صوت جديد: محمد سمير ندا
العربي الجديد -

تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "عشرات الأسماء توارت خلف ظلّ نجيب محفوظ، وبينهم من لا يقلّ موهبة عنه"، يقول الكاتب المصري لـ"العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

-  الشعور الإنساني بالعجز، والتساؤل الدائم حيال قدرة الأدب على تدوين التاريخ، وترسيخ القضية الفلسطينية من خلال الكتابة؛ إذ أؤمن بحتمية غرسها في العقول في ظلّ حملات تجريف الهوية العربية، وتهميش القضية الفلسطينية من خلال حبسها في خانة الفعل الماضي، بينما هي فعل مضارعٌ يومي متجدّد ومستمرّ. هذه الحملات بدت كأنّها تحصد ثمارها في مرحلة معيّنة، ولكنّها باتت اليوم مفضوحة. لذا أرى أنّ وظيفة الأدب تتضمّن توثيق ما يعيشه الكاتب، والتعبير عن قضاياه الرئيسية، والدفاع عن حقوقه؛ لأنّ الرصاص لا يطاول الأفكار.


■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟

- لا أرى فارقاً بين كتابة قديمة وجديدة، أؤمن أنّ الكتابة كائن حيّ، تتطوّر وتتنوّع كما هو حال المخلوقات كلّها. هي فعلُ خلقٍ اختصّ به الله البشر، ومن هذا المنطلق، يمكن تتبُّع مسارات تطوُّر الشعر والأدب والمسرح وسائر الفنون بنفس المنهجية التي نراقب من خلالها التطوّر البشري. الإنسان هو الإنسان، ولكنّه يتأثّر بعناصر الكون، وكذلك فالكتابة هي الكتابة، تتنوّع وتتطوّر وفق العوامل المؤثّرة في الإنسان. خلاصة الأمر أنّني أفهم الكتابة الجديدة بصفتها كتابة فقط، بغضّ النظر عن زمن كتابتها.


■ هل تشعر نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟

- لا أعرف بمنتهى الصراحة. أصنّف نفسي بالأساس قارئا يهوى الكتابة. أتابع الجيل الحالي وأرى مساحة أكبر من التمرّد، فهنالك ميل إلى التجريب والاختلاف والخروج من الصندوق، سواء من خلال الأفكار المختلفة، ابنة عصرها، أو عبر طَرق جدران الممنوعات الثلاثة. أعتقد أنّ الجيل الحالي من الكتّاب العرب سيترك أثراً يعيش طويلاً. في ما يخص كتابتي، لن أعرف مردودها وعلاقتها بكتابات أبناء جيلي إلّا من خلال الآخرين، ثم القاضي الأكثر عدالة: الزمن.

القضية الفلسطينية فعل مضارعٌ يومي متجدّد ومستمرّ

■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟

- علاقةٌ وطيدة. كان أبي من أدباء جيل الستينات، وهكذا صارت لي علاقات بأسماء كثيرة منذ الصغر. يمكنني القول إنّني مهموم بفكرة تكريم الأجيال السابقة، من رحلوا عن عالمنا، ومن هُم بيننا حتى اليوم. الأمر أشبه بأن يُبدي التلميذ الامتنان الكافي لأساتذته، هؤلاء الكتّاب منحونا دروساً مجّانية بما تركوه من إرث، وبما يكتبه بعضهم حتى اليوم. لدينا عشرات الأسماء التي توارت خلف ظلّ العظيم نجيب محفوظ، بعد فوزه بجائزة نوبل طبعاً، وشخصيّاً أرى بينهم من لا يقلّ موهبة عنه، بل ومن هو أكثر تنوّعاً في أعماله على قلّتها، لو امتلكت مساحة أكبر لذكرتُ الآن أسماء عشرة كتّاب على الأقل.


■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟

- محايدة ومتحفّظة. أُفضّل أن أظلّ بعيداً نوعاً ما. الوسط الثقافي، المصري والعربي، مهووس بأفكار التصنيف والقولبة والشللية. ومع ذلك، أعتقد أنّني متابعٌ جيّد جدّاً للحراك الثقافي، بيد أنّ متابعتي ترتكز فقط على القراءة. أُحبّ أن أكتب عن الأعمال الجيّدة وفق وجهة نظري، خصوصاً الأعمال التي لا تنتمي إلى قوائم الأفضل مبيعاً، وأشعر بالسعادة عندما أُعرّف الأصدقاء بكاتب لم يسمعوا به من قبل، وبسعادة أكبر عندما تُقرأ أعمال هذا الكاتب فتلاقي استحسان الأصدقاء. هذا هو الدور الذي اخترته لنفسي في الوسط؛ أن أُلقي الضوء على الأعمال التي أرى أنّها تستحق مقروئية أكبر، وألّا أكتب عن عمل سيئ ذات يوم.

الجيل الحالي من الكتّاب العرب سيترك أثراً يعيش طويلاً

■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟

- بدأتُ النشر متأخّراً بسنوات عن بداية محاولاتي الكتابية. انتظرتُ أن يقتنع أبي بما أكتبه أوّلاً، فهو المرشد والحَكم والمعلّم. ولسوء الحظ، صدرت روايتي عقب وفاته بثلاث سنوات. كان عمري آنذاك 38 سنة، لكنّني كنت محظوظاً إذ قرأ ثلثها الأوّل ومنحني إشارة القبول. طُبعت الرواية (وعنوانها "مملكة مليكة") على نفقتي الخاصّة بالكامل. قمت بكلّ شيء: تصميم الغلاف والترويج والتسويق وصنع اللافتات الدعائية في معرض الكتاب. كنت ساذجاً ومتحمّساً للغاية، وبتّ أضحك كثيراً كلّما تذكّرت هذه الكواليس. الآن أنا أكثر هدوءاً بكثير، وأستمتع بالكتابة من منظور شخصي بحت. أكتب لكي أستمتع بما أكتبه، ولا أنتظر شيئاً بعد ذلك.


■ أين تنشر؟

- روايتي الأُولى لا داعي لذكر ناشرها. بعد ذلك نشرتُ روايتي الثانية "بوح الجدران" مع "منشورات إيبيدي" في مصر، وهي الرواية التي أسمّيها "رواية قتل الأب"، إذ كان من الحتمي أن أتخلّص من ظلّ أبي، فكتبته في "بوح الجدران"، إذ تضمّنت الرواية قسماً غير يسير من سيرته خلال مواسم الغربة الطويلة التي عشناها معه. شعرت بالتحرّر بعد ذلك، وكتبت أكثر من نصّ روائي وقصصي، نشرت منها هذا العام روايتي الأحدث "صلاة القلق" مع ناشر عربي كبير هو "ميسكلياني". والحقيقة أنّ تجربتي معهم رائعة وأفادتني كثيراً. العمل القادم لا أعرف أين أو متى أنشره. لست على عجلة من أمري.


■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟

- أقرأ بصعوبة؛ فالقراءة هي التحدّي الأكبر في يومي. متطلبات العمل والمنزل والأسرة تمتصّ أغلب ساعات الصحو بطبيعة الحال، لكن القراءة تظلّ إكسير حياتي وملاذي، لذا اتّخذتُ منذ سنوات قراراً ألّا يمر عليّ يوم من دون قراءة أو كتابة، وهو ما نجحت فيه حتى اليوم بنسبة كبيرة. في الغالب أضع جدولاً للقراءة، فأصفّ الأعمال التي أودّ قراءتها قرب سريري، ثم تناديني أعمالٌ أُخرى فيتغيّر الترتيب، وهكذا دواليك، مهما خطّطت وجدولت. الأمر تسوقه مشاعري في النهاية. أخطّط الآن لكتابة سلسلة مقالات عن الأدب الفلسطيني، بدأت بإبراهيم نصر الله، وأنوي الكتابة عن روائيّين آخرين. ولكن، لا أعرف أيّة رواية ستناديني غداً!


■ هل تقرأ بلغة أُخرى إلى جانب العربية؟

- أُجيد الإنكليزية بحُكم عملي في مجال السياحة، ولكنّني درويش لغة، ولا أجد في الإنكليزية سحر اللغة العربية، هذا مع احترامي التام لمن يقرأ بأيّة لغة أجنبية، أنا أقرأ لأستمتع، واللغة من أهمّ عناصر المتعة في كلّ كتاب أطالعه، لذلك لا أقرأ إلّا بالعربية، سرداً وشعراً، ولكنّني أقرأ الكثير من الأعمال المترجمة إلى العربية، ولديّ في كلّ البلدان الغربية والشرقية واللاتينية عدّة كتّاب أحسبهم من كتّابي المفضّلين. إذاً فأنا لا أقرأ إلّا ما هو مكتوب باللغة العربية، أو منقول إليها من لغة أُخرى.


■ كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تُتَرَجم أعمالُك؟

- الترجمة عملٌ إبداعي، ويتطلّب موهبة أدبية بالأساس، كما أنّني أؤمن برسالته المهمّة. من دون الترجمة، هل كنّا لنقرأ أعمال أعظم الأدباء الروس مثلاً؟ الترجمة تُمثّل - كذلك - تحدّياً كبيراً للمترجم، فهو مطالَب باستخدام أدواته الأدبية لنقل عالم كامل إلى قارئ لا يعرفه، من دون تدخُّل قد يخالف التفاصيل الواردة عن هذا العالم أو شخوصه، وهو عمل أراه شديد الصعوبة. بالطبع أتمنّى أن تترجَم أعمالي إلى لغات أُخرى، كما أنّ لديَّ حلماً شخصياً - على الرغم ممّا قلته عن عدم القراءة بالإنكليزية - يتمثّل في ترجمة رواية سوزان أبو الهوى "Against the Loveless World"، والتي لم تترجَم إلى العربية حتى الآن لأسباب رقابية وسياسية.


■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك القادم؟

- لديَّ أكثر من نصّ قيد الكتابة. ولكنّ الرواية التي أعمل عليها بصورة يومية الآن تدور في أكثر من بلد انتهاءً بمصر خلال الفترة بين عامَي 1914 و2013، وهي رواية أعتقد أنّها لن تجد ناشراً مصرياً كما كان الحال مع "صلاة القلق"، لكنّني لستُ منشغلاً بهذا الأمر الآن، فقط أستمتع بالكتابة، وبقراءة المراجع عن بعض الحقب الزمنية التي أتناولها، إذ أؤمن أنّ لديَّ ما أودّ قوله، ثمّ نرى ما سيحدث لاحقاً، قد تُنشر الرواية وقد لا تُنشر. في كلّ الحالات لديّ مشاريع أُخرى سأشرع في مواصلتها فور الانتهاء من هذه الرواية.



بطاقة
كاتب مصري من مواليد عام 1978 في مدينة بغداد حيث عاش سنوات طفولته الأُولى، قبل أن تستقرّ عائلته في مصر بين عامَي 1984 و1990، ثمّ في طرابلس الغرب حتى عام 1996. حاصل على بكالوريوس من كلّية التجارة، ويعمل حالياً في القطاع السياحي. صدرت له ثلاث روايات؛ هي: "مملكة مليكة" (2016)، و"بوح الجدران" عن "منشورات إيبيدي" (2021)، و"صلاة القلق" عن "دار ميسكلياني" (2024). وهو ابن الكاتب الراحل سمير ندا (1938 - 2013).



إقرأ المزيد