"أولئك الذين يعيشون هناك": ثلاثة غرباء في مدينة غريبة
العربي الجديد -

يُرفع الستار المخملي الأحمر على خشبة "مسرح ماريا غيريرو" في مدريد، ليرى المتفرّج أمامه واقعاً صعباً لثلاثة شبّان غرباء: نونو، ومنير، وداني. إنّهم في مدينة أجنبية، ينتظرون الصوت القادم من آلة معدنية كي يتحرّكوا على الفور. ربّما هو أمرٌ وليس مجرّد صوت. هذه الآلة هي كلُّ ما يربطهم بالعالم الخارجي في هذه المدينة. سرعان ما تأتي الإشارة منها مُحدِّدةً لهُم وجهتهم المُقبلة لتوصيل الطرود.

كلُّ شيء غريب في المدينة التي لا يتقنون لغتها ورموزها. يتلقّون الطلب من الآلة الباردة، يلتقطون الطرود، ويركب كلٌّ منهم درّاجته الهوائية ويُسرع في الذهاب لتوصيل الطرد والعودة مرّةً أُخرى إلى نقطة البداية، لينتظر من جديد الأمر التالي من الآلة.

هذه هي أجواء مسرحية "أولئك الذين يعيشون هناك"، التي يستمرّ عرضها في العاصمة الإسبانية حتى الثالث من آذار/ مارس المُقبل. كتب العملَ وأخرجه الممثّل والمُخرج المسرحي الأرجنتيني كلاوديو تولكاتشير، في محاولة للإضاءة على حيوات أولئك المهاجرين اللامرئيّين الذين يحاربون لامبالاة المجتمع بآلامهم وحياتهم ومستقبلهم.

تمنح المسرحيةُ وجوهاً وأسماء وهويات وحضوراً لأولئك الغرباء

كلُّ شيء في المسرحية يشير إلى العقبات والصعوبات التي يعانيها هؤلاء الغرباء في مدينة تبدو لهُم غريبة في كلّ شيء: طريقة الحياة، دلالات الأشياء، هشاشة العلاقات، حروف اللغة، أصوات الدرّاجات المتساقطة، نظرات العابرين، خواء الروح، التعايش القسري مع مكان لا يمكن الانتماء إليه، وسائل التواصل الاجتماعي. مع ذلك يحاولون نسجَ حياتهم لخلق توازُن هشّ، على الأقلّ بين أجسادهم وتلك المساحة الهائلة من فراغ الروح.

إنّها، إذاً، محاولةٌ لملء الفراغ، محاولة لمنح وجوه وأسماء وهويات وحضور لأولئك الغرباء. هكذا ستدخل على هذه القصة شخصيّاتٌ جديدة. ميرجا؛ الشابة الجميلة، ابنة تلك المدينة، التي ستتقاطع قصّتها مع نونو، وستبدأ شيئاً فشيئاً بملء الفراغ الذي يشعر به. سوزان بدورها، ستكون ظلّاً يحضر في كلّ زاوية من زوايا المسرح. إنّها تتربّص في كلّ شيء. ربّما كانت رمزاً للحُبّ الذي يُشعرنا أنّنا على قيد الحياة، حتى لو كنّا في أحضان الموت، أو ربّما كانت قصّةً أُخرى لامرأة مهاجرة لامرئية تعيش على الهامش... في ظلّ المسرح وزواياه.

اهتمام كلاوديو تولكاتشير بالأصوات والإضاءة المُرافقة طوال زمن العرض (ساعة ونصف) كان حاسماً في خلق سيمفونية من الإيقاعات والأصوات والأضواء التي تُحاول إكمال الأجزاء الناقصة من القصّة. ربما أراد المُخرج، عبر ذلك، إشراك الجمهور في كتابة نهاية القصّة، ربّما حتى لا يكون مجرّد متفرّج على مجتمعات لا تفعل شيئاً سوى التهميش والطمس... أو لأنّ المسرح في الأساس هو عملية اكتشاف وتفاعُل وليس مجرّد إخبار.



إقرأ المزيد