذه الحياة الدنيا، ولكونهما يعانيان الأمرَّين في سبيل تربيتهم والاعتناء بهما ماديا ومعنويا، يقول تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا*. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء:23ـ24]، فهاتان الآيتان تضمنتا حقوق الوالدين بصورة لا لبس فيها ولا غموض. ونستطيع بسهولة أن نتبين منها بعض هذه الحقوق، ومنها : الأمر بالإحسان إليهما ، حيث قرن الله سبحانه وتعالى الإحسان إليهما بعبادته لعظم شأنهما. وضروب الإحسان كثيرة تتعلق بالتعامل معهما، والنهي عن نهرهما، أي حرمة زجرهما بخشونة، والإساءة إليهما بالكلمة الجارحة، أو رفع الصوت عليهما، أو تغليظ الكلام لهما وإن كان بكلمة "أف " الدالة على التضجر والتبرم. و كذلك البر بهما في حياتهما وموتهما، حتى ولو كانا كافرين لقول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان، 15] . وفي الحديث عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت: ( ثم أتتني أمي راغبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسألت النبي صلى الله عليه وسلم آصلها قال نعم )[47]. وكانت أمها على الشرك بالله.
المبحث الثالث: موقف الشريعة الإسلامية من العنف الأسري

حث الإسلام على نبذ العنف داخل الأسرة بكافة أشكاله. والايات والأحاديث في ذلك كثيرة منها : ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾، [البقرة ، 263] وقوله تعالى : ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [ آل عمران، 159 ]، وقوله عز وجل : ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [ الإسراء، 23 ] .

وهذه الآيات تورد بوضوح موقف الإسلام الرافض للعنف الأسري بكافة أشكاله، المادية والمعنوية ، حتى إن الرسول ، قدوة المسلمين، لم يمارس هذا العنف ولو على جارية، وقد قال لجاريته بعد أن اغضبته :( لولا خشية القود لأوجعتك بهذا السواك)[48].

من هنا فإن الإسلام حينما شرع قوانينه وأحكامه شرعها للمؤمنين حتى يطبقوها على أنفسهم وعلى من يتحملون مسؤوليتهم، وإذا حدث أي خلل في التطبيق فهذا يعود للمسلمين وليس للإسلام. فما موقف الإسلام من العنف بين أفراد الأسرة.

أولا: العنف ضد الزوجة في الأسرة: حرص الإسلام على كرامة المرأة زوجةً كما حرص عليها بنتاً، وقد تجلى هذا التكريم في أمور عدة ، منها :

أ- جعل الزوجة الصالحة من أسباب السعادة في الحياة الدنيا ، فقد ورد عن رسول الله  قوله : ( ثلاثة من السعادة ، وثلاثة من الشقاء ، فمن السعادة المرأة الصالحة تراها فتعجبك وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك)[49] .

ب- الحرص على ترك الحرية للمرأة في اختيار الزوج التي تحب ويميل معه هواها، فلم يرغمها الإسلام على أن تعيش مع من لا تحب وتهوى . وهذا أمر شدد عليه رسول الله  عندما قال : ( لا تنكح الثيِّب حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، وإذنها الصموت)[50].

ج- الوصية بحسن معاملة الأزواج لزوجاتهم بحيث تكون العلاقة بينهم علاقة مودة ورحمة وليست علاقة استبداد وظلم ، قال عليه الصلاة والسلام مبيناً هذا المعنى: (خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي ) [51] .

وهذا التكريم الذي فرضه الإسلام للزوجة يقابله أحكام وشرائع تحذر من الإساءة إليها والتصرف وإهانة كرامتها. أما الادعاء بأن الإسلام في سماحه بضرب الزوجة، وبمجامعة الزوج لزوجته رغما عنها يكون ممن يشجع على العنف ضد المرأة، فذلك امر مرفوض والرد عليه على الشكل التالي:

1- ضرب الزوجة : يستغل بعض المسلمين إباحة الإسلام للضرب الخفيف في الحالات القصوى, حتى يمارسوا عنفهم غير المشروع ضد زوجاتهم محتجين بالآية الكريمة من سورة النساء التي جاء فيها: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [ النساء، 34-35].

وهذا التبرير لضرب الزوجة غير صحيح إطلاقا لأن هذه الآية تختص بالزوجة الناشز، والزوجة الناشز في اللغة هي التي ارتفعت على الزوج واستعصت عليه وابغضته وخرجت عن طاعته[52] . من هنا فلا يصح اعتبار هذه الآية دليلا على اباحة الإسلام لضرب المرأة لأن الضرب هنا هو علاج لحالة شاذة ، فإذا انتفت الحاجة إلى هذا العلاج لا يصح القيام به . علما أن هذه الآية لم تطلق يد الزوج في ممارسة العنف ضد الزوجة، وإنما رسمت له منهاجاً عليه اتباعه لحل المشكلة ومعالجة الموضوع والمحافظة على كيان الأسرة. وهذا المنهج يقتضي استخدام ثلاث وسائل متدرجة، لا يصح تجاوز الواحدة منها قبل أن يكون قد استخدم الوسيلة التي قبلها وهي:

أ- النصيحة والموعظة بلطف وتحبب. ويمكن ان يستعين الزوج في هذه المرحلة بمن يمكن ان يؤثر على زوجته فيحاورها ويعرف سبب نشوزها وإعراضها ، ويقدم إليها النصيحة ويرشدها لما فيه مصلحة زواجها . وهذه النصيحة قد تأتي من بعض الأهل الثقة أو قد تكون من قبل المختصين الاجتماعيين او النفسيين الذين يحاولون الاستماع إلى الزوجين ومساعدتهما على حل مشاكلاتهما الزوجية .

ب- الهجر في المضجع نفسه وهو الفراش، يقول صاحب تفسير المنار إن : "في الهجر في المضجع نفسه معنى لا يتحقق بهجر المضجع أو البيت، لأن الاجتماع في المضطجع هو الذي يهيج شعور الزوجية فتسكن نفس كل من الزوجين إلى الآخر، ويزول اضطرابهما الذي أثارته الحوادث قبل ذلك. فإذا هجر الزوج زوجته وأعرض عنها في هذه الحالة رجا أن يدعوها ذلك الشعور والسكون النفسي إلى سؤاله عن السبب ويهبط من نشز المخالفة إلى صفصف[53] الموافقة " [54] .

ج-الضرب غير المبرح، وأن يتَوَقَّى الوجه والمواضع الظاهرة، ولا يضربها إلا لما يتعلق بحقه كالنشوز، فلا يضربها لحق الله عند جمهور الفقهاء ، كترك الصلاة[55] .

إذن المقصود من الضرب هنا هو الضرب غير المبرح ، ومثل له بعض العلماء بالضرب بالسواك أو القصبة الصغيرة ونحوهما [56]. فعن عطاء قال: "قلت لابن عباس ما المبرح؟ قال بالسواك ونحوه" [57]. "وهذا في الحقيقة ليس من باب ( الضرب) بمعنى العقاب والأذى والايلام البدني والنفسي، ولكنه يأتي بمعنى التعبير المادي بالحركة، والمس بالسواك أو ما شابهه تعبيراً عن الجدية وعدم الرضا، وعن الغضب والإعراض عن الزوجة وإبعادها عن نفس الزوج الهاجر في الفراش، وهو عكس المس باليد الذي يعني عادة التعبير عن المحبة والتدليل" [58] .

ومن الحجج على نبذ الإسلام لضرب الزوجة أنه لم يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه استخدم اسلوب الضرب مع أحد من أزواجه، وقد وصف الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثين مختلفين من يضرب زوجته باللؤم وغلاظة الحس ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( يعمد أحدكم يجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه) [59] ، وجاء في حديث آخر أخرى :( ِبمَ يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل ثم لعله يعانقها ) [60] .

وقد بنى فقهاء الإسلام بناء على هذه الأحاديث موقفهم من الضرب، فقال الشافعية والحنابلة بأنه إن جاز للزوج الضرب وتأديب امرأته لنشوزها، فالأولى تركه، قال الحنابلة : " الأولى ترك ضربها إبقاء للمودة" [61] .

2- اتيان الزوج زوجته رغماً عنها : وضع الإسلام آدابا واضحة لتحقيق الانسجام الجنسي بين الزوجين، فقال الله عز وجل: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ البقرة، 223 ]. ففي هذا الآية بيان لطبيعة المعاشرة الزوجية التي لا تحتاج إلى القسوة بل إلى اللطف واللين.

والرسول  عندما قال: ( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها) [62] . قصد بذلك تلك الزوجة التي تمتنع عن زوجها من دون عذر شرعي، أما إذا كان هناك عذر مثل المرض والاجهاد والاعذار الشرعية الاخرى من حيض ونفاس، فهذه الأمور يجب على الزوج أن يراعيها وأن لا يجبر زوجته على المعاشرة الزوجية وخاصة في حالة الحيض والنفاس، لقول الله تعالى : ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [ البقرة، 222) ، ولقول رسول الله :( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)[63].

فالإسلام يرفض اتيان الزوجة رغما عنها، ولكنه في الوقت نفسه يجعل من أهداف الزواج غض البصر وإحصان الفرج ، فلو امتنعت الزوجة عن فراش زوجها وكثرت تعليلاتها من دون سبب مقنع ، تكون بذلك سببا في حصول المشكلات الزوجية وتصاعدها، حيث إن العلاقة الجنسية الطبيعية السليمة بين الزوجين كثيراً ما تجب ما قبلها من خلافات، وتخفف من التوتر العاطفي والنفسي بين الزوجين .

3- تعدد الزوجات في الإسلام : اباح الله سبحانه وتعالى تعدد الزوجات وفقا للآية الكريمة: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء، 3 ] و قوله عز جل: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ [النساء 129] .

وهذا التعدد لم يفهمه بعض الناس ووجدوا فيه نوعا من أنواع العنف ضد المرأة، مع أن نظام التعدد نظامٌ اختياريٌ وليس إجبارياً وهو لا يكون إلا برضا المرأة . إذ إن الإسلام لم يحرم المراة من حقها في رفض فكرة التعدد، وأباح لها إذا كرهت زواج زوجها عليها أن تشترط ذلك في العقد. وهذا مذهب الحنابلة ، وحجتهم في ذلك قول رسول الله  : ( احق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) [64] .

إضافة إلى ذلك فإن من يرفض فكرة التعدد ويربطه بالعنف ضد المرأة، يبني موقفه بناء على مصالح الزوجة الأولى وينسى مصلحة الزوج ومصلحة الزوجة الثانية التي تحتاج إلى تكوين أسرة وانجاب الأولاد اسوة بالزوجة الأولى . وهي لو وجدت غير المتزوج لما أقدمت ربما على الزواج من رجل متزوج، فهي ايضا ترغب ان يكون زوجها لها فقط. فالفتاة تفضل عادة الزواج من رجل أعزب سواء كانت عزباء أو مطلقة أو أرملة .

إضافة إلى ذلك فإن العنف ينتفي في موضوع التعدد كون الإسلام يشترط على الزوج أن يعدل بين زوجاته ، فقد ورد عن رسول الله  قوله : (من كانت له امرأتان فمال مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط ) [65].

وعلى كل الأحوال فإن تصوير موضوع التعدد على أنه معضلة كبيرة في المجتمعات العربية امر بعيد عن الواقع، إذ إن "نسبة تعدد الزوجات في سائر البلاد العربية في السنوات العشر الماضية حسب إحصائية جامعة الدول العربية من ( 7- 10 ) حالة تعدد لكل ألف زيجة" [66].

4 – الإرث : يحتج بعض دعاة تحرير المرأة على قول الله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [ النساء، 11] وقوله ايضا: ﴿ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [ النساء، 176].

ويعتبرون أن الإسلام قد ظلم البنت إذ جعل لها نصف حظ أخيها من تَرِكَة الأب ، ويتغافلون عن أن هذا الحكم جاء ضمن منظومة اجتماعية اقتصادية متكاملة. فالإسلام كلَّف الرجل بما لم يكلف به المرأة، فهو المسؤول عن نفقتها ونفقة عياله وحتى أخواته إذا لم يكن لهن معيل تحت قاعدة" الغُرْم بالغُنْْم" ، بينما لم يكلف الشرع المرأة بأية مسؤوليات. فالمال الذي ترثه من أبيها يبقى لها وحدها لا يشاركها فيه مشارك ، بينما نصيب الابن معرض للنقصان بما ألقى عليه الإسلام من التزامات متوالية متجددة ، ونصيب البنت معرض للزيادة بما تقبض من مهور وهدايا .

ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن قاعدة التنصيف في الإرث المبنية على قوله تعالى : ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ ليست قاعدة مطردة ، لأن هناك حالات يتساوى فيها الذكر والأنثى كما في حال تساوي نصيب الأب وهو ذكر مع نصيب الأم وهي أنثى في ميراث ابنهما، كما أن هناك حالات أخرى تزيد بها حصة الأنثى عن حصة الذكر في الميراث، كما لو تركت المتوفاة زوجاً وابنةً، فإن الزوج (الذكر) يأخذ الربع، وتأخذ الابنة (الأنثى) ضعف ما أخذ أبوها وهو النصف .

5- حق الطلاق: يعترض كثير من المعاصرين على حصر الإسلام الطلاق بيد الرجل، ويعتبرون ان في ذلك عنفا ممارسا ضد المرأة التي قد يسيئ زوجها استغلال حقه فيطلقها من دون سبب، ويظلمها ويدمر عائلتها، ومن المفيد الإشارة في هذا الموضوع إلى النقاط التالية :

أ- إن قبول الزوجين الارتباط الإسلامي يفرض عليهما الالتزام بأحكام الشرع، والتي من بينها الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق، وتستطيع المراة الخائفة على نفسها من تعسف الرجل أن تستفيد من الحقوق التي اعطاها اياها الشرع والتي من بينها الحق في تطليق نفسها إذا اشترطت ذلك في العقد ( العصمة بيد الزوجة) .

ب- إن حصر الإسلام الطلاق في يد الزوج إنما يعود لعدة أسباب أهمها كونه معروفاً بغلبة العقل على العاطفة تناسباً مع طبيعة المرأة التي تغلب عليها العاطفة، كما أن المتضرر الأول من الطلاق من الناحية المادية فهو الذي يجب عليه المهر والنفقة لمطلقته ولعياله طوال فترة العدة والحضانة ، هذا الأمر يجعله أكثر ضبطاً لنفسه من المرأة التي قد لا يكلفها أمر رمي يمين الطلاق شيئاً.

ج- إن الطلاق وإن كان بيد الرجل إلا أن للمرأة الحق في طلب الطلاق في حال وقوع الضرر عليها، وفي قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ [ البقرة، 231] . اشارة إلى حق المرأة في طلب الطلاق إذا كان زواجها يسبب لها الضرر ، لأن الحياة الزوجية تفترض المعاشرة بالمعروف، فإذا انتفى هذا الأمر فيحق للمرأة طلب الطلاق، عملا بالقاعدة الفقهية " لا ضرر ولا ضرر " .

د- إن الشرع الإسلامي أعطى للمرأة الحق في أن تختلع ممن تبغضه ولا تقدر على العيش معه بأية حال من الأحوال، ولو لم يكن هناك سبب موجب من ضرر أو ما شابه. واكبر دليل على ذلك هو ما رواه البخاري من حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي  فقالت‏:‏( يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكن لا أطيقه‏!‏ فقال رسول الله ‏:‏ ‏‏أتردين عليه حديقته‏‏ ؟‏ قالت‏:‏ نعم، قال رسول الله  : أقبل الحديقة وطلقها تطليقة ‏)[67].

-6- سلطة الزوج ( القوامة ): يعترض المخالفون للشريعة الإسلامية على مبدأ القوامة ويجدون فيها رئاسة قائمة على ظلم المرأه التي تتعرض لاستبداد الرجل وتسلطه ، بينما الحقيقة أن القوامة في الإسلام هي قوامة رحمة ومودة . إذ إنه لو كان في الأمر استبداد وتسلط من الرجل على المرأة لكان يحق للرجل أن يمد يده إلى مال زوجته أو يمنعها من أن تتاجر بمالها ، أو أن يجبرها على تغيير دينها... والمعروف ان الإسلام أباح للمسلم أن يتزوج النصرانية واليهودية مع احتفاظ كل منهما بدينه .

إن هذه القوامة مبنية على ضرورة وجود رأس مدبر لكل مجموعة من الأفراد ، يقول عمر بن الخطاب:( إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم)[68] ، وإلا سادت الفوضى وحل الخراب في هذه المجموعة، والرجل هو الأقدر على تحمل هذه المسؤولية بسبب تكوينه النفسي والبيولوجي الذي يجعله اكثر قدرة على تحمل المصاعب ، بينما المرأة المفطورة على الرقة والحنان تكون، في الغالب، اضعف من مواجهة الصعوبات التي تتعرض لها الأسرة .

إضافة إلى ذلك فإن هذه القوامة مبنية على ان الرجل هو "المكلف الإنفاق على الأسرة ، ولا يستقيم مع العدالة في شيء أن يكلَّف فرد الإنفاق على هيئة ما دون أن يكون له القيام عليها والإشراف على شئونها ، وعلى هذا المبدأ قامت الديمقراطيات الحديثة . ويلخص علماء القانون الدستوري هذا المبدأ في العبارة التالية : " من ينفق يشرف " أو " من يدفع يراقب ".

7- الحِضانة : الحضانة في الشرع حفظ صغير ومجنون ومعتوه وتربيتهم بعمل مصالحهم [69] . وقد اجمع العلماء على وجوب كفالة الأطفال الصغار ، باعتبار أنهم خلق ضعيف ، يفتقر لكافل يربيه ، إلى أن يبلغ ما يقوم فيه بنفسه، فهو فرض كفاية .

هذا وقد جاء اهتمام المشرع بالطفل الصغير فأحاطه برعايته ووضع له المبادئ التي تكفل العناية به. وقد جعل دور الأم اهم من دور الأب، فهي الصق بالطفل واحن به وارحم. لذلك جعلها الإسلام أولى بحضانته من والده في بداية مراحله الأولى من سنوات طفولته . والأصل فيه حديث عبدا لله بن عمرو بن العاص (أن امرأة قالت يارسول الله ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وأن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال لها رسول الله  أنت أحق به مالم تنكحي)[70] .

ويعود السبب في إزالة حق الحضانة عن الأم في حال زواجها أنها إذا تزوجت اشتغلت بحقوق الزوج وأولاده عن الحضانة . كما أنها في زواجها يمكن ان تعرض ابناءها لقسوة زوج الأم الذي قد لا يرغب بوجودهم في بيته والانفاق عليهم .

هذا وقد اختلف العلماء في تحديد نهاية فترة الحضانة، فحددها مالك بالبلوغ في الذكور وأما في في الإناث فإلى "أن تتزوج، ويدخل بها زوجها إلا أن يكون موضع أبيها أصون لها وأمنع، إذا ثبت ذلك، فيختار لها الموضع الأصون" [71] .

واما عند الأحناف " فوقتها إلى ما بعد الاستغناء في الغلام إلى وقت البلوغ ، وبعد الحيض في الجارية "[72] .وعند الشافعي إذا بلغ الولد سبع سنين، أو ثمانيا خير بين أبويه فمن اختار منهما كانت الحضانة له [73] .

على ان هذا التخيير لا يكون إلا إذا حصلت به مصلحة الولد كما قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد حيث قال :" فلو كانت الأم اصون من الاب واغير منه قدمت عليه، ولا التفات الى قرعة ولا اختيار الصبي في هذه الحالة، فإنه ضعيف العقل يؤثر البطالة واللعب، فإذا اختار من يساعده على ذلك فلا التفات الى اختياره "[74].

8- القتل على خلفية جرائم الشرف :لا يوجد في القانون اللبناني شيء اسمه "جرائم الشرف"، وإنما عرف هذا المصطلح بين الناس كتعبير عن كل جريمة يرتكبها رجل بداعي الدفاع عن عرضه.والمادة التي تتناول هذه الجريمة في قانون العقوبات اللبناني هي المادة 562 التي تنص على أنه: " يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع، فأقدم على قتل أحدهما أو ايذائه بغير عمد، ويستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو حد فروعه أو أحد أصوله أو أخته في حالة مريبة مع الآخر " [75] .

ولا بد من التنبيه هنا أنه لا يوجد ايضاً في الشريعة الإسلامية شيء يسمى بـ"جرائم الشرف"، فالإسلام حرم القتل واعتبره من أكبر الكبائر، ومنطق القتل بدافع الشرف هو منطق مرفوض إسلامياً .‏ وقد اعتبر الدكتور "محمد حبش" مدير "مركز الدراسات الإسلامية" في دمشق أن هذه الجرائم فيها ثلاث مخالفات شرعية ظاهرة وكل واحدة منها تعد من أكبر الكبائر:‏

"الكبيرة الأولى: إنه إثبات لحد بغير بينة شرعية، ولا حد بدون بينة، ومعلوم أن البينة الشرعية تقتضي أربعة شهود بشروط صارمة، تجعل من المستحيل إثبات هذا اللون من الجرائم عن طريق البينة.‏

الكبيرة الثانية: وهي الافتئات، ومعناها إقامة الحدود عن طريق الأفراد وهذا حرام شرعاً، وهو من الكبائر، فلا يجوز شرعاً إقامة أي حد إلا عن طريق ولي الأمر الشرعي.‏

الكبيرة الثالثة: هدر دم المسلم بغير حجة[76] لقول الله عز وجل: ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ [ النساء/ 93].

ثانيا: العنف ضد الأطفال في الأسرة: شدد الإسلام على نبذ العنف ضد الأطفال في العائلة. ومن الأحاديث التي تروى في هذا المجال حديث الرسول : (عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش)[77]، وحديث: (علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف)[78]. وحديث: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه)[79].

وهذا الواقع المناهض للعنف ضد الطفل امر أقره الإسلام قبل ان تقره وثيقة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل( Convention on the Rights of the Child ) الصادرة من الأمم المتحدة بقرارها رقم ( 44/25) بتاريخ 20 تشرين الأول – نوفمبر 1989م. ، ووثيقة "عالم جدير بالأطفال WFFC" (A World Fit for Children ) التي صدرت عام 2002م. كوثيقة آليات وسياسات لتفعيل وتطبيق اتفاقية حقوق الطفل.

وقد جاءت هاتان الوثيقتان بكثير من المغالطات التي تتنافى مع النظرة الإسلامية للطفل من جهة، ولبعض مفاهيم العنف من جهة أخرى. لذلك قام مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف بإصدار "ميثاق الطفل في الإسلام"، بالتعاون مع اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل التابعة للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، ردا على ميثاق الأمم المتحدة للطفولة، الذي شملت بنوده، بحسب الأزهر، "مخالفات صريحة للشريعة الإسلامية" .

وقد جاء هذا الميثاق ليؤكد على أهمية الأسرة بالنسبة للطفل، مشددا على أن الإسلام حرص على أن ينشأ الطفل في أسرة ممتدة الروابط، تعمل على حمايته ورعايته وتربيته.ودعا الميثاق إلى حماية الطفل من العنف وإساءة المعاملة، وغير ذلك مما يمس كرامته، سواء وقعت من الوالدين أو ممن يتعهده أو يقوم برعايته، كالمدرس في المدرسة أو المربية في المنزل، أو المشرف في النادي، وغيرهم .

  1. العنف ضد الطفل قبل الولادة : اتفقت كلمة الفقهاء على أن إسقاط الحمل بعد نفخ الروح فيه حرام ، لا يحلّ لمسلم أن يفعله لأنه جناية على حي ، ولذلك وجبت فيه العقوبة . أما إسقاطه قبل نفخ الروح فيه فرأى فريق أنه جائز توهماً منه أنه لا حياة فيه ، فلا جناية بإسقاطه ، ولا حرمة . والتحقيق أنه حرام ، لأن فيه حياة محترمة ، هي حياة القبول والاستعداد . وقال فيها الإمام الغزالي : "إنه جناية على موجود حاصل ، وأن أول مراتب الوجود أن تقع المادة في المحل وتختلط بالبويضة وتستعد لقبول الحياة ، وإفساد ذلك جناية ، وتعظم الجناية كلما انتقلت المادة من طور إلى طور حتى تصل إلى منتهاها بعد الانفصال حياً ... ومن هنا وجب حمل القول والإباحة على حالة ترتب الضرر الفادح ، كموت الأم إذا لم يُسْقَطِ الجنين " [80] . علماً بأن إجهاض الطفل الأنثى ما زال شائعاً في دولتين كبيرتين هما الصين والهند اللتين يبلغ عدد سكانهما حوالي 3 مليارات نسمة .
  2. انواع العنف ضد الأطفال: تمتاز معاملة الأطفال في الإسلام بالرقة والحنان والشفقة والعناية والتوجيه. ولا تقتصر التربية والتوجيه على حب الأبناء الذكور ولكن تتعداه إلى حب البنات وعدم التضجر من ولادتهن، وقد حث النبي على تربية البنات والإحسان إليهن وجعل من يحسن إلى اثنتين أو ثلاث منهن رفيقه في الجنة ، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله  قال: ( من عال جاريتين حتى تبلغا ، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين . وضمّ أصبعيه)[81] .

وفي نظرة تفصيلية لبيان حكم الإسلام في العنف الموجه ضد الأطفال- وفق النظرة الدولية لهذا العنف- يلحظ وجود ثلاثة انواع من العنف سنذكرها هنا مع بيان ما يتفق ويتعارض فيها مع الشريعة الإسلامية .

أ- الاعتداء أو الأذى العاطفي: هو الحاق الضرر النفسي والاجتماعي بالطفل ، وذلك من خلال ممارسة سلوك ضد الطفل يشكل تهديداً لصحته النفسية، بما يؤدي إلى قصور في نمو الشخصية لديه، واضطراب في العلاقة الاجتماعية بالآخرين .ومن اشكال العنف العاطفي:

1- الحرمان والاهمال والتدليل الزائد: كحرمان الطفل من اللعب والحنان والرعاية، ومن حقه في التعليم واللعب، والقسوة في المعاملة أو التدليل الزائد والحماية المسرفة[82]. و كذلك الإهمال الذي هو نمط سلوكي يتصف بإخفاق أو فشل أو ضعف الأسرة والمدرسة في اشباع كل من الاحتياجات البيولوجية ( مثل الحاجة إلى المأكل والمشرب والملبس والمأوى)، والاحتياجات النفسية (مثل الحاجة إلى الأمن والأمان، والرعاية) [83].

وهذا النوع من العنف نبذه الإسلام، حيث كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة بالأطفال ومعاملتهم معاملة حسنة. ولا أدل على ذلك ما رواه ابو هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس أبصر النبي  يقبل الحسن فقال:( لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه رسول الله  ثم قال من لا يرحم لا يرحم)[84] .

2-الزواج المبكر: عُرِّف الطفل في بالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، بأنه: " هو كل انسان لم يتجاوزالثامنة عشرة من عمره " . وهذا التعريف الذي حدد سن الطفولة بـ 18 سنة أمر خطير جدا لأنه "يجعل الزواج قبل سن 18 عاما زواجاً لاغيا وباطلا . ويعتبره من اعمال الإكراه [85] .

ويحتج انصار هذه الاتفاقيات في دعوتهم إلى رفض الزواج المبكر إلى عدم حصول الفتاة على "الأهلية القانونية والنضج الكاف لإتخاذ قرار إختيار الشريك أو القبول به وبما يسبب حرماناً للطفلة من حقوقها في التعليم ويحملها أعباء نفسية وإجتماعية وصحية ويصيبها أو يحتمل أن يصيبها بسببه ضرر نفسي أو صحي أو جنسي" [86] .

إن رفع سن الزواج إلى 18 سنة ينافي النظرة الإسلامية التي ربطت أهلية الزواج بالبلوغ ، والذي يمكن تحديده بظهور علاماته المعروفة، لا بوصول الانسان إلى سن معينة، ثم إن الناس ليسوا سواء في البلوغ ، فالبلوغ يتأخر في المناطق والبلدان الباردة ويتقدم في الحارة، الشيء الذي يجعل ربط الزواج بالبلوغ أقرب للطبيعة البشرية من ربطه ببلوغ الانسان سن معينة .

ويأتي الخلاف بين النظرة الاسلامية لموضوع الزواج المبكر وبين المواثيق الدولية في نظرة كل منهما إلى العلاقة الجنسية: ففيما يشجع الإسلام على الزواج المبكر بهدف سد أبواب الحرام ومنع الانحراف في المجتمع، وحجته في ذلك الآيات والأحاديث التي تحث على التبكير في الزواج، منها قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾ [النور، 32] وقوله عليه الصلاة والسلام : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء) [87] . أما المواثيق والإعلانات الدولية فإنها لا تجد حرجاً في إقامة العلاقات الجنسية خارج الزواج ، بل وتعتبره بابا من ابواب الحرية الشخصية التي كفلت هذه المواثيق بحمايتها .

3- الولاية في الزواج: اتفق جمهور الفقهاء، ما عدا الحنفية، على ضرورة وجود الولي في عقد النكاح وكل عقد يخلو من الولي يقع باطلاً، وحجتهم في ذلك قول رسول الله : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل ، وان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فان اشتجروا فالسلطان ولي من ولا ولي له )[88] . كما يحتجون أيضاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا نكاح إلا بولي)[89] . فليس للمرأة مباشرة عقد النكاح ، سواء أكانت صغيرة أم كبيرة .

وكذلك اتفق جمهور الفقهاء على تقسيم الأولياء إلى مجبر وغير مجبر، أما الحنفية فيرون أن ولاية الإجبار لا تكون إلا على الصغير والصغيرة ومن في حكمهما ، جاء في المذهب الحنفي : " لا يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح، وإذا استأذنها فسكتت أو ضحكت فذلك إذن منها، وإن أبت لم يزوجها"[90]. وذلك أفضل لتحقيق كرامة الفتاة وإنسانيتها .

أما الشافعية فقد اشترط الشافعية في الوالد الذي يجبر ابنته على الزواج أن يزوجها بشروط منها:"

  1. أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة .
  2. أن يزوجها من كفء .
  3. أن يزوجها بمهر مثلها .
  4. أن يكون من نقد البلد (أي المهر).
  5. أن لا يكون الزوج معسراً بالمهر 
  6.  أن لا يزوجها بمن تتضرر بمعاشرته كأعمى وشيخ هرم.
  7. أن لايكون قد وَجب عليها الحج ، لكون الحج على التراخي ولها غرض في تعجيل براءة ذمتها"[91].

2- الاعتداء أو الأذى الجسدي: هو أشد وأبرز أنواع العنف، وهو الذي يتعلق بالأذى الجسدي واستخدام القوة، ويتراوح من أبسط الأشكال إلى أخطرها وأشدها ، وسنقتصر في هذا البحث على ذكر نوعين من انواع العنف الواردة في تعريفات الأمم المتحدة ، وهي تأديب الأولاد، وختان الإناث.

أ-تأديب الأطفال: التأديب مفهوم اساسي من مفاهيم التربية ، وهو ضرورة حياتية بالنسبة للأبناء ، وهو حق من حقوق الطفل لقول لرسول الله :( من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه)[92] . وقال عليه الصلاة والسلام:( لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع ) [93] .

والتـأديب ليس عملا انتقاميا ضد الطفل وإنما هدفه تربوي ووسيلته تربوية. ويشترط في التأديب شروطا منها: ألا ينال من كرامة الفرد التي حفظها الشرع، أو يتجاوز حدود التأديب، أو يحث على ممارسة أمور لا تقبلها الأخلاق . ومنها ألا يأتي الضرب قبل بلوغ الطفل العاشرة من العمر ، لقوله  ( مروا الصبيان بالصلاة لسبع واضربوهم عليها في عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع)[94]. ومنها ألا يلجأ المربي إلى الضرب إلا بعد أن يستنفذ جميع الوسائل التأديبية والزجرية، و أن يتجنب الضرب في الأماكن المؤذية كالرأس ، والوجه، لأن الضرب في هذه الأماكن يمكن أن يؤدي إلى ضرر، فيكون المنع لقوله :(لا ضرر ولا ضرار) [95] . ومنها أخيرا ان يقوم المربي بضرب الولد بنفسه، ولا يترك هذا الأمر لأحد من الأخوة، حتى لا تتأجج بينهم نيران الأحقاد والنزاعات [96].

ب- ختان الإناث : جاء في لسان العرب في مادة ( ختن) : الختان موضع الختن من الذكر وموضع القطع من نواة الجارية[97] . و تنتشر ظاهرة ختان الإناث بشكل كبير في القارة الإفريقية ، حيث تمارس في 26 بلدا هناك حسب البيانات الصادرة من اليونيسيف، بالإضافة إلى بلدان أخرى[98].

وتنقسم الآراء في خصوص ختان الإناث إلى اقسام عدة، ففيما رأى الحنفية أنه مكرمة للنساء ، لأنه يجعل الجماع ألذ وأمتع، يرى المالكية أنه مندوب أو مستحب . بينما يجد كل من الشافعية والحنابلة أنه واجب [99]. ويستند الداعون إلى ختان الإناث إلى احاديث الرسول ‏(‏ الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء‏)[100]‏، وحديث الرسول  لأم عطية : (‏ إذا أخفضت فأشمي ولا تنهكي فانه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج ‏)‏ [101].‏ وفي قوله  : ( إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان وجب الغسل)[102] "دليل على أن النساء كن يختتن، ولأن هناك فضلة فوجب إزالتها كالرجل"[103] .

بينما احتج القائلون بعدم وجوب الختان على الاناث من كون الرسول  لمّا شرع الختان لأمة الإسلام ، كان يخص بذلك الرجال دون الإناث ولم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام أمر امرأة بالاختتان ، والأحاديث النبوية الواردة في ختان الإناث ضعيفة لم يصح منها شيء[104].

وهذا الرأي يتناسب أكثر مع واقع النساء والرجال في العالم الإسلامي عبر القرون، ففيما نجد أن كل أطفال المسلمين الذكور قد تعرضوا للختان، نجد ان الختان بالنسبة للفتاة لا يوجد إلا في بعض الدول الأفريقية خاصة، التي تحتكم للعادات والتقاليد أكثر من احتكامها إلى الشرع والدين مما يسيء للفتاة ويحرمها في كثير من الأحيان من حقها في الاستمتاع الجنسي .

2- الاعتداء أو الأذى الجنسي: وهو شكل من أشكال الاعتداء الجسدي ، و يقصد به استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لشخص آخر . والاعتداء الجنسي يبدأ من التحرش الجنسي إلى ممارسة الجنس بشكل كامل مع الطفل، مما يؤدي بلا شك إلى عدة آثار سلبية خطيرة على الطفل ، منها إفساد أخلاق الطفل، تهتك الأعضاء الجنسية لدى الطفلة، حرمان الطفلة من الحمل والولادة في المستقبل ، مشكلات الحمل المبكر والخطير لدى الطفلة [105].

وتظهر الاحصائيات أن هذا النوع من الاعتداء تتزايد نسبته في المجتمعات العربية والإسلامية. فقد أشار المؤتمر اللبناني الرابع لحماية الأحداث عام 2000م. إلى ارتفاع عدد الاعتداءات الجنسية على القاصرين خاصة الذكور منهم على يد أقرباء لهم أو معتدين قاصرين[106]. وفي السعودية نقلت "صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن جهات معنية بالعنف الأسري في السعودية بتاريخ 19/ 12/ 2006م. ، أن هناك نحو 50 حالة حمل من محارم مسجلة رسميا، كما أن أكثر حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال هي من أقارب وأشخاص معروفين للطفل"[107] .

هذا وتعمل القوانين المحلية على تشديد العقوبة على الجاني الذي يعتدي على محارمه، فقد حدد المشرع المصري مدة هذه العقوبة بتسع سنوات، فجاء في المادة 491 :" كل من جامع قاصرا لم يتم الخامسة عشرة من عمره عوقب بالأشغال الشاقة لتسع سنوات".

وهذه العقوبة كما هو معروف غير رادعة للمجرم، كما انها لا تشفي غليل الضحية وأهلها التي تشعر بأن هذه الفترة ليست كافية لعقاب المجرم ، وأن السِّجن والتعويض المادي ليسا كافيين في التعويض عن مأساتها . من هنا تأتي الدعوة إلى تبني حكم الإسلام في سفاح المحارم، الذي يتراوح بين حد الزنا كما في أحد آراء أحمد، ومالك والشافعي، وحد القتل كما قال الإمام أحمد : "يقتل ويؤخذ ماله إلى بيت المال، وذلك لما روى عن البراء أنه قال : لقيت عمي ومعه الراية، فقلت : إلى أين تريد ؟ فقال : (بعثني رسول الله  إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده ، أن أضرب عنقه ، وآخذ ماله )[108] .

وقد ذكر ابن القيّم الجوزية حادثة حصلت في زمن الحجاج فقال: " حدثنا صالح بن راشد قال : أُتي الحجاج برجل قد اغتصب أخته على نفسها ، فقال: احبسوه وسلوا من ها هنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ فسألوا عبد الرحمن بن مطرف فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من تخطّى الحرمتين[109] فخطوا وسطه بالسيف " [110].

ثالثا: العنف ضد المسنين في الأسرة: يتخذ الإهمال وسوء المعاملة والعنف الذي يمارس ضد كبار السن في عالمنا المعاصر أشكالا عدة: جسدية ونفسية ووجدانية ومالية ومادية. وهذه الأشكال من العنف تحدث في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعرقية والجغرافية.

وتشير دراسة سعودية أجرتها "وزارة الشؤون الاجتماعية" في المملكة العربية السعودية عام 2006م.، تحت عنوان "العنف ضد كبار السن" إلى زيادة معدلات العنف ضد كبار السن في المجتمع السعودي، وأن أكثر أنواع الإيذاء يتمثل في الإهمال إذ بلغ المتوسط 2.8 في المائة، يلي ذلك الإيذاء النفسي بمتوسط 2.49 في المائة، حسب صحيفة الاقتصادية السعودية . وقد كشفت هذه الدراسة أن أغلب مشكلات المسنين الاجتماعية تتمثل في: الحرمان الاجتماعي، تقلص العلاقات، فقدان الأمن الاقتصادي، فقد الدور، التقاعد، الترمل، الطلاق، ومشكلات شغل وقت الفراغ. هذا إضافة إلى مشكلات الرعاية الشخصية المتمثلة في نظافة البدن والملبس والمأكل [111].

وفي دراسة قامت بها وزارة الصحة في البحرين ورد تعريف لسوء معاملة المسن، وقد قسمته إلى أقسام:

  • "سوء المعاملة الجسدية: وهي الضرر الذي يصيب الضحية من الناحية الجسدية مثل الحرمان من المأكل والملبس، وعدم العناية الشخصية وفقدان العطف. ويعتبر استعمال العنف والقوة أحد أبرز مظاهر سوء المعاملة الجسدية.
  • سوء المعاملة العاطفية: ويشمل الإهانة والتأفف والتحرش والتهديد والشتم وارتفاع نبرة الصوت والاهمال العاطفي.
  • سوء المعاملة المادية: التصرف في الأموال والممتلكات والمصاريف اليومية بدون موافقة الضحية.
  • سوء المعاملة الجنسية: التحرش الجنسي والاجبار أوالاكراه على ممارسة الجنس ضد رغبة الضحية [112] .
ويتميز العنف ضد المسنين عن غيره من الأنواع التي تحدث مع المرأة والطفل إلى أن "كبار السن الذين يتعرضون لسوء المعاملة ربما لا يبرأون أبدا من آلامهم الجسدية أو النفسية. وقد تتفاقم تأثير الصدمات عليهم لأن الخوف والخجل يجعلان كبير السن يحجم عن طلب المساعدة"[113]، أو عن تقديم الشكوى. لذلك يلحظ أن المسن قد يتعرض بالفعل للاعتداءات المتكررة التي تكشف عنها الأوساط الاجتماعية أكثر مما تبينه الإحصائيات الرسمية.

إن المخجل في حوادث العنف ضد المسنين أنها تتم على أيدي أقرب الناس إليهم، فنجد بعض الأبناء الذين تجردوا من إنسانيتهم يمارسون انواعا عدة من العنف ضد ذويهم، منها :

  1. التعنيف الذي يبدأ بالاساءة اللفظية وينتهي بالضرب. وهذا النوع من العنف يؤذي المسن ويحطم من معنوياته التي هي بالكاد مستقرة بسبب عامل السن. وكذلك تحط من كرامته التي حفظها الله سبحانه وتعالى لكل البشر بقوله: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء ، 70]. فكرامة الإنسان لا تتعلق بالجنس ولا بالسن بل هي أشد وجوباً عند كبر السن وذلك لكي يبقى للأمة الإسلامية قوتها وسلامتها ، فرسول الله يقول  : ( ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ) [114] .
  2. ارسال الأهل وكبار السن من ابناء العائلة إلى دور العجزة من دون اية رحمة او شفقة. مع أن الله عز وجل عندما قال في كتابه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء، 23]، حدد المكان الذي يقيم فيه المسن في مرحلة الشيخوخة وهو بيت ابنه أو ابنته وليس بيت المسنين .
إن وجود هذه الدور قد ساهم في زيادة الشرخ بين الأهل والأبناء، إذ جعلت هؤلاء الأبناء يتخلون عن مهامهم بسهولة ، وقد تناسوا قول الرسول : ( كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة ، إلا عقوق الوالدين ، فإنه يعجله لصاحبه في الحياة قبل الموت) [115]. والإسلام لا يلقي مسؤولية إيواء الآباء المسنين أو العاجزين إلى دور العجزة إلا إذا لم يكن لهم أولاد أو اقرباء [116].

رابعا: عنف المرأة ضد أفراد أسرتها: تهمل الأمم المتحدة والجمعيات التابعة لها موضوع العنف الذي تمارسه المرأة داخل الأسرة وتركز على العنف الممارس ضدها، مع أن بعض الدراسات الميدانية التي أجريت في محيط المجتمعات العربية ذكرت أن الرجل يعاني في بعض المجتمعات من العنف الأسري بنسبة أكبر من معاناة المرأة [117] . 

ويمكن تقسيم عنف المرأة داخل الأسرة إلى ثلاثة اقسام:

1-عنف المرأة ضد زوجها: تتعدد أنواع العنف الذي تمارسه الزوجة ضد زوجها في الأسرة ، ومن هذه الأنواع ما يلي:أ- العنف البدني المتمثل في التعدي بالقتل، الضرب، تعمد التشويه، الإيذاء وتشويه السمعة. ب- عدم مشاركته الفراش كرهاً، أو إهمالاً، أو التمنع عنه كنوع من الإذلال. ج- تأليب الأبناء عليه باختلاق الأكاذيب التي تشوه صورته أمامهم. د_ محاولة تدمير معنوياته، مثل اتهامه بالفشل، ومعايرته إن كان فقيراً.[118]

وتبين نتيجة احصاء لسجلات محاكم الأحوال الشخصية العاملة في بيروت في العام 1992/1993 م. ، قام به مركز " العيادة الاجتماعية في خدمة العائلة العربية" العائد إلى المحامي البناني " أسعد بكار" رحمه الله، أن الرجل اللبناني يمارس العنف المادي في علاقته مع زوجته بنسبة %3,6 بينما العنف المعنوي والنفسي تمارسه المرأة في علاقتها مع الرجل بنسبة 1,18%[119] . ومن انواع العنف الذي تمارسه المرأة في اسرتها مايلي:

1-ضرب الأزواج: يستغرب الانسان عادة فكرة ضرب المرأة لزوجها على اعتبار أنها الكائن الأضعف، والرجل يتمتع بقوة بدنية اكبر من تلك الموجودة عند المرأة، ولكن الدراسات تبين أن ضرب الزوجة لزوجها اصبحت ظاهرة في بعض الأسر ومن بينها بعض الأسر المصرية. كما تؤكد على ذلك أكثر من دراسة للمعهد القومي للبحوث، خلاصتها أن نسبة تقارب الربع من المصريات المتزوجات يضربن أزواجهن[120].

ومما يؤكد تفاقم هذا العنف، هو بدء تاسيس الجمعيات الخاصة بالأزواج الذين تعرضوا للعنف ، ففي "سابقة تعد الأولى من نوعها، تم إنشاء أول ملجأ للأزواج المضطهدين من قبل زوجاتهم في تونس. [121].

والعوامل المؤدية إلى سلوك المرأة طريق العنف ضد زوجها عديدة منها: زواج المرأة من رجل ضعيف الشخصية ، تحمل المرأة في بعض الأسر مسؤولية البيت والانفاق وتربية الأولاد، بعض حالات الانحراف، وكذلك الأمر بالزوجات اللواتي يتناولن المخدرات والمسكرات .

2- سوء معاملة الأبناء: إن العنف ضد الأطفال الذي ورد الحديث عنه سابقا لا يمارسه الرجل فقط بل إن الأم قد تمارس عنفا أقوى من ذلك الذي يمارسه الأب على اطفاله، وذلك بسبب احتكاكها المباشر بهم، ووجودها معهم في فترة أطول مما يفعله الرجل في الغالب.

وفي مجال عملي في موقع المستشار على الشبكة العنكبوتية وردتني استشارات عديدة يشتكي اصحابها من ظلم امهاتهم وسوء معاملتها لهم. وقد جاءت بعض عناوين هذه الاستشارات على الشكل التالي: مشكلتي أمي! ، أمي تغار مني وإن لم تصدقوني!، أمي تهوى تشويه سمعتي!! كان جسدي مسرحاً لضرباتها وذلك لأهرب منها لأني أشبه أبي.. فقط هذا ذنبي!! ...و هذه الاستشارات وغيرها كثير مما يرد على المواقع الالكترونية تلغي في بعض الأحيان صورة الأم الحنون الذي تُرسم في أذهان الأطفال في الكتب الدراسية، وتعطي نموذجا مغايرا عن معاناة بعض الأبناء مع امهاتهم التي قد لا تنتهي في فترة الطفولة والمراهقة بل تستمر حتى بعض الزواج، حيث تتحول إلى عنف ضد زوجة الابن التي كثيرا ما تعاني من تسلط والدة زوجها وسوء معاملتها لها ولأبنائها .

إن مشكلة ضرب الأم لأبنائها تكمن في اسباب عديدة منها : 1-عنف الزوج مع زوجته الذي تحوله الأم إلى اولادها انتقاما من الوالد الذي اساء معاملتها .2- عدم وعي الأمهات لمتطلبات المراحل العمرية للأبناء والتي تتغير باستمرار .3- سوء التربية التي تعرضت لها الأم في منزل أهلها، فالشخص الذي ينحدر من أسرة مارس أحد أفرادها العنف عليه، سيمارس في اغلب الأحيان الدور نفسه، اعتقادا منه أن ما يمارسه من عنف تجاه أولاده هو أمر عادي كونه مورس عليه من قبلً.

3-العنف ضد الخدم: من انواع العنف الذي تمارسه المرأة داخل الأسرة ذلك العنف الموجه ضد الخدم والذي قد يتجاوز التعنيف والضرب ليصل إلى حد القتل . والكل يذكر حادثة الممثلة المصرية " وفاء مكي" التي حكم عليها لمدة عشر سنوات نتيجة ضربها لخادمتها ضربا مبرحا كاد يؤدي إلى موتها .

إن انتهاكات حقوق الخادمات وممارسة العنف ضدهن امر أكدت عليه دراسة حديثة قامت بها منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي نشرت مؤخرا تقريرا حول بعض التصرفات المسيئة لحقوق الإنسان تجاه العاملات الأجنبيات في كل من لبنان والسعودية والكويت والإمارات. وقد بُنيت معطياته على مقابلة 170 شخصاً في سريلانكا موزعين على عاملات خدمنَ في البيوت. جاءت نتيجة التقرير لتذكر انواع العنف الممارس على الخدم والذي يبدأ بالإهانات اللفظية والجسدية ليصل إلى حدود الإيذاء بالضرب، وينتهي بالاغتصاب. وقد اشار التقرير إلى أن حجز حرية العاملات وأوراقهن ورواتبهن احتلت المرتبة الأولى في سلم الانتهاكات [122] .

إن هذا الواقع الذي يعاني منه الخدم تفاقم لدرجة إلى انه اصبح ظاهرة خطيرة تدعو للانتباه إليها، كما قال الاستشاري النفسي "الدكتور طاهر شلتوت" الذي لاحظ ايضا " ان الشكوي من التعذيب الجسدي او اللفظي قد تأتي من النساء أكثر من الرجال. وتفسير ذلك ان مساحة الاحتكاك بين الخادمة وربة الأسرة يكون أكثر من غيرها من أفراد المنزل. كما ان ذلك قد يعود ايضا الي وجود دافع نفسي عميق يتمثل في شعور المرأة أو الزوجة بأن هذه الخادمة تقوم ببعض الأدوار التي كان ينبغي ان تقوم هي بأدائها مما يخلق نوعاً من الخبرة غير المعلنة والذي يفسر أحيانا الاندفاعية والعصبية أو العدوانية في بعض الاحيان من السيدات تجاه الخادمة أكثر من الرجال" [123].

المبحث الرابع: أسباب العنف وآثاره على الأسرةأولاً: أسباب العنف

تتعدد أسباب العنف الأسري، منها ما يتعلق بالمعنِّف ومنها ما يتعلق بالمعنَّف .

1- أسباب تتعلق بالمعنِّف : توضح الوقائع والدراسات ان الذين يتسببون في أفعال العنف في داخل الأسرة هم أفراد عاديون، ومن عامة الناس، ولا ينتمون بالضرورة إلى فئة منحرفة، لكن بعض الباحثين يقول أن نسبة عالية من المتسبيين في أفعال العنف العائلي هم من الذين عندهم تاريخ مع الجريمة، فقد وجد أحد الباحثين وهو(Grayford) أن خمسين بالمئة من الأزواج الذين ضربوا زوجاتهم سبق لهم أن قضوا وقتاً في السجن، إذ إن العنف عند هؤلاء ليس بالشيء العارض بل هو الطريق لوضع حد لمختلف ألوان الاختلاف مع الآخرين "[124].

وتعود الأسباب التي تؤدي إلى استخدام الشخص للعنف إلى ما يلي:

أ- اعتقادات الجاني والتي تجعله يؤمن بمشروعية العنف، ومن الآيات القرآنية التي يمكن الاحتجاج بها قول الله تعالى : ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [ النساء، 34-35]. وقد سبق وبينا المقصود بالضرب في هذه الآية الكريمة.

ب- التربية التي يتلقاها الزوج من بيئته ومجتمعه واسرته والتي تصور له فعل العنف وكأنه أمر طبيعي يحصل في كل بيت وداخل كل أسرة. وقد يكون الزوج قد تربى على العنف منذ صغره، مما يجعل هذا الأمر ينطبع في ذهنيته، ويجعله أكثر عرضة لممارسة هذا العنف في المستقبل. وقد أثبتت الدراسات الحديثة "بأن الطفل الذي يتعرض للعنف إبان فترة طفولته يكون أكثر ميلاً نحو استخدام العنف من ذلك الطفل الذي لم يتعرض للعنف فترة طفولته [125] .

ومن التصورات الذهنية الخاطئة العائدة إلى سوء التربية, ذلك الاعتقاد بأن في ضرب الزوجة اصلاحاً لها، أو أن ضرب الزوجة يرتبط باثبات الرجولة و فرض الهيبة، وان استخدام الضرب سيجعل المرأة اكثر طاعة للزوج وتنفيذا لأوامره .

ج- تفريغ الانفعالات التي يشعر بها المعنِّف في حياته اليومية مثل الغضب والضغط الذي يلاقيه في المجتمع وخاصة من رؤساء العمل ، والغيرة التي هي انفعال مركب من حب التملك والشعور بالغضب. ويعاني كثير من النساء مما يعرف بغيرة الزوج العمياء التي يراها هو دليل محبة بينما هي تراها دليل على شك وعدم ثقة.

د- الاسباب النفسية التي تفقد المعنِّف عقله وتخرجه عن طوعه. و من نماذج الأمراض النفسية التي قد تؤدي إلى العدوان "السيكوباتية" ، وهي ما يعرف بحالة التخلق النفسي أو الروحي. و يبدأ تطور الحاسة الخلقية عند السيكوباتيين منذ الطفولة ، حيث يبدي السيكوباتيون سلوكاً عدوانياً منذ السنين الأولى لحياتهم [126] .

هـ المشكلات الاقتصادية من بطالة وفقر وديون وما إلى ذلك من امور تزيد من الضغوط النفسية على الزوج وتزيد من شعوره بالعجز والضعف. والمثل يقول:" إذا دخل الفقر من الباب خرج الحب من الشباك". ولا يعتبر الفقر مؤثراً على شخصية الفرد إلا في حال استمراره مدة زمنية طويلة . فالإنسان إذا عانى ضيقاً مادياً مؤقتاً ، وكان يتمتع بالتربية الدينية والأخلاقية ، فإنه نادراً ما ينقلب إلى استعمال العنف والإجرام. فالإجرام إذاً " ليس رهناً بضغط ظروف اقتصادية سيئة في وقت ما بقدر ما هو رهن بتواتر هذا الضغط واستمرار تأثيره على الفرد وعلى سلالته على مرّ الأوقات"[127] .

ومن المشكلات الناتجة عن الفقر والتي تساهم في نشوء العنف ، اهمال التربية، ازدحام المساكن، استغلال السلطة وما إلى ذلك .

و- الانحرافات الأخلاقية مثل شرب الخمور والمسكرات التي تؤجج الخلافات العائلية وتؤدي إلى اللجوء إلى العنف، وفي دراسة للمقدم " سعاد عبد الله محمد" نائب رئيس قسم مكافحة المخدرات بعدن، تبين "ان جرائم الاعتداء على المحرمات في اليمن كان معظمها بسبب تعاطى الخمر وقلة الوازع الديني[128] .

ز- التأثر بما تعرضه وسائل الإعلام من مشاهد تشجع على العنف، ومن ذلك مشاهدة الأفلام العنيفة التي تدفع الزوج إلى تطبيق ما رأى على أسرته، وقد أثبتت الدراسات خطأ هذه النظرية إذ إن التعرض لوسائل الإعلام التي تعرض الممارسات العنيفة " لا تنفس عن الفرد بقدر ما تدفعه وتحرّضه على ممارسة السلوك العنيف " [129] .

وقد دلت الأبحاث على وجود علاقة بين ارتفاع نسبة الجريمة وبين العنف التلفازي عملاً بنظرية التعلم الاجتماعي التي ورد ذكرها سابقاً . وقد نشرت منظمة الائتلاف الدولي ضد العنف التلفازي " بحثاً استغرق إجراؤه (22 عاما ) أظهر الأثر التراكمي للتلفاز الذي يمتد حتى عشرين سنة لتظهر نتائجه . قال البحث : " هناك علاقة مباشرة بين أفلام العنف التلفاز في الستينات وارتفاع الجريمة في السبعينات والثمانينات " . وقالت المنظمة: إن ما يتراوح بين 25 بالمائة و50 بالمائة من أعمال العنف في سائر العالم سببها العنف في التليفزيون والسينما " [130] .

2- أسباب تتعلق بالمعنَّف: تساهم بعض الاعتقادات الخاطئة والتصرفات السيئة التي تقوم بها الضحية فى تعرضها للعنف الأسري ، ومن هذه الاعتقادات والتصرفات:

أ- استهانةٍ بالجاني ومحاولة التقليل من شأنه أمام الآخرين مما يدفعه إلى الانتقام منه بعد ذلك انتقاماً يرد فيه الإذلال ويسترد فيه كرامته ، ومن نماذج هذه التصرفات المستفِزة : مجادلة الزوج وتحقير أفكاره وانتقاد تصرفاته انتقاداً لاذعاً أمام الآخرين الأمر الذي يؤدي إلى إثارة سخرية الحاضرين من جهة وإحساس الزوج إحساساً دونياً يثير حفيظته ويدفعه إلى الاعتداء على زوجته بالضرب انتقاماً من تحقيرها وإهانتها له أمام الناس ، وقد عبر أحد الأزواج عن سبب ضربه لزوجته بقوله : " لقد قامت زوجتي بتعريتي أمام الآخرين تعرية كاملة " .

ومن هذه النماذج ايضا استفزاز الأبناء لوالديهم حين يهملون دراستهم ، أو يثيرون ضوضاء فى المنزل حينما يرغب الوالد فى الراحة والهدوء ،أو حين يعتدون على أخوتهم ، أو حين يرفضون الالتزام بأداء الفروض الدينية[131] .

ب- تبلد الزوجة الجنسي ، وتمنعها المستمر عن زوجها حين يرغبها ، هذا الأمر الذي حذر منه رسول الله  عندما قال :( إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور ) [132] .

وأسباب تمنّع المرأة عن زوجها في هذا العصر تختلف قليلاً عما سبق، خاصة عند المرأة العاملة التي تعاني من ظاهرة اليوم المزدوج داخل البيت وخارجه ، الأمر الذي زاد من تعرضها للضغوط النفسية وأثقل قدرتها الجسدية ، مما جعلها تمتنع عن زوجها في كثير من الأحيان تحت تأثير التعب والإرهاق .

ج- المعتقدات الشاذة للزوجة التي تعتقد أنها بمعاندتها لزوجها تثبت ذاتيتها واستقلاليتها وذلك تطبيقاً للنظريات "التحررية" التي ينادي بها فريق من الناس وخاصة النساء. هذا النوع من المعتقدات والأفكار قد يثير حفيظة الزوج ضد زوجته في محاولة منه للرد على مزاعمها بشكل عملي . مثال على هذه الأفكار: تلك التي تدعي تحرير المرأة، التي زُرعت في عقول بعض النساء فتأثرن بها وحاولن تطبيقها داخل أسرهن ، فأصبحن أكثر عرضة لمواقف عنف من قبل أزواج لا يؤمنون بهذه النظريات التي ينتج عنها في بعض الأحيان إهمال الزوجة لبعض الواجبات الزوجية ، أو اعتبار نفسها مساوية للرجل ونِداً له .

د- رضا الضحية بالعنف الممارس ضدها، وعدم محاولتها تغييره، بل انها تتصرف تصرفات مدافعة عن الجاني مما يجعل المعنِّف يستمر في غيه . والأسباب التي تدفع الضحية إلى الرضا عن العنف الموجه إليها وعدم التحدث عنه، هي المعتقدات الخاصة لدى الزوجة التي تجعلها أكثر تقبلاً لدوافع ارتكاب العنف من قبل الجاني من جهة أخرى ، ومن هذه المعتقدات التي يمكن ملاحظتها ما يلي :

1- اعتقاد بعض الضحايا أن العنف هو دليل حب الجاني للضحية ، إحدى الزوجات لما سُئلت : " لماذا تعتقدين أن زوجك لا يحبك ؟ قالت : لأنه لم يعد يضربني " ..

2-الخوف النفسي عند بعض الضحايا من النساء الذي يدفعهن إلى الامتناع عن التبليغ عن العنف ، مثل خوف الأم على أطفالها من أن تتركهم تحت رحمة أب ظالم يضربهم. والخوف من وصمة المطلقة وما ينتج عنها من ظلم المجتمع للمطلقة ،أو لخوفها من التعرض لردود فعل انتقامية إذا طلبت الطلاق من الزوج المتسلط القوي .

3- حب المرأة الضحية للجاني حباً يدفعها إلى الصبر محاولة منها لإصلاحه وتعديل تصرفاته ، " ففي دراسة أجريت على 52 زوجة تبين أن 70 % منهن ضربن بعد السنة الأولى من الزواج ، إلا أنهن لم يبدأن في التقدم بشكاوى إلى الهيئات الرسمية إلا بعد 12 سنة ، أي بعد أن شعرت الزوجة باليأس من العلاج من جهة، أو بعد أن اشتد عنفه بصورة لا تأمن فيها على حياتها ، أو لشعورها بوجود مزايا أخرى في الزوج تزيد من تحملها لمساوئه ، وخاصة حين يمارس عنفه ضدها بصورة دورية ، حيث ثمة فاصل زمني متسع بين المرتين من الضرب ، يتمكن الزوج أثناءه من تقديم العديد من المدعِّمات للزوجة على نحو يسمح بتبديد المشاعر المنفرة منه " [133] .

هذه هي اهم اسباب العنف العائلي والتي ترتبط ببعضها البعض في تشابك ملحوظ، فالازمات الاقتصادية داخل العائلة والظروف المعيشية الصعبة التي تواجه أي عائلة غالباً ما تؤدي إلى بروز الخلافات العائلية التي تؤدي الى الاضطراب النفسي والعقلي بين افراد الأسرة ، وربما إلى تدميرها .

ثانيا: آثار العنف: يساهم العنف الأسري في اعاقة حركة الأسرة ، ويجعل من الصعب عليها القيام بوظائفها . وتختلف الآثار التي تظهر على الضحية التي تتعرض للعنف الأسري باختلاف الشخص الذي يقع عليه العنف. فالطفل الذي لم تتكون شخصيته بعد ، يختلف عن المرأة التي تتعرض للعنف الزوجي بعد زواجها. و كذلك عن العنف الممارس ضد كبير السن الذي يحتاج في آخر شيخوخته لمن يحترم سنه ويشبع حاجته للحب والرعاية والحنان.

وبالاجمال فإن الدراسات تؤكد على آثار صحية عديدة تظهر نتيجة العنف الممارس في الأسرة. فقد أبرز التقرير الذي صدر عن منظمة الصحة العالمية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2005 | جنيف/لندن أنّ ظاهرة العنف المنزلي تتسبّب في آثار صحية وخيمة[134]. وكذلك جاء في دراسة اخرى: "ان المشقة المزمنة الناجمة عن التعرض للعنف والخوف المتواصل من حدوثه يدفع بالضحايا الى التردد على عيادات الأطباء طلبا للعلاج من بعض الأعراض النفسجسمية ، كالصداع والسعال والشعور بالوخز والتنميل والأرق ونقص الوزن (Ewing , 1989) ) .[135]

وفي محاولة لذكر بعض هذه الآثار التي تظهر على المراة والطفل والمسن يلاحظ ما يلي:

1-آثار العنف على المرأة: تتراوح الآثار النفسية للعنف على المرأة بين أمراض نفسية وأخرى نفس- جسدية Psychosomatique كالمشكلات النسائية والأمراض الصدرية شأن مرض الربو ... وإلى ما هنالك من أمراض لا أساس عضوي لها، والتي هي نتيجة مباشرة للعنف الممارس على المرأة، لا سيما أن هذه الأخيرة غالباً ما تلجأ إلى المرض بصفته أحد المخططات (الاستراتيجيات) المؤقتة التي تتوسّلها كمنقذ لتجنب العنف والتحايل على وضعها في إطار مجتمعي يلزمها بالصمت والخضوع بفعل التربية والتنشئة"[136].

ومن اهم الآثار النفسية التي تبدو على المرأة الشعور بالخوف بعد تعرضها للعنف أو أثناء الاعتداء عليها. وقد يعتريها الشعور بالذنب حتى دون أن تكون قد ارتكبت خطأ. فقد تشعر بأنها مسؤولة عن هذا العنف ، وقد تشعر بالفشل والإحباط كامرأة وكزوجة، وقد تشعر أنه تم استدراجها لهذا الزواج وأنها أصبحت لا حول لها ولا قوة [137]. وقد تشعر أخيرا بالوحدة وبالافتقاد إلى الملجأ وإلى الخوف من الموت [138].

ومن الآثار الأخرى التي تظهر على المرأة المعنفة داخل اسرتها انخفاض قدرتها على رعاية أطفالها والاهتمام بهم . بل يزيد احتمال ضربها لأطفالها. وقد تجنح الى كراهيتهم لأنهم يجبرونها على الاستمرار فى تلك العلاقة الزوجية التى لا تحتملها[139] .

2- آثار العنف على الطفل: تبدأ نتائج هذا العنف تظهر على الأطفال في سن مبكرة عندما يكونون أجنة فى بطون أمهاتهم حيث يصابون بأذى نتيجة ضرب آبائهم أمهاتهم ، وبعد ولادة هؤلاء الأجنة فان الخطر يتسع [140] .

ومن الدراسات التي تناولت آثار العنف على الأطفال اثنتان: واحدة قام بإجرائها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر تحت عنوان" ظاهرة العنف داخل الأسرة المصرية ، تبين فيها " أن الأطفال الذين يتعرضون لسلوك عنف( ضرب، جرح، إهمال ، قسوة في المعاملة) لا يزدهرون عاطفيا، وإذا انجبوا فإنهم لا يعرفون كيف يستجيبون لاحتياجات أطفالهم العاطفية، وينتهي بهم الأمر إلى الإحباط، فيهاجمون أطفالهم أو يهملونهم"[141].

أما الدراسة الثانية فقد وردت في كتاب الدكتور "رجاء مكي" والدكتور "سامي عجم"، تحت عنوان " اشكالية العنف" ورد فيها ذكر لآثار وعواقب إساءة معاملة الأطفال والتي تشمل :" العواقب العصبية، والعقلية، والتربوية، والسلوكية والعاطفية". فقد ينتج عن الإساءة العاطفية سلوكيات إنعزالية سلبية، أو عدائية، او نشاط مفرط" ويرافق ذلك التبول اللاارادي ، نوبات الغضب، عدم احترام الذات ، تأخر في الدراسة وحذر من الكبار. وينتج عن الإساءات الجسدية إعاقات دائمة نتيجة إصابات الرأس وارتفاع معدلات الانتحار والتفكير بها. أما الاساءة الجنسية، فينتج عنها توتر، خوف، قلق، غضب، سلوكيات جنسية غير مناسبة"[142].

ومن التأثيرات الأكثر خطورة ما يصيب الأبناء في حياتهم العلائقية مع الجنس الآخر مستقبلا، إذ إن الكثيرين منهم وبخاصة الإناث تترسخ لديهم قناعة لا واعية بأن الحياة الزوجية عذاب بعذاب . لذا نرى البنات يمتنعن عن الزواج ويرفضن أي شاب يتقدم لخطبتهن لأنه برأيهن يمثل صورة الأب الظالم والعنيف، وأن حياة العزوبية ( مع السعي لإيجاد وظيفة أو مهنة) هي ارحم بكثير من الحياة الزوجية [143]

1-آثار العنف ضد المسنين: تختلف نتائج العنف الممارس ضد كبار السن عن العنف الممارس ضد الطفل او المرأة، من ناحية امكانية عدم شفاء كبار السن الذين يتعرضون لسوء المعاملة، وربما لا يبرأون أبدا من آلامهم الجسدية أو النفسية. فقد وجدت الباحثة "سميرة المشهراوي في رسالة الماجستير التي قامت بها حول الروابط الأسرية وعلاقتها بمشكلات كبار السن، أن هناك علاقة طردية بين سوء معاملة المحيطين بالمسن، والمشكلات النفسية التي يعاني منها وإحساسه بالترابط الأسري[144] .

ومن مظاهر سوء المعاملة التي تظهر على المسن ما يلي:

  1. عدم الالتزام بتناول الأدوية،
  2. عدم انتظام المواعيد في المراجعات الطبية
  3. الاصابات الجسمانية المتكررة بدون اسباب واقعية وذكر تبريرات واهية لها. 
  4. العزلة الاجتماعية
  5. الشعور بالخوف الدائم 
  6. التردد في الحديث والشعور بفقدان المساعد
  7. تكرر الزيارات الفردية للأطباء والشكوى من أعراض جسمانية مختلفة، 
  8. الشعور بالاكتئاب النفسي والقلق عند زيارة الأطباء"[145] .
الخاتمة

يشكل العنف الأسري بكل أنواعه تحدياً كبيرا امام المسؤولين والباحثين في قضايا الأسرة، وذلك بسبب تعلق هذا الأمر باستقرار الأسرة واستمراريتها من جهة ، وبضمان حقوق أفرادها من جهة اخرى .

إن الحماية من العنف الأسري تستوجب مطالبة المجتمع بعناصره كافة بالمساعدة على تأمين هذه الحماية ، ومن هنا يمكن تقسيم هذه الحماية إلى قسمين : ذاتية وجماعية .

أولا: الحماية الذاتية : تتعدد الوسائل الذاتية التي يمكن أن يتحصن بها المرء ضد العنف ، وتبدأ هذه الوسائل بالوقاية قبل حدوث الفعل، إذ إن في أخذ الاحتياطات كفالة مهمة تعينه في مهمته ، ومن هذه الوسائل الوَقائية ما يلي :

1- الالتزام بتعاليم الإسلام السمحة وتطبيقها في الحياة الأسرية، سواء كان ذلك على صعيد اختيار الزوجين، أو تسمية الأبناء، أو تربيتهم والتعامل معهم، أو احترام الأبوين، وجعل الإسلام هو دين للحياة وليس للعبادات فقط. مع ضرورة توضيح مقصد الشرع من الآيات والأحاديث التي ورد فيها ذكر الضرب حتى لا تستغل باسم الإسلام.

2- تغيير التصورات والتصرفات حول العنف. وهذا التغيير لا يختص بالضحية فقط، بل يجب أن يشمل الجاني أيضاً وذلك بهدف إشعاره بخطورة العنف الممارَس على الضحية، ومساعدته على الامتناع عن هذا الفعل وعدم تكراره. وهذا الأمر قد يتطلب الاستعانة بمستشارين نفسيين واجتماعيين من اجل مساعدة الأفراد الذين ينتمون إلى الأسر التي ينتشر فيها العنف .

ثانياً : الحماية الجماعية : شرع الإسلام الحدود والعقوبات حفاظاً على الفرد والمجتمع على حد سواء. وحدّد السبل التي يجب على المسلم أن يتجنب الوقوع فيها لِما فيها من اعتداء على النفس وعلى الآخرين، ومن هذه السبل ما يلي:

1- اصدار التشريعات التي تحمي من العنف الأسري وتفعيلها إن وجدت. وهذا يتطلب تبسيط إجراءات التقاضي بما يحقق الإسراع فيها دون الإخلال بحيثيات المحاكمة. كما يتطلب الصرامة في تنفيذ العقوبة، مراعاة لمصلحة الفرد ومصلحة الجماعة على حدٍّ سواء .

2- تفعيل دور الحكمين، عملا بقول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء/ 35] ، لأن الحكمين ينظران في الخلاف بشكل أشمل من نظرة القاضي. "فالقاضي ملزم بالأدلة والبينات أما الحكمان فيحاولان الصلح بشتى الطرق، ثم إن لم يستطيعا ذلك يكون تقريرهما في شأن الحياة الزوجية مبنياً على تقديرهما، وخاصة أنهما أقرب الناس إلى الزوجين" [146] .

3- تشجيع الضحية على الإبلاغ عن الجرم ، إذ يعتبر كثير من الباحثين القانونيين أن من أبرز الوسائل التي تخفف من انتشار الجرائم هو إبلاغ الشرطة عنها باعتبار أن ذلك من شأنه " أن يحول دون استمراء المجرمين للجريمة في حالة عدم الإبلاغ عنهم وتوقيع العقاب عليهم .

4-تأسيس مؤسسات اجتماعية إسلامية تهتم بقضية العنف الأسري ، و إيجاد خطوط ساخنة لهذه المؤسسات يمكن من خلالها تقديم الاستشارات والمساعدة . ويكون من مهمة هذه المؤسسات الاهتمام بالضحية ومحاولة إعادة تأهيلها في الحياة الاجتماعية بعد حدوث الجرم، والتخفيف من معاناتها الجسدية والنفسية والاقتصادية . وهذا الأمر يشكل ضرورة قصوى خاصة مع وجود بعض الجمعيات العلمانية التي تحاول عبر هذا الطريق خرق مجتمعاتنا الإسلامية لتستغل بعض حالات العنف التي تصل إليها من أجل إثبات ظلم الإسلام وإجحافه في حق المرأة وخاصة من ناحية إباحته لضرب الزوجة .

5-الرقابة على الإعلام ، إذ إنه ثَبَتَ أن لمشاهد العنف التي تبثها وسائل الإعلام دور مهم في انتشار العنف، وهذه الرقابة قد تستوجب امور عدة، منها : تسليط الضوء على العنف الأسري من خلال الاستشهاد بالأدلة عليه، وتوعية الأسر بنتائجه النفسية والاجتماعية وآثارها السلبية على المجتمع والفرد، وتدريب الأسرة على كيفية مواجهة مشكلات العنف مع الكشف عن الأسباب التي تؤدي للعنف وسبل الوقاية منه.

6- العمل على تحاشي بعض الأسباب الموصلة إلى العنف الأسري، كعدم العدل بين الزوجات في حال التعدد، والتخفيف من تدخل الأهل والأقارب في الشئون الزوجية لأبنائهم وأقاربهم، وسلوك الطريق الطبيعي قبل الإقدام على الزواج، كالسؤال عن الخاطب، وعدم إرغام أحد العريسين أو كليهما على الزواج من شخص لا يرغبه، وتحاشي السكن مع الأهل إلا في حال ضرورة رعاية الأبوين أو أحدهما من قبل الولد، ومراعاة حالة الأبناء في سن المراهقة لما يحدث في هذه المرحلة من تغيرات هرمونية تؤثر على نمو الطفل جسدياً وفكرياً وعاطفياً.

وفي جميع الحالات فمن الأفضل اللجوء إلى مكاتب وأشخاص متخصصين بمعالجة قضايا الزواج والطلاق . وكذلك نشر بعض الثقافة الضرورية حول الحياة الزوجية والحياة الجنسية قبل الزواج وبعده.

ثبت المصادر والمراجعالقرآن الكريم
  1. ابن ادريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الأقناع ، عالم الكتب، بيروت ـ لبنان .
  2. ابن حبان، صحيح ابن حبان، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية ، 1414هـ ، 1993م.
  3.  ابن عدي، الكامل من ضعفاء الرجال، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1988م.
  4. ابن قيم الجوزية ، روضة المحبين ونزهة المشتاقين ، دار الوعي ، حلب ـ سورية، بدون رقم الطبع والتاريخ .
  5. ابن قيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، اختلاف الفقهاء في تعيين أحد الأبوين لمقام البنت عنده، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان .
  6.  ابن كثير الدمشقي ، مختصر تفسير ابن كثير ، اختصار محمد علي الصابوني، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.
  7. ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت – لبنان، 1388هـ / 1968م. .
  8. ابو الأعلى المودودي، حقوق الزوجين، تعريب احمد ادريس، المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، القاهرة، ص 110.
  9.  ابو داود السجستاني، سنن ابي داود، دار الفكر .
  10. ابو عوانة الاسفرائيني، مسند أبي عوانة، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان ، الطبعة الأولى، 1998م.
  11. أبو عيسى الترمذي، سنن الترمذي، دار احياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان
  12. أبو الوليد الباجي، المنتقى شرح الموطأ، كتاب الأقضية،ما جاء في المؤنث من الرجل ومن أحق بالولد ، عالم الكتب، بيروت ـ لبنان.
  13.  ابو يعلى الموصلي التميمي، مسند ابي يعلى، دار المأمون للتراث، دمشق ـ سورية/ الطبعة الأولى، 1404هـ، 1984م.
  14. احمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان ، بيروت - لبنان، 1986 م. .
  15.  احمد المجذوب، ظاهرة العنف داخل الأسرة المصرية، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة، 2003م..
  16. أنتوني ستور ، العدوان البشري ، ترجمة محمد أحمد غالي ، إلهامي عبد الظاهر عفيفة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة- مصر ، الطبعة الأولى ، 1975م. .
  17. البخاري، صحيح البخاري، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة، 1407هـ 1987م.
  18.  بهنام رمسيس، المجرم تكوينا وتقويما ، منشأة دار المعارف، الاسكندرية ـ مصر، بدون رقم الطبعة والتاريخ.
  19. البيهقي، شعب الإيمان ، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1410هـ .
  20. تقرير الجمعية العالمية الثانية للشيخوخة، مدريد، 8_12 نيسان 2002م.، الأمم المتحدة .
  21. جليل وديع شكور، العنف والجريمة، الدار العربية للعولم، الطبعة الأولى، 1418هـ ، 1997م..
  22. جميل صليبة، المعجم الفلسفي، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1982 م. .
  23. الحارث بن ابي أسامة، الحافظ نور الدين الهيثمي، مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1413هت، 1992م.
  24. الحاكم، المستدرك على الصحيحين ، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، دون رقم الطبعة والتاريخ
  25. رجاء مكي، سامي عجم، اشكالية العنف، العنف المشرع والعنف المدان، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1429هـ ، 2008م..
  26. زويا روحانا ، المراة مرآة ، العنف ضد المرأة وتأثيره على تماسك الأسرة.
  27. السيد سابق، فقه السنة، مكتبة الخدمات الحديثة، جدة – المملكة العربية السعودية، بدون رقم الطبعة والتاريخ .
  28. صبري مرسي الفقي ،حلول اسلامية لمشاكل اسرية ، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1426هـ ، 2005م..
  29. الصنعاني، مصنف عبد الرزاق، المكتب الإسلامي، بيروت ـ لبنان ، 1403هـ
  30. الطبراني، المعجم الكبير، مكتبة العلوم والحكم، الموصل – العراق، الطبعة الثانية، 1404هـ 1983م.، بي
  31. طريف شوقي، محمد فرج، العنف في الأسرة المصرية، بحث ألقي في مؤتمر الأبعاد الاجتماعية والجنائية للعنف في المجتمع المصري، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، 2002 م..
  32. الظاهرات المرضية للعنف بين الزوجين في المجتمع اللبناني ، العيادة الاجتماعية في خدمة العائلة العربية
  33. عبد الحميد أحمد أبو سليمان ، ضرب المرأة وسيلة لحل الخلافات الزوجية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1424هـ ، 2002م..
  34. عبد الغني الميداني، اللباب في شرح الكتاب، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان.
  35. عبد الفتاح احمد الخطيب، الحياة الزوجية في القرآن الكريم ، اليمامة للطباعة والنشرـ دمشق- بيروت، الطبعة الأولى، 1425هـ ، 2004م.
  36. عبد الله علوان، تربية الأولاد في الإسلام، دار احياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان.
  37. عبد الهادي أبو طالب، مفهوم الأسرة ووظيفتها والإعلانات العالمية ومواثيق الأمم المتحدة، أزمة القيم ودور الأسرة في تطور المجتمع المعاصر، الدورة الربيعية لسنة 2001، الرباط، 2-4 صفر 1422هـ ، 26-28 ابريل 2001، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية سلسلة " الدورات " .
  38. العجلوني، كشف الخفاء، دار الكتب العلمية، بييروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة، 1408هـ 1988م.
  39. فريديرك مايور، عالم جديد، دار النهار، بيروت ـ لبنان ، الطبعة الأولى، 1416هـ ، 1996م..
  40. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ـ مصر.
  41. الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1406هـ 1986م..
  42. محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1420هـ ، 1999م. .
  43. محمد الشربيني الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، دار احياء التراث العربي، بدون رقم الطبعة والتاريخ، بيروت- لبنان.
  44. محمد عبد الرحمن الحضيف ، كيف تؤثر وسائل الاعلام، مكتبة العبيكان ، الرياض ـ المملكة العربية السعودية، الطبعو الأولى، 1415هـ ، 1994م..
  45. 45. محمد علي البار، الاعتداء على الأطفال، دار القلم ، دمشق، الدار الشامية، بيروت، الطبعة الأولى، 1423هـ ، 2002م. .
  46. محمد عمر عُتين، حقوق المرأة في الزواج، دار الاعتصام، من دون رقم الطبعة والتاريخ.
  47. محمود شلتوت ، تفسير القرآن الكريم ، دار القلم ، القاهرة- مصر ، الطبعة الرابعة ، 1966م..
  48. مروان كجك ، الأسرة المسلمة أمام الفيديو والتلفزيون ، دار الكلمة الطيبة، القاهرة ـ مصر، الطبعة الأولى، 1407هـ 1986م. .
  49. مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم ، دار احياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان، د. ت.
  50. منى زحيل يعقوب، جرائم الشرف في لبنان، دراسة حقوقية اجتماعية، منشورات مركز الأبحاث، 1968م. .
  51. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،الكويت ، الطبعة الثانية، 1410هـ ، 1990م. .
  52. ميثاق الأسرة المسلمة، اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة،الطبعة الأولى، 1428هـ . ، 2007م..
  53. نهى القاطرجي، الاغتصاب دراسة تاريخية نفسية اجتماعية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1423هـ ، 1423هـ ، 2003م. ، ص369-375.
  54. نهى القاطرجي، المرأة في منظومة الأمم المتحدة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت – لبنان، 2006م. .
  55. 55. النووي ، تكملة المجموع، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 2000م.
  56. وفيقة منصور الدويري، المرأة في القوانين الوضعية اللبنانية وقوانين الأحوال الشخصية، جمعية تنظيم الأسرة، بيروت- لبنان، 1996م.
  57. وهبة الزحيلي، الأسرة المسلمة في العالم المعاصر، الطبعة الأولى، 1420هـ ، 2000م
فهرس الصحف والمجلات
  1. ابراهيم الخضير، سوء معاملة المحيطين بالمسن واثرها على مشاكله النفسية، موقع المستشار على الشبكة العنكبوتية، www.almostshar.com
  2. اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز صد المراة ، موقع اليونيفيم على الشبكة العنكبوتية، www.unifem.org
  3. البي بي سي العربية ، 21 سبتمبر 2007 م. . http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/
  4. جاسم المطوع، عدم مساواة المرأة بالرجل في قضية التعدد، موقع الأسرة السعيدة على الشبكة العنكبوتية، http://www.e-happyfamily.com
  5. حيدر البصري: العنف الأسري لا يعني إثبات الشخصية، جريدة الوطن السعودية ، العدد 599، 21/5/ 2002/
  6. رويدة عفوف، يقتلون بذريعة الشرف.. والقانون يهادنهم، موقع "شبكة فولتير" على الشبكة العنكبوتية، www.voltairenet.org .
  7. زينات المنصوري، العنف ضد المرأة، البحرين حالة تطبيقية، موقع "أمان" على الشبكة العنكبوتية www.amanjordan.org.
  8. سعدى علوه، اهانات لفظية وجسدية تصل إلى الاغتصاب،" هيومن رايتس ووتش" اساءات للسيرلنكيات في لبنان والخليج، جريدة النهار، 20/ 11/ 2007
  9. السعودية: دراسة توصي بمواجهة العنف ضد المسنين، موقع لها اون لاين على الشبكة العنكبوتية، www.lahaonline.com .
  10. سوزان مشهدي، اسباب عنف المرأة، موقع العربية. نت على الشبكة العنكبوتية . www.alarabiya.net
  11. سوء معاملة كبار السن، موقع وزارة الصحة في مملكة البحرين على الشبكة العنكبوتية www.moh.gov.bh
  12. صحيفتا " الحياة" و" الشرق الأوسط" ناقشتا الظاهرة، السعودية: 50 حالة حمل من محارم و شابة تتحدث اغتصابها، موقع العربية . نت على الشبكة العنكبوتية، www.alarabiya.net
  13. عبد الله بن أحمد العلاف، العنف الأسري وآثاره على الأسرة والمجتمع، موقع صيد الفوائد على الشبكة العنكبوتية، www.saaid.net .
  14. العنف الزوجي وآثاره الصحية، دراسة لمنظمة الصحة العالمية، موقع مكتوب، عالم الحياة الزوجية على الشبكة العنكبوتية، www. arb3. maktoob.com
  15. قاموس مصطلحات حول العنف ضد المراة ، موقع أمان على الشبكة العنكبوتية، www.amanjordan.org.
  16. محاسن الحواتي، العنف العائلي مظاهرة ومعالجاته ، موقع امان على الشبكة العنكبوتية، www.amanjordan.org.
  17. مدحت أبو النصر، العنف ضد الأطفال، المفهوم والأشكال والعوامل، مجلة خطوة، المجلس العربي للطفولة والتنمية، العدد الثامن والعشرون، مايو 2008،
  18. مصطفى عمر التير ، الأسرة العربية والعنف ملاحظات اولية ، مجلة الفكر العربي، شتاء1996 ، العدد الثالث والثمانون ، السنة السابعة عشرة .
  19. نشأت امين، العنف ضد الخادمات يثير التساؤلات، موقع أمان على الشبكة العنكبوتية، www.amanjordan.org. .
  20. هادي محمود ، العنف ضد النساء ، الطريق، موقع الحزب الشيوعي العراقي على الشبكة العنكبوتية، www.iraqcp.org/
  21. هداية درويش ،العنف ضد الأطفال : دراسة تؤكد 21% من الأطفال السعوديين يتعرضون للايذاء ، موقع مجلة العلوم الاجتماعية، 21 كانون الثاني 2004م. ،www.swmsa.com
  22. وائل ابو هندي، ضرب الأزواج، موقع مجانين على الشبكة العنكبوتية، www.maganin.com .
فهرس الموضوعاتالمقدمة 2المبحث الأول: العنف الأسري في أدبيات الأمم المتحدة 4
  • اولا : العنف ضد المرأة في أدبيات الأمم المتحدة 4
  • ثانياً : العنف الأسري في أدبيات الأمم المتحدة 6
  • ثالثا : أنواع العنف الأسري 6
المبحث الثاني: الأسرة في الإسلام 9
  • اولا: حقوق الزوج 9
  • ثانيا: حقوق الزوجة 11
  • ثالثاً: الحقوق المشتركة بين الزوجين 12
  • رابعا : حقوق الأبناء في الإسلام 13
  • خامسا: حقوق الوالدين في الإسلام 15
المبحث الثالث: موقف الشريعة الإسلامية من

العنف الأسري 16

  • أولا :العنف ضد الزوجة في الأسرة 16
  • ثانيا: العنف ضد الأطفال في الأسرة 24
  • ثالثا: العنف ضد المسنين في الأسرة 30
  • رابعا: عنف المرأة ضد أفراد أسرتها 32

المبحث الرابع: أسباب العنف وآثاره على الأسرة 35

  • أولاً: أسباب العنف 35
  • ثانيا: آثار العنف 39
الخاتمة والحلول المقترحة 42ثبت المصادر والمراجع 44فهرس الموضوعات 50

إقرأ المزيد