العربي الجديد - 2/10/2025 7:37:35 AM - GMT (+3 )

الفائزون بالدورة الثانية في صورة جماعية (العربي الجديد)
أكثر الصفات التي تردّدت حول "جائزة الكتاب العربي" في الدوحة، خلال ختام دورتها الثانية أول من أمس السبت، أنها فتيّة، وهذه الصفة تضعها موضع الأمل بأن تتّسع رؤيتها لتشمل إلى جانب تكريم أصحاب المنجزات من أفراد ومؤسسات، مشاركتها في النشاط المعرفي ومراكمة التفاعل المفتوح على مدار العام، قبل أن تخرج الأفكار على شكل موادّ صلبة أو رقمية.
وقد انتهت الدورة بتوزيع 19 جائزةً، وخرج حفل الختام بشكل مبسّط في فندق "مرسى ملاذ كمبينسكي"، متضمّناً كلمة ترحيبية قرأها حسن النعمة، الأمين العام لـ"جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي"، وأُخرى باسم المكرّمين ألقاها العالم اللغوي اللبناني رمزي بعلبكي، وسبقهما عرضٌ لمادّة وثائقية على شاشة كبيرة تُعرّف بالجائزة وأهدافها.
وكرّمت الجائزة الفائزين في فئتين الأُولى "الكتاب المُفرد"، وتُمنح لمؤلّفي الكُتب التي تتناول أحد المجالات المعرفية المحدّدة من قبل الجائزة، والثانية "فئة الإنجاز"، وتُخصَّص لتكريم أصحاب المشاريع المعرفية طويلة الأمد، سواء أكانوا أفراداً أم مؤسّسات.
وفاز في فئة "الإنجاز الفردي" كلٌّ من أستاذ "كرسيّ جُويت للدراسات العربية" في "الجامعة الأميركية" ببيروت، ورئيس المجلس العِلمي لـ"معجم الدوحة التاريخي للغة العربية"، رمزي بعلبكي، والأكاديمي والباحث والمؤرخ المغربي إبراهيم القادري بوتشيش، والأكاديمي واللغوي المغربي أحمد المتوكل.
كرّمت فئة الإنجاز رمزي بعلبكي وعبد القادر بوتشيش وأحمد المتوكل
وفي فئة الإنجاز الخاصة بالمؤسسات فاز "كرسيُّ الدكتور عبد العزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها" التابع لـ"جامعة الملك سعود"، وقد تأسّس في عام 2009، تكريماً للباحث والأكاديمي السعودي عبد العزيز المانع (1943)، و"معهد المخطوطات العربية" التابع لـ"جامعة الدول العربية"، ودار "الكتاب الجديد المتّحدة" للنشر ومقرّها بيروت.
وفاز بالمركز الأول في فئة "الكتاب المفرد"، بمجال "الدراسات اللغوية والأدبية"، الأكاديمي والكاتب واللغوي المغربي عبد الرحمن بودرع، عن كتابه "بلاغة التضادّ في بناء الخطاب: قضايا ونماذج". وفي المركز الثاني جاء الباحث الموريتاني المتخصص في اللسانيات وعلوم اللغة، محمد عبد الودود أبغش، عن كتابه "الأبنية الشرطيّة اللاواقعية: مقاربة لسانية عرفنيّة". وفي المركز الثالث أستاذ التعليم العالي واللسانيات المغربي محمد غاليم، عن كتابه "اللغة بين ملكات الذهن: بحث في الهندسة المعرفية".
وجاء المركز الأول في مجال "الدراسات التاريخية"، من نصيب الأستاذ المساعد بـ"جامعة صفاقس" في تونس والمتخصص في تاريخ وآثار العصر الوسيط، حافظ عبدولي، عن كتابه "من تريبوليتانيا إلى أطرابلس: المشهد التعميري خلال العصر الوسيط المتقدّم بين التواصل والتحوّلات"، ويدرس الكتاب التحولات العمرانية والاجتماعية في إقليم طرابلس الغرب خلال الفترة الانتقالية من العصور القديمة المتأخّرة إلى العصور الإسلامية المُبكِّرة.
وذهبت جائزة المركز الثاني إلى الباحث المغربي المُتخصّص بالاستشراق الإسباني يونس المرابط، عن كتابه "فتح الأندلس في الاستشراق الإسباني المعاصر ما بين النفي والإثبات"، ويتناول فيه كيفية تقديم الاستشراق الإسباني المعاصر لموضوع فتح الأندلس، وتحليل الروايات التي قُدّمت حوله.
ونال جائزة المركز الثاني في مجال "العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية"، الباحث المغربي المُتخصّص في الفقه المقاصدي الحسّان شهيد، عن كتابه "رسالة الشافعي في السياق والمنهاج والخطاب: دراسة في نظرية المعرفة الأصولية"، ويركّز الكتاب على تقديم تحليل عصري لرسالة الشافعي، ويعتمد على دراسة السياق الذي كتب فيه الشافعي كتاب "الرسالة" وهو يُعدّ من أوائل الكتب التي وضعت أُسس علم أصول الفقه.
كما جاء بالمركز الثاني في مجال "الدراسات الاجتماعية والفلسفية- فرع علم الاجتماع"، الباحث المغربي عبد القادر مرزاق، عن كتابه "الاستعارة في علم اجتماع ماكس فيبر وزيغمونت باومان". ويبحث الكتاب في ظاهرة الاستعارة قديماً وحديثاً، وآراء العلماء فيها، والتحدّيات التي قابلتها أو طرحتها. أمّا في "فرع الفلسفة" ففاز بالمركز الثاني الباحث المغربي وأستاذ الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام، محمد الصادقي، عن كتابه "الوجود والماهية: بين أبي علي ابن سينا وفخر الدين الرازي"، متناولاً تطوّر الفكر الفلسفي الإسلامي في مسألة الوجود والماهية، ونقاط الاتفاق والاختلاف بين ابن سينا والرازي.
وحلّ في المركز الثالث أستاذ الفلسفة الجزائري عبد الرزاق بلعقروز، عن كتابه "الاتّصاف بالتفلسُف: التربية الفكرية ومسالك المنهج"، ويتناول الكتاب مباحث "التربية الفكرية"، و"يستدعي المعاني الروحية النافعة لعلاج أمراض الفكر والنفس، مستهدفاً تزكية النفس وتحريرها من الصوارف التي تُعيق كمال الاستعداد العَقلي والفكري للإنسان فرداً ومجتمعاً". وجاء في المركز الثالث المكرّر، أستاذ المنطق والفلسفة المعاصرة الباحث المغربي يوسف تيبس، عن كتابه "مفهوم النَّفي في اللسان والمنطق"، مركّزاً على دراسة دور النفي كأداة لغوية ومنطقية في تشكيل اللغة العلمية.
اختَتم حفلُ التكريم يوماً علميّاً حول واقع اللغة العربية
ومن جمهورية مصر العربية تقاسم ثلاثة فائزين المركز الثالث في فئة المعاجم والموسوعات وتحقيق النصوص، وهم: الأكاديمي والناقد محمود العشيري، والمتخصّص في حوسبة اللغة عبد العاطي هواري، والمهندس المتخصص في معالجة اللغات الطبيعية محمد البدرشيني، عن كتابهم المشترك: "الرصيد اللغوي المسموع: قائمة معجمية لرصيد مسموع الطفل العربي من الفصيحة بناءً على مدوّنة محوسبة"، ويضمّ الكتاب قائمة معجمية ترصد أعلى ثلاثة آلاف كلمة موثّقة ومرتّبة حسب درجة شيوعها وتكراراتها، ومصنفة أيضاً حسب جذر الكلمة.
وكان حفل التكريم، إضافة إلى الطابع الاحتفالي، ختاماً ليوم كامل من النقاشات الساخنة، ولكن غير الصِّدامية، لأن الغلبة منذ الصباح الباكر حتى ما بعد الظهر وعبر ندوة علمية بعنوان "لغة الكتاب العربي: شؤون وآفاق"، كانت لواقع اللغة العربية، وهو أمر لم يحدُث أن كان مجالَ صدام، بل في أقصى أحواله تذمُّر مُزمن يُعيد إنتاج نفسه.
قُرِئت عشرُ أوراق، على مدار جلستَي الندوة، بحثت مواضيع في فلسفة اللغة والمنطق وقراءات في التحوّل اللغوي في الفلسفة والمشروع اللساني العربي، إضافة إلى أوراق صبّت تركيزها على الكتابة العربية وضعف الإنتاج باللغة العربية الفصحى. وقد كانت الجلسة الأولى أكثر تخصّصية في البحث النظري الذي يتناول مثلاً كتاب "التقريب لحدّ المنطق" لابن حزم الأندلسي، أو "الأبعاد اللغوية في مشروع طه عبد الرحمن" وما إلى ذلك. بينما شهدت الثانية تفاعلاً ممتدّاً بسبب طبيعة العناوين مثل "تحيّزات اللغة العربية" و"بناء الجملة في الكتاب العربي" و"واقع الكتاب المترجَم". فهذا مجال يفتح دائماً شهيّة التعبير والجدل. ولدى عرض الأوراق والمناقشات الموالية لُوحظ كَم كانت المرارة المزمنة واليأس وبسؤال "ما العمل؟" واضحة بين الناس.
الغضب واليأس كالعادة ممّا يُقال دائماً إنه واقع اللغة العربية والكتابة بها، كانا الأكثر سيطرة على هذا اليوم، مع تجرُّؤ سيدتين من ضيوف الجائزة على طرح سؤالين؛ الأول يتعلق بالمرونة وقبول التحوّلات اللغوية، وما يسمّى "الاقتراض اللغوي"، فلماذا التشنُّج في اعتبار لغتنا كهنوتاً مقدّساً بينما الحال أنّ كلّ لغات العالم تقوم على قاعدة "هات وخذ"؟، والسؤال الثاني يطرح ذاته في صيغة ما المطلوب فعله؟ لماذا لا نقترح حلولاً؟
على منصة المنتدين يستعمل المؤرّخ والمحقق المغربي جعفر الحاج السلمي في مشاركته وَصْف "فساد" اللغة العربية، الذي ظهر في عصر النهضة في مصر وبلاد الشام وهو بالتأكيد أقدم من ذلك، كما أشار، وثمّة الكثير من الشواهد ممّا لا يغفل عنها بالتأكيد المحقّق السلمي يتذمّر فيها علماء اللغة والمؤلّفون القدماء من ضعف لاحظوه في مستوى اللغة عند جمهور الناس، ومن ذلك ما قاله ابن منظور في مقدّمة مُعجمه "لسان العرب".
وكان مصطلح "الفساد" بحسب ما أراده في تاريخنا المُعاصر ابن تلك المرحلة التي نسمّيها عصر النهضة، وكان وقتذاك معنياً بتعجيم اللغة أي إدخال الألفاظ والأصول الأعجمية (غير العربية) إلى اللغة العربية، فبتنا اليوم، كما يواصل، في منحدر أعمق نرفع فيه المفعول استهتاراً أكثر منه جهالة. وفي ورقته حول واقع الترجمة كان لبّ تركيزه على هذا الشكل من الفساد غير الموجود أبداً في الكتب الإنكليزية والفرنسية والإسبانية. فلماذا نقول "حقول النفط؟ هل هي شعير حتى نستعمل مفردة حقول؟"، هذا سؤال السلمي ومثله الكثير ممّا يتردّد حول النتيجة التي أمامنا ونشكو منها ونواصل الشكوى.
وفي السياق ذاته يغضب الكاتب واللغوي الموريتاني مختار الغوث من غياب تذوّق النصوص العربي القديمة، معتبراً أن الحضارة العربية حين شاخت، شاخت اللغة وبات المشهد أمام الأعيُن واضحاً يتجلّى في الرداءة التي تمزج بين العربية ولغات أُخرى والعامّية.
هذه الركاكة حين تصل إلى بناء الجملة نعثر على ورقة ذات طابع تطبيقي، يُلاحق فيها أستاذ الأدب والنقد السوداني، الأصم البشير التوم "بناء الجملة"، قائلاً إنه ليس في مقام أن يأمر بـ"قل ولا تقل" إلّا أن محاضرته طرحت أمثلة كثيرة على التراكيب المنقولة من لغات أجنبية، والإطالة بين صدر الكلام وآخره، وإغفال الحرف المصدري، وما شابه ذلك من نماذج تشير إلى المستوى الركيك الذي عاينه.
فإذا ما وصلنا إلى مساء ذلك اليوم مع كلمة المكرّمين نجد رئيس المجلس العلمي لـ"معجم الدوحة التاريخي للغة العربية"، رمزي بعلبكي، وهو يستعيد حواراً قديماً دار بين والده منير بعلبكي (1918 - 1999) وهو أحد أبرز الأسماء العربية في التأليف المعجمي والترجمة، وأستاذه العلّامة المعروف إحسان عباس (1920 - 2003) بشأن الكتاب وموقعه في عالمنا العربي. قال إنّ الاثنين أجمعا على أنّ المطبعة العربية غزيرة الإنتاج، لكن كثيراً ممّا تفرزه يفتقر إلى قيمة حقيقية، أو إسهام معرفي ذي بال.
وهذا الحوار الذي يتردّد صداه حتى اليوم يأخذه بعلبكي إلى ما يريد الدعوة إليه، وهو أن لغتنا تحتاج من أهلها إلى أكثر ممّا يقدّمون لها، وخصوصاً مع التحدّيات الكثيرة الماثلة في تطوّر مفهوم الكتابة بعد أن صار بمقدور الذكاء الاصطناعي تأليف رواية أو ترجمة كتاب وسوى ذلك، مُشيراً إلى أن "معجم الدوحة التاريخي" و"جائزة الكتاب العربي" من اللبنات التي يُشيّد عليها بنيان ثابت.
وكانت الدورة الثانية للجائزة قد شهدت مشاركة 1261 عملاً من 35 دولة، في مجالات الدراسات اللغوية والأدبية، والدراسات التاريخية، والعلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، والدراسات الاجتماعية والفلسفية، والمعاجم والموسوعات وتحقيق النصوص، وأعلى الدول مشاركة: مصر، والجزائر، والمغرب، والأردن، والسعودية، وتونس، وقطر، والعراق، وتركيا، والكويت. وقد توزّعت المشاركات على مجالات الجائزة، إذ بلغت نسبة الترشيحات في الدراسات الاجتماعية والفلسفية 34 بالمئة، والدراسات اللغوية والأدبية 26 بالمئة، والعلوم الشرعية والدراسات الإسلامية 17 بالمئة، والأبحاث التاريخية 15 بالمئة، والمعاجم والموسوعات وتحقيق النصوص 8 بالمئة.
إقرأ المزيد