العربي الجديد - 12/20/2024 1:23:04 AM - GMT (+3 )
متظاهرون في دمشق يحملون صور معتقلين ومفقودين زمن النظام السابق، 15 ديسمبر 2024 (Getty)
من الذي يُمكن أن يثبت أنّ الكاتب أو الشاعر الذي يصطفّ إلى جانب الطاغية، ويدافع عنه، ويهاجم، أو يسخر أو لا يؤيد حركات الجماهير الثورية، أو الانتفاضات والتمرّدات وحركات الاحتجاج، ضدّ الطغيان، سيكون على حقّ؟ فالمشهد في سورية اليوم، حيث خرج مئات الألوف من السوريين للاحتفال برحيل طاغية صغير حكم البلاد أربعاً وعشرين سنة، دون أن يرغمهم أحد على الخروج، لا رقابة، ولا حزب شمولي، ولا موظّفي أمن يستقبلون التقارير، ولا عملاء لهم يكتبونها، لا شيء من هذا الذي لا يعرفه أحد غير السوريين أنفسهم، وهم اليوم لم يرفعوا صورة، ولم يحيُّيوا أحداً، ولم يهتفوا لأحد غير بلادهم، التي تخرج متعبة من النكبات. يجعلنا نسأل: هل يحتمل أن يصدق الشاعر ويكذب الشعب؟
المفارقة القديمة التي لم يستطع الزمن تبديلها، لا تزال تتكرّر، أي أن يُذكر أن بعض الكتّاب قد يقفون إلى جانب المستبدّ، غير أن تكرارها هذه المرّة اكتسى بالحقارة، بنذالة الكاتب أو الشاعر الذي لم يفكر لحظة أنه يناصر سفّاحاً، ضدّ شعب فقير جائع إلى الحرّية، وإلى العيش البسيط الخالي من الخوف والمراقبة والمعاقبة. ومنهم روائي لا يمكن النيل من جدارة أعماله فنّياً، يُعادي ثورة السوريين، كاتبة رقيقة تبرّر قصف مدينة دوما كاملة لأنها تؤوي "إرهابيين"، (أتذكّر اليوم وزيرة خارجية ألمانيا التي برّرت قصف المدنيّين في غزة)، شاعر كبير من جيل الستينيات يحيي المذبحة. القائمة طويلة قليلاً، ومحزنة.
وحين أنظر إلى سورية، وإلى الأردن، ومصر، وتونس، وأعدّ أسماء الكتّاب الذين وقفوا إلى جانب الهارب الذي هدم بلادنا، وطرد أكثر من عشرة ملايين سوري وسوريّة من بيوتهم، من أجل كرسي، أُصاب بالذهول. ألم يرَ أولئك الكتّاب الذين جاؤوا لزيارته، وتأييده، أن مدافع جيشه تقصف "دوما" وتقتل أهلها جميعاً، أطفالاً ونساءً ورجالاً؟ لِمَ لمْ يصدّقونا؟ لماذا أصرّ هؤلاء على تصديق خطاب الطاغية عن الممانعة، وكذّبوا همسات شعب سورية عن العذاب؟ لم لا يكون بوسعك أن تؤيّد الممانع وتسأله عن الديمقراطية؟ لم لا يكون بوسعك أن تُناصر "المقاوم" وتسأله لماذا ينهب أحلام شعب؟ ما العلاقة التي كانت، ولا تزال حاضرة، هنا وهناك، بين الممانعة العربية والاستبداد؟ بين المقاومة العربية وكَمّ الأفواه، والعِداء للحرّية، أو التخوين؟
لم يهتفوا لأحد غير بلادهم التي تخرج متعبة من النكبات
قد يُشار إلى أن باسترناك لم يؤيّد ثورة أكتوبر، وباختين، وغوركي قليلاً، وقد ثبت في التاريخ اللاحق أنهم كانوا على حقّ، ولكن ضد من وقف باسترناك؟ ضدّ الطغيان، ضدّ الحاكم الأوحد، ضدّ الحزب الشمولي. وضدّ من وقف غوركي؟ ضدّ ستالين، لا ضدّ تطلّعات شعب يريد الحرّية والخبز.
لا يتعلّق الأمر هنا بالتاريخ، بل بالواقع، فإذا كانت حركات التاريخ تتّسم بالخُبث أو الدهاء، فإن حركة الواقع لا تقلّ ذكاءً ومهارة، بحيث يصعب علينا أن ندّعي معرفتهما، ولعلّ الأيام الأخيرة في سورية التي لم تُنه حكم الطاغية الصغير وحده، بل أنهت نفوذ دولة مثل إيران، وسيطرة حزب مثل حزب الله في بضعة أيام، تحمل الكثير من الدلالات على أن انتظارنا لم يكن سدى.
يتعلّق الأمر أيضاً بالوجدان، بالضمير الحيّ للكاتب عموماً.
* روائي من سورية
إقرأ المزيد