طرابلس بعيون ثلاثة كُتّاب: تحوّلات مدينة ومجتمع لبنانيَّين
العربي الجديد -

من محطّة قطار طرابلس التي تعود إلى أواخر الحُكم العثماني، 2022 (Getty)

ضمن فعاليّات تظاهُرة "طرابلس عاصمة ثقافيّة للعالَم العربي" لعام 2024، يُنظّم "مهرجان بيروت للأفلام الفنّية الوثائقية" مجموعة من اللقاءات والعروض تُعقد في "الجامعة الأميركية" بـ بيروت، تحت عنوان "طرابلس جوهرة على المتوسّط"، وتتواصل حتى الثالث من الشهر المُقبل. ومن بين هذه اللقاءات ندوة عُقدت مطلع الشهر الجاري، بعنوان "طرابلس: المجتمع وتغيُّراته في الكتابة السردية المعاصرة"، وتحدّث فيها ثلاثة كتّاب شغلتهم التحوّلات التي طرأت على المدينة اللبنانية، هُم: جان توما في كتابه "يوميّات مدينة" (1999)، ومحمد أبي سمرا في "طرابلس: ساحة الله وميناء الحداثة" (2011)، وفضل زيادة في "أُمّ أحمد أُمّ أنطون وقصّتي مع الفنون" (2017)، وأدارتها الباحثة زهيدة درويش جبّور.

في المُداخلة الأولى، استعاد جان توما الأجواء التقليدية التي ظلّت سائدة في المدينة، على الأقل حتى منتصف القرن الماضي: العلاقة بالميناء، والحياة الثقافية بما فيها دُور السينما، وكذلك وسائل الاتصال والمواصلات ومركزية محطّة القطار وساعي البريد، ولفتَ المتحدّث إلى "انتقال المجتمع في تلك المرحلة من حالة البحّارة والصيّادين إلى 'مجتمع موظّفين'، مع انتعاش الحياة السياسية والحزبية رغم مُحافظة الحياة على بساطتها في ملامحها العامّة، في حين اكتسبت عُمرانياً صفة 'مدينة الموج والأفق'، بمعنى كيفما مشيتَ فيها يظلّ هذان العُنصران ظاهرَين أمامك".

استردّت المدينة شيئاً من دورها الوطني مع انتفاضة تشرين 2019

أمّا التشكيلي فضل زيادة، وهو من مواليد عام 1944، فاستذكر أهمّية التصوُّف الشعبي الذي ساد في المدينة زمن طفولته، و"قد لعبت النساء دوراً في تعزيزه وخَلْق حالة من العيش الواحد، حيث تجتمع في العمارة الواحدة عائلات من سورية وفلسطين ومصر وأرمينيا إلى جانب العائلات اللبنانية". ومن حول المدينة، يُتابع زيادة: "تصطفُّ الخانات والمدارس والجوامع والكنائس والشركات الناشئة والقلعة والنهر. وفي قلب هذه العمارة تتبادل أُمّ أحمد وأُمّ أنطون إدارة شؤونها والاعتناء بأكثر من ستّين طفلاً من أبناء هذه العائلات".

الصورة


لكن بالانتقال من ماضي المدينة إلى حاضرها، نجد أنّ دَور طرابلس بصفتها عاصمة للشمال اللبناني قد تقلّص، وربّما لم تستعد شيئاً منه إلّا مع المشاركة الفاعلة لأبنائها في انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وأرجع زيادة سبب هذا التقلّص إلى "خلَلٍ مَسّ وظيفة كلٍّ من العائلة والمدرسة ودُور العِبادة والتفاعُل بينها في تنشئة جيل جديد لا يستحضر خطاب التمييز والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد".

ومن مقاربة أنثربولوجية، انطلق الصحافي والروائي محمد أبي سمرا في مداخلته، لافتاً إلى أنه من الجنوب، شبعا تحديداً، وليس من مدينة الشمال، لكنّه اعتنى في كتابه بالطبقات الطرابلسية الدُّنيا والأكثر انشداداً نحو صورة مُعيّنة عن التراث، وربّما هذا يختلف في نتائجه النهائية عمّا توصّل إليه زيادة وتوما حول ملامح الوطنية اللبنانية. وبحسب أبي سمرا "نحن أمام حالة من إظهار لهوية وإخفاء أُخرى، ما جعل الاعتراف بالآخر يبقى ضمن حدود بعينها، وهُنا نكتشف أنّ الهوية المُضمَرة، أي ما دون الوطنية يُمكن لها أن تقوى في محطّات مُعيّنة، وربّما أشهر هذه المحطّات الحرب الأهلية بجولتَيها عامَي 1959 و1975"، وختم بالإشارة إلى ضرورة كتابة التاريخ، وعدم التحرُّج منه، باعتباره الطريقة الوحيدة للخروج من الماضي.
 

آداب وفنون

التحديثات الحية



إقرأ المزيد