رشاد أبو شاور: رحيل في "أيام الحرب والموت"
العربي الجديد -

شكّلت فلسطين، بمقاومتها وهموم إنسانها وموروثها الشعبي، عمود تجربة الكاتب الفلسطيني رشاد أبو شاور، الذي غادر عالمنا أمس السبت بعمّان، في القصّة القصيرة والرواية والمسرحية.

عاش أبو شاور، المولود في قرية ذكرين بقضاء الخليل عام 1942، حياة ترحال منذ طفولته؛ فبعد نكبة فلسطين عام 1948 - وكان حينها في السادسة من عمره - لجأ مع أسرته إلى الخليل، ثمّ إلى مخيّم الدهيشة في بيت لحم حتى عام 1952، ومنه إلى مخيّم النويعمة في أريحا حتى 1957، ثمّ إلى سورية التي بقي فيها حتى عام 1965، سنة عودته إلى النويعمة من جديد.

بيروت كانت محطّته المقبلة التي غادر إليها بعد نكسة 1967. وهناك بدأ دراسة اللغة العربية في "جامعة بيروت العربية" عام 1971، لكنّه توقّف عن الدراسة بعد عام واحد. وهناك أيضاً، عمل مع "مجلس الإعلام الموحَّد"، الذي أُسّس لتوحيد العمل الإعلامي لفصائل الثورة الفلسطينية، نائباً لرئيس تحرير مجلّة "الكاتب الفلسطيني" التي كان يصدرها "اتحاد الكتّاب والصحافيّين الفلسطينيّين" في العاصمة اللبنانية التي سيغادرها إلى سورية خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982.

توزّعت كتاباته بين القصّة والرواية والمسرحية

دوّن أبو شاور وقائع تلك الحرب في كتابه "آه يا بيروت"، الذي صدر عن "الاتحاد العام للكتّاب والصحفيّين الفلسطينيّين" عام 1983، قبل أن يصدر في طبعات مختلفة في أكثر من عاصمة عربية، موثّقاً جرائم الاحتلال الإسرائيلي ومعارك الدفاع التي خاضها اللبنانيون والفلسطينيون خلال تلك الحرب.

تحت عنوان "الاجتياح" - هذه الكلمة التي يقول في هامش النصّ إنّها تُذكّره بالطاعون وكلّ الأوبئة السوداء الرهيبة التي تكتسح الحياة - يكتب: "ليست سوى ساعات على وصولي لدمشق، وإذ بالأخيار السيئة تأتي: لقد قصفوا بيروت. هدموا أسوار المدينة الرياضية، قتلوا وجرحوا وشوّهوا العشرات من المواطنين. هذا ما فعلوه يوم الرابع من حزيران. وجاءت الصحف، فرأيت على صفحات السفير صوراً مذهلة. ذهبت مع زوجتي إلى بيت صديقي الشاعر نزيه أبو عفش للغداء. حاولت أن أنسى بالتفرج على اللوحات الرشيقة التي يبدعها، حاولت أن أذهب في عالم العصافير التي يجعلها تُغرّد وقت يشاء، ولكن الشاعر ممدوح عدوان جاء مكفهرّ الوجه: وسألني: ألم تسمع الأخبار؟ وأضاف: إنهم يجتاحون الجنوب. وخيّم علينا الصمت. إذن، إنها الحرب، وهذا هو الخامس من حزيران".

كتب أبو شاور عن توديعه لبيروت، وعن تركه مكتبته وراءه بما فيها من كُتب. في نصّ بعنوان "هذه كتبي"، نقرأ:

"أنا الآن في بيتي. وداعاً إذن يا بيت. وأحذف الياء.. فأنا لا بيت لي في أيّ مكان. هذه كتي.. لا... هذه كتب. مكتبتي الأُولى تركتها في دمشق عام 65، يوم صدر العفو وعدتُ مع والدي إلى الأردن. مكتبتي الثانية تركتها في أريحا يوم سقطت أريحا في حزيران. مكتبتي الثالثة تركتها في عمّان بعد أيلول. وزوجتي ووالدتها أتلفتا الكتب والمجلّات خوفاً من حملات التفتيش.. ومن التحقيقات والأسئلة. ومكتبتي الرابعة بعتها وأنا في دمشق، حين جعت مع أسرتي. يومها وقفت زوجتي عند باب البيت وبكت وهي ترى كتبي تُنقل. وهذه مكتبتي الخامسة... كم مرّة اشترت الكتاب الواحد لأقرأه وراح دون أن أقرأه. كم مرّة يشتري الفلسطيني الكتاب الواحد؟!".

أقام رشاد أبو شاور في دمشق حتى عام 1988، ثمّ انتقل إلى تونس حيث عمل مديراً للثقافة في "منظّمة التحرير الفلسطينية" حتى عام 1994، وكانت عمّان محطّتَه المقبلة بعد ذلك.

أُخذ عليه انحيازه لأنظمة استبدادية عربية ومن بينها النظام السوري

أُخذ على الكاتب الراحل انحيازه لأنظمة استبدادية في قمعها الدامي للحراكات الشعبية التي قامت ضدّها في أكثر من بلد عربي؛ ومنها سورية التي ظلّ، لسنوات، يكتب مديحاً في نظامها (ويشتم معارضيه) الذي دعاه عام 2022، إلى جانب كتّاب عرب آخرين، للمشاركة في ما سُمّي مؤتمر "أدباء من أجل العروبة".

من إصدارات رشاد أبو شاور في القصّة: "ذكرى الأيام الماضية" (1970) و"بيت أخضر ذو سقف قرميدي" (1974) و"مهر البراري" (1974) و"الأشجار لا تنمو على الدفاتر" (1975) و"الموت غناء" (2003) و"الضحك في آخر الليل" (2005)، وفي الرواية: "أيام الحرب والموت" (1973) و"البكاء على صدر الحبيب" (1974) و"العشّاق" (1978) و"الربّ لم يسترح في اليوم السابع" (1986) و"شبابيك زينب" (1994) و"ترويض النسر" (2019) و"وداعاً يا ذكرين" (2021).

ومن كتابات أبو شاور للأطفال مجموعتان قصصيتان: "عطر الياسمين" (1979) و"أحلام والحصان الأبيض" (1980) ورواية بعنوان "أرض العسل" (1980). كما كتب مقالات نشرها في عددٍ من الصحف والمجلاّت أو ضمن كتبٍ مثل "ثورة في عصر القرود" (1981) و"آه يا بيروت" (1983) و"قراءات في الأدب الفلسطيني" (2007) و"ليس سهلاً أن تكون فلسطينياً" (2021).



إقرأ المزيد