أشرف العشماوي في "حديث الألف": "الأكثر مبيعاً" ليست شهادة جودة
العربي الجديد -

أشرف العشماوي (في الوسط) خلال الندوة (حسين بيضون/ العربي الجديد)

ينحاز الروائي المصري أشرف العشماوي (1966) إلى الحكاية في السرد الروائي، متّخذاً موقفاً واضحاً يُفيد بأنه ليس ضدّ التجريب ما بعد الحداثي، على ألا يُقصَى الحكيُ من الرواية. فالأمر ببساطة عنده يقول "إنني لا أكتب لذاتي، بل لقارئ أرى الوصول إليه بسلاسة لا يتمّ سوى بالحكاية". ومنذ 2010 دخل العشماوي عالم النشر بفيض كبير من الأعمال الروائية، بمعدّل رواية كلّ عام، بينما بدأ الكتابة دون نشر في عام 1999.

وهذا المُعدّل من النشر طبيعي إذا ما قُسّم على رُبع قرن، بيد أنّ قرار النشر هو الذي تأخّر عشر سنوات، بحسب ما قال في ندوة "حديث الألف"، مساء أول من أمس، والتي أُقيمت بمكتبة "ألف" التابعة لمجموعة "فضاءات ميديا"، وقدّمتها الروائية اللبنانية هالة كوثراني، وتولّى المذيع والفنّان رشيد ملحس قراءة مقاطع من أعمال مختلفة.

أصدر الكاتب روايتَي "زمن الضباع" (2010)، و"تويا" (2012)، تلاهما كتاب "سرقات مشروعة" (2012)، حول ظاهرة تهريب الآثار المصرية ووسائل استردادها، ثمّ روايات: "المرشد" (2013)، و"البارمان" (2014)، و"كلاب الراعي" (2015)، و"تذكرة وحيدة للقاهرة" (2016)، و"سيّدة الزمالك" (2018)، و"بيت القبطيّة" (2019)، و"صالة أورفانيلي" (2021)، و"الجمعيّة السرّية للمواطنين" (2022)، و"السرعة القصوى صفر" (2023)، و"مواليد حديقة الحيوان" (2024)، والكتاب الأخير يتضمّن ثلاث روايات قصيرة.

يرى أنّ النقد الأدبي متراجعٌ ومقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي

وممّا يواجهه العشماوي أسئلة متجدّدة دائماً حول وظيفته قاضياً مقابل العشماوي الروائي، مع أنّ المتوقّع طوال الوقت أن تكون للكاتب والكاتبة وظيفة، إلا أن صورة القاضي تبدو على طرف بعيد لا تُحيل إلى صورة الروائي الذي تقوم رواياته على تاريخ في الخلفية وخيال، لا بل فنتازيا خيالية إذا اقتضى الأمر. يفصل الكاتب في الأمر، ويقول إنه يحترم وظيفته الرسمية، إلّا أنّ الأدب عنده إنساني أكثر، فالقضاء الذي يمتهنُه يحكم بين الناس، مستمعاً للمُرافعات وشهادات الشهود، ثم مقدّراً العقوبة، بينما الرواية معالجة نفسية لمكابدات الحياة وهي الطريق إلى التوازن الوجودي.

وتطرّقت الندوة إلى علاقة الكاتب بالنقّاد، وهو ما يبدو أنه اعتادَ طرحه، خصوصاً لأنّ العشماوي مُصنّف واحداً من أكثر كتّاب الرواية العرب مبيعاً، وهو إضافة إلى ذلك اسم متداول في مختلف المسابقات والجوائز. قال هنا إنّ النقّاد في البداية أغدقوا عليه كمّية وافرة من النقد "الموضوعي" ثم انقلبوا حين بدأت شهرته. وفي الجُملة فإنّ النقد العربي متراجعٌ كما يراه، حتى أنّ القارئ يستقي المعلومات عن الرواية من مجموعات القراءة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو من الأصدقاء الذين يثق برأيهم، لا من النقّاد.

لا يجوز إقصاء العامّية من السرد، برأيه، لما تختزنه من طاقة (حسين بيضون/ العربي الجديد)

فضلاً عن ذلك، فإنّ "الأكثر مبيعاً" تُذكَر مع أسماء كبيرة في الأدب ضرب مثلاً عليهم، الروائي الكولومبي المعروف غابرييل غارسيا ماركيز الذي باعت رواياته 85 مليون نسخة حول العالم، وهو هنا يوضّح أنّ الأرقام الكبيرة ليست شهادة جودة بالضرورة، لكنّها في الوقت ذاته ليست سبّة أو تهمة، وفي النهاية يكتب الكاتب حتى يصل المُنتَج على شكل كتاب إلى أوسع قاعدة من القرّاء، كما قال.

أما بشأن الحضور التاريخي في رواياته فهو قائم على الواقعة والمكان والأرشيف، وغير ذلك لتوفير أرضية صلبة للتخييل، وعليه قال إنّه لا يُحبّ الروايات التاريخية، وقبل ذلك لا يحبّ التصنيف. ومع ذلك إذا ما اتّفق الناس على التصنيف فإن الرواية التاريخية هذه تسجيلية، أي بلا خيال، أي مثل الطعام المسلوق، والتشبيهات على عهدته دائماً.

التاريخ في أعماله يُستحضَر على هيئة واقعة ومكان وأرشيف

ساقت هالة كوثراني في مقدّمة الندوة نماذج من رواياته لمحاورته فيها، ومنها "صالة أورفانيلي"، فالتاريخ فيها هو مجال فحص الكاتب قبل أن يشرع في بناء سرديّته الخيالية، وهذا يبدأ بالفعل عام 1900 مع إنشاء أول دار مزادات في مصر والوطن العربي، وصولاً إلى عام 1956، وكلّ ما نشأ من دُور كانت السيطرة عليها ليهود مصريّين. انتهت الدُّور، وقد كان حضورها في السينما العربية بشكل عام نمطياً ومختزلاً من خلال لقطات قصيرة لا تتعدّى نصف الدقيقة، مع عبارة "ألا أُونا ألا دو"، بينما هي، حين قرّر الدخول والقراءة والفحص، مجالٌ هامّ من التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عبّرت عنها المزادات. والشخصية بالشخصية تُذكَر، استدعى الكاتب أيضاً الساقي في الحانات، من خلال رواية "البارمان" والذي يظهر كذلك في عشرات الأعمال السينمائي بصورة نمطية مُخلّة كما يشرح، وهو في الحقيقة الصندوق الأسود للحانة، من حيث إنه الشخص الوحيد الصاحي بين سكارى. وحول ما طاولته من اتهامات بمغازلة اليهود خصوصاً أن ثمة موجة من الكتابة الروائية تنحو هذا المنحى قال إن مصر ضمّت مواطنين يهوداً بلغ عددهم 86 ألفاً وهُم جزء من نسيج المجتمع، ومن مكانه، روائياً، لا يُصنّف المصريين على أساس الديانات.

ومع نقدِه لأوصاف الزمن الجميل التي تُفيد بأنّنا كُنّا قبل أفضل ممّا نحن عليه اليوم، بدل القول إننا سنكون في المستقبل أفضل، وجد العشماوي ذاته منحازاً إلى زمن المَلَكيّة في مصر، التي يفيد بأنه أحبّها ممّا شاهده من وثائقيات وممّا سمعه من ناس عاشوا في تلك الأيام، وهي كما يضيف ليست مرحلة مثالية، لكنّ الحنين إليها مردُّه أنّ كلّ المثالب من سرقات وفساد مثلاً، كانت في حدود المسموح به. ورغم أن قضيّة العامّية في حوارات الشخصيات الروائية، خِيضَ فيها كثيراً، ولم تعُد موضوعاً سجاليّاً إلّا أنها تُعاد من جديد مع العشماوي، ربما بسبب التزامه التامّ بالدارجة المصرية في هذه الحوارات. والمسألة كما يفصّلها هي أنّ السَّرد فصيح والحوار عامّي، ولا يجوز إقصاء العامّية البتّة، لأنها هي حامل الطاقة التعبيرية، وإن تفصيح الكلام اليومي ينزع حقيقيّة هذه الطَّاقة.



إقرأ المزيد