العربي الجديد - 2/9/2025 8:22:48 AM - GMT (+3 )

في خمسينيات القرن الماضي، تراجع السرياليون في المشهد التشكيلي المصري، سواء من حيث التنظير الذي احتوته العديد من المطبوعات والمجلات أو من حيث إقامة المعارض الفنية، إلّا أنَّ بعض التجارب الفردية ظهرت في العقدَين اللاحقَين، والتي يضيء واحدة منها معرض "سريالية محمد رياض سعيد"، الذي افتتح الأحد الماضي في "غاليري المشهد" بالقاهرة.
يستعيد المعرض، الذي يتواصل حتى السابع والعشرين من الشهر المُقبل، الفنان التشكيلي المصري (1937 – 2008)، الذي لم ينضم إلى أيّة حركة فنية خلال تجربته الممتدّة منذ نهاية الستينيات حتى مطلع الألفية الثالثة، مثل بعض السرياليين المصريين ممن سبقوه، ومنهم منير كنعان (1919 – 1999)، أو مجايليه مثل: أحمد مرسي (1943)، وعطية حسين (1938 – 2010)، متمايزين عن نظرائهم الذين التحقوا بجماعتي "الفن والحرية" و"الفن المعاصر" أو تأثروا بهما.
سعيد الذي أقام بين مصر وإسبانيا، نالَ درجات علميّة عدّة منهما، إذ تخرّج من قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1964، ثم أكمل دراساته العليا في "أكاديمية سان فرناندو" بمدريد، وحاز شهادة الدكتوراه بالإضافة إلى أكثر من دبلوم تخصّصي في ترميم الأعمال الفنية وفن الجداريات والغرافيك.
أسلوبٌ سريالي استعار ثيماته من الواقع وعالج القضية الفلسطينية
يضم المعرض نحو ثلاثين لوحة بعضها لم تُعرض منذ فترةٍ طويلة، وهي تعكس نزعته المختلفة في تناول أحداث وقضايا من الواقع غالباً، بهدف إبراز تناقضات المجتمع وسلوكياته وصراعاته الاجتماعية والخروج عن تيارات سريالية في مصر والعالم اهتمت بالبعد الجمالي والتعبير عن العقل الباطن والأحلام.
كما يرتبط اسم سعيد بالقضية الفلسطينية بسبب أحد أعماله المعروفة، والذي حمل عنوان "حلم في ساحة القدس" وفيه رسم قبة الصخرة وأمامها تظهر عروس ترتدي ثوب زفافها، وعلى رأسها وشاح "طرحة" يمتدّ إلى الأرض بمسافة أمتار، أمام جثّة عريسها الملقاة في كفن تشتعل فيه النيران وبجواره سيجارة، بينما تتصدر واجهة المشهد "مانيكان" خشبي أسود اللون برأس مقطوع يقف فوق رقبته غراب يراقب كلّ ما يحدث صامتاً، ووراء هذه العناصر يقف رجل عارٍ يتبوّل في انتهاك صارخ وشاذ لتكوين اللوحة، وكأنّه يرمز إلى الاحتلال الصهيوني.
مناخات الغضب ذاتها تحضر في بقية الأعمال، إذ يصوّر واحد منها نصف جسد عارٍ لأنثى رأسها مُغطى بجزء من "ماكينة"، بينما تقبض على مساحات من جسدها آلات مختلفة تثبّتها وتغيّرها يدٌ بقفاز أسود، كأنّها تمثل إرادة خفيّة، وأمام رحمها رُسم طفل بملامح غريبة يلفه ثوب شفاف ويمسك بكفه ما يشبه مسماراً، وإلى اليسار كلب يتأمل المرأة، وفي الخلف سيارة تحترق وصولاً إلى البحر في عمق اللوحة التي تبدو محملة بتأويلات متعددة، لكنها غالباً تدور حول مصير الإنسان في عالم تهيمن عليه الآلة.
سعيد الذي عمل مُدرساً للفن في جامعات مصرية وعربية قرابة أربعة عقود، ظلَّ مُخلصاً لأسلوبه السريالي الذي يستعير ثيماته من الواقع، أو يعالج قضايا فلسفية ووجودية مثلما يفعل في لوحة تتوسطها تفاحة شكلها يشير إلى العطب، وإلى جانبها بجعة برجل واحدة، فوق صندوق خشبي ملفوف بالبياض مثل تابوت في داخله أكفان بيضاء، وتمثال لوجه مغمض العينين في فضاء غير معلوم المكان والزمان لكن باباً في عمق اللوحة يدخل منه أو يخرج شخص، يبدأ الحياة أو يغادرها.
يأتي المعرض في سياق إعادة الاعتبار للسريالية المصرية خلال العقد الأخير، من خلال صدور عدد من المؤلفات وتنظيم المعارض، في محاولة لتوثيق المدرسة التي نالت شهرة واسعة. ومع ذلك، فإن عملية التوثيق قد شابها بعض الغموض في تفسير الزخم الذي شهدته في بداياتها، واستيعاب العوامل الحقيقية التي أدّت إلى تراجعها، إضافة إلى دراسة التأثيرات السريالية كما عبّر عنها كتّاب وفنانون لعقود لاحقة، ومنهم محمد رياض سعيد الذي شارك في معارض دولية عديدة في إسبانيا وفرنسا ويوغسلافيا وألمانيا والبرازيل خلال السبعينيات والثمانينيات.
إقرأ المزيد