العربي الجديد - 10/3/2024 4:45:46 PM - GMT (+3 )
يبحث الكتاب إشكالية لبنان الميثاقي مع الديمقراطيات الليبرالية
صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "تحدّيات العيش معاً في مجتمع تعددي"، الذي يضمّ مجموعة دراسات قدّمها أساتذة فلسفة شاركوا في ندوة نظّمها فرع المركز في بيروت في آب/ سبتمبر من العام الماضي، تحت العنوان نفسه.
وتدور موضوعات الكتاب حول: التعددية والحداثة وإشكالياتهما، وإشكالية لبنان الميثاقي مع الديمقراطيات الليبرالية، وتأثير الفلسفة في العيش المشترك، وقدرتها على تغيير المجتمعات الإنسانية وتأمين العيش المشترك، وحدود التعددية في تطبيق شرعة حقوق الإنسان، والمجتمع التعددي من منظار الفلسفة، وملاحظات حول العيش معًا في ظل التجربة اللبنانية.
وقال المركز العربي إنه ارتأى نشر أعمال الندوة ودعوة أساتذة فلسفة آخرين للمشاركة في إبداء الرأي، تعميمًا للفائدة ومن أجل إحاطة أوسع وإفساحًا في المجال لمقاربة الموضوع من وجهات نظر عدة؛ لما لموضوع التعددية الطائفية في لبنان من أهمية جعلته الشغل الشاغل لمقاربات سياسية وقانونية وتاريخية خلال سنوات طويلة، إذ يعتبر البعض هذه التعددية السبب في أزمات لبنان منذ استقلاله عام 1943.
وشارك في الكتاب كلّ من الباحثين خالد زيادة، وصلاح أبو جودة (الأب)، وعفيف عثمان، ومارلين كنعان، ومشير عون، ونادر البزري، ونايلة أبي نادر، ووليد الخوري.
يضمّ الكتاب دراسات لأساتذة فلسفة شاركوا في ندوة نظّمها فرع ’المركز العربي‘ ببيروت العام الماضي
يبيّن الكتاب أن التطبيق المتعثر للدستور والتفسيرات التاريخية المتباينة يزيدان من انقسام المكونات المجتمعية، في حين أنها يجب أن تخضع بالبداهة لمفهومٍ موحّد للوطن وتاريخه بصرف النظر عن الأشكال المتنوعة للتعددية (اللغوية والإثنية والدينية والثقافية والإقليمية)، لكنّ التعددية اللبنانية طائفية منذ حقب تاريخية بعيدة، تأمّن في ظلالها وجود مسلمين سنّة وشيعة، ومسيحيين موارنة وأرثوذكس، ثم الدروز، وانضمام موارنة نازحين من شمال سورية إلى إخوان عقيدتهم في لبنان.
ويشير إلى أنه قد أُطلق على وسط لبنان خلال فترة من الزمن اسم جبل الدروز ثم عُرف لاحقًا (عام 1861) بـ: متصرفية جبل لبنان 1861، قبل أن يتوسع بضمّ بقية الأراضي ضمن الجغرافيا اللبنانية ويُعرف بـ: دولة لبنان الكبير (عام 1920).
كما يوضح الكتاب بأان جذور الانقسام الدرزي في جبل لبنان ترجع إلى زمن الدولة الأموية، حيث ساد صراع بين قبائل الشمال والجنوب العربية أدى إلى انقسام عائلات الجبل قسمين رئيسين: قيسية ويمنية، وهو انقسام استمر حتى الحقبتين المملوكية والعثمانية، ثم تحوّل صراعًا يشهد مدًّا وجزرًا للهيمنة على الجبل، إلى أن نشبت معركة عين داره الحاسمة عام 1711، فانهزم اليمنيون بعد تحالف القيسيين مع الموارنة، وهو تحالف صمد قرنًا من الزمن ثم انهار مع حكم الأمير بشير الشهابي الذي أراد أن يتخلص من الزعامة الدرزية. وبعد تنحيته عام 1841 نشب صراع درزي - ماروني قسّم الجبل قائمقاميتَين: جنوبية يحكمها درزي وشمالية يحكمها ماروني. واستمر حتى عام 1860، حين توافقت فرنسا وبريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا والدولة العثمانية على إقامة نظام المتصرفية في لبنان التي يديرها مسيحي عثماني، يعاونه مجلس إدارة موزّع طائفيًّا. وهو ما انعكس عند إعلان لبنان الكبير على نظامه، الذي خرج أقربَ إلى نظام المتصرفية. وبلغ تعداد سكان لبنان الكبير بحسب إحصاء تلك الفترة نسبة 55 في المئة مسيحيين و45 في المئة مسلمين. وقد تغيرت هذه النسبة قليلًا في الإحصاء التالي في عام 1932 إلى 51.2 في المئة مسيحيين مقابل 48.8 للمسلمين، ووُزعت الرئاسات على الطوائف.
التطبيق المتعثر للدستور والتفسيرات التاريخية المتباينة يزيدان من انقسام المكونات المجتمعية
ويلفت إلى أن سلطات الانتداب الفرنسي شكّلت، وفق تفويض من عصبة الأمم، لجنةً من 13 عضوًا موزعين طائفيًّا توصّلت إلى صياغة دستور للبنان. لكنّ قادة لبنان في مرحلة ما بعد الاستقلال عام 1943 وجدوا أنّ هذا الدستور لا يكفي لتنظيم علاقات المجموعات الطائفية اللبنانية، فكان لا بد من ميثاق غير مكتوب تنصّ بنوده الرئيسة على توزيع الرئاسات بين المسلمين والمسيحيين، على ألّا يطالب المسلمون بالوحدة السورية أو العربية، وألّا يستدعي المسيحيون الوصاية الأجنبية. ورغم ذلك، عجز الميثاق عن ردم الهوّة بين أصحاب الديانتين؛ بسبب الآثار العاصفة لإقامة إسرائيل واشتداد ساعد القومية العربية ومشاريع الهيمنة الغربية. فكان الصدام الأول بين اللبنانيين عام 1958، الذي سعى بعده الرئيس فؤاد شهاب إلى تحديث الإدارة وتنمية المناطق الطرفية، لكنّ حرب 1967 عاودت تسعير الانقسام في لبنان، الذي تصاعد حتى انفجر في عام 1975 حربًا أهلية مدمرة إلى عام 1989، تاريخ انعقاد مؤتمر للعرب في مدينة الطائف السعودية أدخل تعديلات على الدستور اللبناني لم تصل إلى حد إلغاء التوزيع الطائفي في السياسة والإدارة، رغم النص على بند "إلغاء الطائفية السياسية والإدارية"، الذي لم تُتخذ أيّ خطوة لتنفيذه، مع تمكّن هذا الاتفاق من إيقاف الحرب الأهلية وفتح مناطق التقاتل.
وينبّه الكتاب إلى أنه يسود اليوم في لبنان شعور لدى مسيحيّيه بالإحباط وبتضاؤل نفوذهم وتراجع نسبتهم العددية منذ 50 سنة ويزيد، فظهرت في أوساطهم دعوات إلى الفدرالية وإن تكن بغير تأييد كبير، فالطوائف في لبنان ليست وحدات صلبة تُجمع على رأي واحد، بل إن ّفي كلٍّ منها آراء مختلفة حول الاتجاه العام للطائفة، أضف أنها قد تشهد صراعات داخلية أشد من صراعها مع الطوائف الأخرى.
ويخلص الكتاب إلى أنه ليست الطائفية في لبنان في طور الاضمحلال، بل على العكس، فهي تطورت وتتطور باستمرار، من تمثيل إداري زمنَ المتصرفية إلى تمثيل سياسي خلال الانتداب، لتصير واقعًا يستقطب جمهورها ويشكّل أحزابها ومؤسساتها الإعلامية والصحية والتربوية. وليست مهمة الفلسفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية إيجاد الحلول لمشاكل سياسية يتداخل فيها المحلي بالإقليمي والدولي، إلّا أنّ الفكر الإنساني وما أنجزه من نظريات وآراء يمكنه في المقابل أن يقدّم لنا فهمًا أعمق لقضايا المجتمعات يتجاوز المصالح الفئوية والآنيّة.
إقرأ المزيد