كاتب من العالم: مع شارميشتا موهانتي
العربي الجديد -

تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة عن انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع القارئ العربي. "أتمنى أن تُمحى جميع الحدود المصطنعة في العالم، وأن يصبح الناس أحراراً"، تقول الشاعرة والكاتبة الهندية لـ"العربي الجديد".


■ كيف تقدّمين المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
إنّنا في الوقت الحالي نشهد ظهور أشياء جديدة. أولاً، هناك كتابات لأشخاص لم يكن لديهم سابقاً إمكانية الوصول إلى الكتابة، أشخاص كانوا محرومين أو مضطهدين، أصبحت أصواتهم تُسمع الآن في الشعر والرواية والكتابة غير الخيالية. الأمر الآخر وجود كمّية كبيرة من الترجمات إلى اللغة الإنكليزية من جميع لغاتنا الاثنتين والعشرين، والإنكليزية تُعدّ نوعاً من اللغة المشتركة لعدد كبير من قرّائنا. هذه الترجمات تصدر عن دُور نشر هنديّة ومُوجَّهة للسُّوق الهندية، ما يجعل المشهد ديناميكياً ومتغيّراً في نواحٍ عديدة.


■ كيف تقدّمين عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحينه بأن يبدأ؟
كتاباتي، سواء في الشعر أو النثر، تأثّرت بشكل عميق بالماضي المتنوّع للهند، وبخاصة الأكثر بُعداً، وأعتبر هذه الأزمنة الماضية معاصرة، إيماناً بأنّ الزمن لا يُمكن ترويضه. لا يوجد حنين إلى الماضي. أُحاول أن أُمسك بالماضي والحاضر والتجريبي على قدَم المساواة، حيث تتحرّك العناصر المختلفة نحو بعضها أو بعيداً عن بعضها بقوّة وسرعة كبيرتين. ربّما في بلد خضع لاستعمار عميق، يجب أن يتعايش الإيمان والتحدّي معاً. 
أنصحُ القرّاء بأن يبدأوا بأحدث عمل لي "الانقراضات"؛ وهو كتابٌ يضمّ قصائد نثرية تتناول كلّ ما يختفي في الحضارة الهندية، والجراح المنبثقة من ذلك.


■ ما السؤال الذي يشغلكِ هذه الأيام؟
تدمير ثقافتنا التعدّدية والتوفيقية، حيث كلّ ذات تعدّدية بانفراد. وفي الوقت ذاته، إنجازاتنا عميقة الأصالة والجمال المتمثّلة بشكل المعابد القديمة، والقصور، والإسطبات (هياكل نصف كروية لممارسة التأمّل)، وفلسفاتنا العظيمة. في شبه القارّة هذه، الماضي ليس في المتاحف، بل حيٌّ في هندستنا المعمارية، وعقائدنا، وطقوسنا. لقد عدتُ للتوّ من زيارة لأوديشا، التي تحتوي على مئات المعابد الهندوسية المنحوتة بشكل مُتقَن، بالإضافة إلى إسطبات ومغارات بوذية.

في الهند ليس الماضي في المتاحف، بل في هندستنا وطقوسنا


■ ما أكثر ما تُحبّينه في الثقافة التي تنتمين إليها، وما أكثر ما تتمنّين تغييره فيها؟
إنجازاتها المُذهلة على مدى آلاف السنين، ليس فقط في الأمور المادّية الملموسة، ولكن أيضاً في الفلسفات والمعتقدات والأديان (ثلاثة أديان نشأت من هذه التُّربة)؛ تنوّعها الذي لا مثيل له؛ الجمال العظيم للعديد من طقوسنا؛ ورُقيّ من لا يملكون أيّ شيء تقريباً. أما عن التغيير، فأتمنّاه على النظام الطبقي القمعي، واستمرار الفقر، وتزايد التعصّب الديني.


■ لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنتِ ستختارين؟
هذا ليس شيئاً يشغلني على الإطلاق. يكفي تماماً أن نعيش ونتأمّل في هذه الحياة الواحدة التي مُنحنا إيّاها.


■ ما التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
أن تُمحَى جميع الحدود المصطنعة في العالم، وأن يصبح الناس أحراراً في التنقّل كما كانوا منذ خُلق الإنسان. نحن نعلم الآن أن أسلافنا القُدماء تحرّكوا أكثر بكثير منّا وقطعوا مسافات أكبر بكثير. عندما يُحاصر الناس داخل حدودهم، يُحاصَرون أيضاً داخل افتراضاتهم.

يجب أن يتعايش الإيمان والتحدّي في بلد خضع لاستعمار عميق


■ شخصية من الماضي تودّين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 
رابيندراناث طاغور. وصف بأنه "رجُل عقله لا حصر له". كان في كيانه متّسعاً للكثير: جميع أشكال الأدب والغناء والموسيقى، تأسيس جامعة، إنشاء أول بنك ريفي على الإطلاق، وتوجيه تشكيل أُمّة. لا أستطيع التفكير في أيّ شخص آخر كان متعدّد الجوانب بهذه الدرجة.


■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
الحاجة إلى هويّات وطنية ودينية صلبة كالفولاذ. ونتيجة لذلك، نشوء أنظمة استبدادية مُرعبة.


■ ما هي قضيتك، وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
إذا كان هناك ما يُستحقّ الدفاع عنه، فهو الحقيقة التي تنبع من حياة المرء وسياقه الخاص. هناك جروح أكتب منها، جروح متأصّلة في ذاتي، وكذلك في جغرافيتي، جروح قد يكون من المستحيل شفاؤها.


■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافقين على هذه المقولة، وإلى أي درجة كتبكِ المترجمون؟
هذا لا ينطبق حقّاً على الهند. ومع ذلك، أعتقد أن الترجمة عمل سياسي للغاية. معظم "الكتّاب العالميّين" هُم من الغرب. أدبُهم مدعوم بالقوّة، ولذلك فإنّ انتشاره وترويجه أسهل دوماً. فقط في الآونة الأخيرة بدأنا نحصل على أدب مُترجم من أجزاء أُخرى من العالم.


■ كيف تصفين علاقتكِ باللغة التي تكتبين بها؟
إنها علاقة معقّدة وغامضة للغاية. أنا أكتب باللغة الإنكليزية، كما يفعل كثيرون هنا ممّن وُلدوا من رحم التجربة الاستعمارية. أشعر دائماً بالفقدان بسبب عدم إبداعي بلغتي الأُمّ التي تحمل بعضاً من ذكرياتي الجسدية وثقافتي. مع ذلك، أستمتع الآن بتحدّي إدخال هذه المشاعر والأفكار إلى اللغة الإنكليزية من خلال تشكيلها، تغييرها، تغيير تراكيبها وإيقاعاتها، والسماح للغتي البنغالية الأصليّة بالدخول، والسَّماح لما أسمعُه في الشوارع بالوصول إليها.


■ كاتب منسيّ من لغتك تودّين أن يقرأه العالم؟ 
رابيندراناث طاغور. 


■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحبين أن تكون صورتكِ عند قرّائكِ؟
لا أُفكّر في هذا مطلقاً.


■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالكِ اليوم؟
سأتركهم يكتشفونها بأنفسهم. لا حاجة لقول أيّ شيء. هكذا اكتشفتُ الكتب منذ مراهقتي. 


بطاقة

Sharmistha Mohanty شاعرةٌ وكاتبة نثر هندية من مواليد مدينة كولكاتا عام 1969. من مؤلفاتها: "حياة جديدة" (2005)، و"خمس حركات في المديح" (2013)، و"الآلهة جاءت لاحقاً" (2019)، و"الانقراضات" (2023)، و"الكتاب الأول" (2024)، كما تَرجمت مختارات من قصص رابيندراناث طاغور تحت عنوان "العشّ المكسور وقصص أُخرى". وهي مؤسِّسة ورئيسة تحرير مجلّة "ألموست آيلاند" الأدبية، التي تستمرّ في الصدور منذ 16 عاماً.



إقرأ المزيد