"طبيعة الإرهاب"... محاولة في تشخيص المصطلح
العربي الجديد -

"في كتابه "طبائع الاستبداد"، يشخّص عبد الرحمن الكواكبي ما يسميه الاستبداد السياسي، واصفاً أقبح أنواعه من استبداد الجهل على العلم والنفس على العقل، إلى درجة ما إن يجلس المستبد على عرشه ويضع تاجه الموروث على رأسه حتى يرى نفسه كان إنساناً وصار إلهاً. 

ينطلق كلٌّ من الكاتبين الإسبانيّين لويس دي لا كاي وإغناسيو سانشيز كوينكا في كتابهما الجديد "طبائع الإرهاب"، الصادر حديثاً عن دار "كاتراتا" الإسبانية من الفكرة نفسها، أي محاولة تعريف الإرهاب وتشخيصه والوقوف عند طبائعه ومقاربته تاريخياً، لا سيّما في ظلّ ما يعيشه العالم من لغطٍ في المصطلحات. 

هكذا يبدأ الكاتبان من المصطلح نفسه، الذي يُستخدم كسلاح رمي وإدانة تقوم بها الدول تبعاً لمصالحها، إذ لا يوجد تعريف عالميّ للإرهاب على الساحة الدولية، وهذا كما يقول الكاتبان من شأنه "أن يكون مفيداً لفهم العالم الذي نعيش فيه، وبالتالي البحث عن تعريف دقيق ومحايد له، بعيداً عن المصالح والأيديولوجيّات".   

يسترجع الكتاب بعض التعريفات التي راجت عن الإرهاب، مثل تعريف السلطات الفرنسية، والتي حاولت إدخال تعريف قانوني وصفته فيه بأنه "عمل فردي أو جماعي يهدف للإخلال الخطير بالنظام العام من خلال التهديد والترويع"، ثم يعرض تعريف القانون الأميركي له، وكيف تعرّض هذا التعريف لتحوّلات عديدة، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2011. 

وبعد عرض سلسلة من التعريفات وتحليلها ومناقشتها ضمن السياق الذي خرجت منه، يحاول الكاتبان إبراز السمة الرئيسية للعمل الإرهابي، وهي على حد تعبيرهما طبيعته السرية، فهو، كما يقولان، نوع من العنف السياسي الذي يتم تنفيذه "عندما يفتقر مرتكبوه إلى السيطرة الإقليمية ويضطرون إلى تنفيذ عمليات سرية وعابرة". 

ضمن هذا الإطار يفرّق الكاتبان بين الإرهاب وبين العمل التحرري أو فعل مقاومة الاستعمار، وهذا ما شكّل عبر التاريخ صعوبة وضع تعريف موحّد للإرهاب في الساحة الدولية، فبينما تصرّ بعض الدول الاستعمارية على اعتبار حركات المقاومة "إرهابية"، كما هو الحال في فلسطين ولبنان، وغيرهما من الأراضي المُستعمرة، يرى المؤلفان أنَّ هذه الحركات هي شرعية داخل الإطار الذي تقاتل به، خصوصاً أنها تنفّذ عمليّاتها ضمن أراضيها، وضد الجهة التي تقوم باستعمارها. 

هكذا لا يوافق المؤلفان على مفهوم الإرهاب الشائع أو مفهوم الإرهاب الذي تحاول الدول الاستعمارية فرضه على الساحة الدولية، بل يحاولان تقديم تعريف هدفه العثور على مفاتيح التاريخ، لا سيما في هذه الرحلة المليئة بالألم والدمار التي يعبر بها العالَم. 



إقرأ المزيد