يُفتتح، عند الخامسة من مساء بعد غدٍ السبت، في "دار الفنون" بحيّ البلفيدير في تونس العاصمة، معرض استعادي للفنان التونسي الراحل منصف بن عمر تحت عنوان "الفنّ وعمق الروح"، ويتواصل حتى الثامن من الشهر المقبل.

يضيء المعرض، الذي تنظّمه وزارة الشؤون الثقافية، تجربة بارزة ضمن تيار السريالية في تونس، الذي اتخذ أساليب متعدّدة بين التشخيص والتجريد، بالإضافة إلى تعبيرية تجريدية عبّر عنها بن عمر (1943 - 1990) عبر طروحاته وأسئلته المفاهيمية ضمن رؤية تأملية حالمة تجاه الواقع الذي رحل عنه في سنّ مبكرة.

تعكس لوحات الفنّان ثيمات متنوّعة، وفي مقدمتها غربة الإنسان المعاصر ومشاعره القلقة وانفعالاته الحادة، التي تظهر في عمل يحمل عنوان "تكوين"، حيث تطير سمكة في السماء إلى جوار جسد أنثوي بوجه أيقوني، وتحلّق مدينة بمعالمها ومآذنها، وعلى اليابسة تتقافز سمكتان بين ساعتين، في استعارة لمفردات سلفادور دالي.

شارك في تصميم ديكورات مسرحيات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي

تتكرّر في أعمال أُخرى مشاهد خيالية تحوي أشكالاً عجائبية، حيث يتبادل الإنسان والحيوان بعضاً من أعضائهما وتفاصيل الوجه والجسد، وكذلك يتبادلان السلوكيات والأفعال، في محاولة للتعبير عن المشاعر الجوانية والرغبات المكبوتة بشكل رمزي يفكك بنية الواقع ويعري تناقضاته.

ممارسة قدّمها بن عمر خلال أقل من عقدين، حيث درس في "المعهد العالي للفنون الجميلة" بتونس العاصمة، ثم تخرّج من "المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة" في باريس، التي عاد منها في منتصف السبعينيات ليقيم أربعة معارض في "قاعة الأخبار"، كان آخرها سنة 1981، قبل أن يصاب بأزمة نفسية حادة غيّبته بضعة أعوام ليعود بمعرضين في عامي 1988 و1989.

بموازاة ذلك، شارك الفنان الراحل في تصميم ديكورات عدد من العروض المسرحية التي قدّمت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بدأها مع المسرحي علي بن عياد، كما شارك في تصميم السينوغرافيا لمسرحية "شهداء الحرية" للمخرج البشير الدريسي.

تشير الباحثة التونسية بسمة منصور في دراسة نُشرت العام الماضي إلى أن منصف بن عمر يستحضر وجهاً ثانياً للإنسان، وهو الإنسان المريع، في مشهد يوهم للحظة أنه واقعي، نظراً لاستدعاء أشكال وأفعال من صلب الواقع والحياة، ولكن عندما نمعن النظر نكتشف ذلك الوجه القبيح الذي أخفاه ضمن الرموز في عمله "مأدبة"، موضحة أنه "مشهد جمع فيه الفنان ثنائيات مختلفة: الموت والحياة، الظلمة والنور، الواقع والخيال، الحركة والثبات...".