العربي الجديد - 2/8/2025 8:31:36 AM - GMT (+3 )

ينشأ الإنسان على أهمية الإيمان بالرابطة العائلية، التي اعتُبرت عبر العصور نواةً غير قابلة للكسر، حيث تعكس المصدر الوحيد للحُبّ الأوّل، وفقاً للتقاليد الاجتماعية والدينية. وبالتالي، يتربّى الفرد على قيمة وجود عائلة، ويعيش حياته سعياً لتأمين مكان سعيد لهذه العائلة. ومع ذلك، قد يقضي الإنسان عمره دون أن يتمكّن من العثور على هذا المكان أو شراء منزل، ما يحول دون العيش الهانئ بين جُدران من الحجر.
ولكن، هل المنزل مكانٌ آمن حقّاً؟ وهل تؤمّن العائلة فعليّاً شعور الأمان؟ هذا ما تُحاول مسرحية "بين الوحوش"، التي تُعرَض حالياً على خشبة مسرح "أكاديميا" في برشلونة، وتتواصل حتى السادس عشر من الشهر الجاري، الإجابة عنه، عبر نصّ من تأليف الكاتب الكتلاني مانيل مورينو، وإخراج إسائيل سولا، يتناول قصة شابّ يزور شقّة من أجل شرائها والسكن فيها مع عائلته، ليستقبله البائع بكُلّ ما لديه من أسلحة تجارية: هياكل متينة، ونوافذ زجاجية مزدوجة تحمي من البرد والحرارة، وضوء الشمس الذي يخترق الغرف جميعها، ومطبخ كبير، وشرفة تطلّ على الشارع الرئيسي... إلخ.
وفيما يُثقل البائع بأسلحته على الشابّ الحائر، يتظاهر بأنَّ مكالمة هاتفية قد تلقّاها من أُناس مهتمّين بشراء الشقّة نفسها، في نوع من الضغط على الشابّ. حينها يستأذن الشابّ للذهاب إلى الحمّام.
يُرجِع سبب العنف وتفشّيه في المجتمعات إلى السياسات الرأسمالية
كلُّ شيء سيتغيّر اعتباراً من هذه اللحظة وحتى نهاية العرض المسرحي: الإضاءة، والأصوات، والجدران، والظلام الكثيف الذي يخيّم على الشابّ حين يرى ثقباً في الجدار سيكون بمثابة نافذة تفتح جروحه على الماضي المؤلم، مستدعياً شخصيات شبحية من طفولته المليئة بالإساءة، وما يقابل ذلك من إضاءة وأصوات فرحٍ تجترح مشاعر البائع المتفائل ببيع الشقّة.
من ثقوب الجُدران أو الماضي الجريح للشابّ، ستظهرُ امرأة، لن نعرف هويّتها، بشعرها البلاتيني، وثوبها الأحمر وحذائها ذي الكعب العالي. حينها سنرى الشابّ يخضع لعملية تشريح الماضي الأُسري الذي لطالما حاول تفاديه أو إرجاء تذكُّره أو نسيانه عن وعي أو غير وعي، بسبب العُنف الأبوي الذي تعرّض له داخل جدران المنزل، والذي يُفترض أن يكون مكاناً آمناً.
لا يكسر العرض دائرة هذا العنف، كذلك فإنه لا يكشف عن شخصية المُعتدين، فقط سيُعرّف المشاهِد بأن منزل الأُسرة، الذي يحلم بتكوينه كلّ إنسان، يُمكن أن يكونَ مكاناً موازياً للجحيم. وهذا بطبيعة الحال انعكاسٌ للحالة العنيفة التي تعيشها المجتمعات بسبب السياسات الرأسمالية.
اهتمام المخرج بالأصوات والإضاءة، طوال زمن العرض (ساعة وخمس دقائق)، وحرصه على تفاصيل ديكور المسرح وثياب الممثّلين بشكل عام، سيساعدان في تسهيل مهمّة اختراق الجدران الحميمية الجدران التي تحدُث خلفها قصص عنف لا تخرج عادة إلى العلن. ربّما أراد المخرج من وراء ذلك كلّه إشراك المُشاهِد في تسليط الضوء على قضية مجتمعية وثقافية بالدرجة الأولى، ولا سيما في مجتمعات اعتادت ألّا تفعل شيئاً أمام حالات العنف المنزلي أو أي نوع آخر.
إقرأ المزيد