ترامب وعبد الفتاح القصري وكلمة "الريس" حنفي
العربي الجديد -
يشبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى حد كبير شخصية الفنان الكوميدي الكبير عبد الفتاح القصري، خاصة في فيلم "ابن حميدو" الذي شارك في بطولته مع نجوم كبار أمثال إسماعيل ياسين وأحمد رمزي وهند رستم وزينات صدقي وتوفيق الدقن وإنتاج العام 1957، فطوال الفيلم، الذي يصنف على أنه واحد من أشهر الأفلام الكوميدية في تاريخ السينما المصرية، يحاول عبد الفاتح القصري أو الريس حنفي إظهار نفسه بالشخصية القوية المسيطرة على أفراد أسرته، صانعة القرار في الدوائر المحيطة به والتي تؤثر في من حولها، لكن نفاجأ بأن الريس حنفي يتراجع عن قراراته حينما تتحداه زوجته القوية صاحبة الأمر والنهي.

ومن أشهر "ايفيهات" القصري في الفيلم "أنا كلمتي لا يمكن تنزل الأرض أبداً"، فترد زوجته قائلة والشرر يتطاير من عينيها: "حنفي"؟ فيرد عليها قائلا: "خلاص هتنزل المرة دي... بس اعملي حسابك المرة الجاية لا يمكن تنزل أبداً"، ورغم هذا التحدي من الريس حنفي إلا أن كلمته تنزل طوال الفيلم ويتراجع عن بعض مواقفه وسط سيطرة زوجته أمّ بناته.

وهكذا الريس ترامب، الذي لا يتوقف عن تهديد العديد من دول العالم بالغزو والحرب التجارية وفرض الرسوم الجمركية الواحد تلو الآخر وإشهار سلاح الإجراءات التجارية الانتقامية ضد معظم شركاء الولايات المتحدة التجاريين، كما حدث مع الصين والاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا، بل وهدد بمسح بعض الدول من على خريطة الكرة الأرضية واحتلالها عسكريا كما حدث مع كندا وبنما وجزيرة غرينلاند.

لكن الواقع يقول إن ترامب يفرض رسوما جمركية على دولة، وفي اليوم التالي، وربما في نفس اليوم يتراجع عنها ويخرج علينا معلنا تأجيل تطبيقها أياما وربما شهرا أو أكثر. ويملأ الدنيا صراخا مهددا بتهجير الفلسطينيين، وضاغطا بقوة على مصر والأردن لاستقبال المهجرين من فلسطين والقبول بمبدأ التهجير، وبعدها يتراجع عن خطة التهجير قائلا لوسائل الإعلام: "لا أحد يطرد أي فلسطيني من قطاع غزة".

عقب توليه منصبه نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن ترامب فرض رسوم جمركية واسعة على معظم الواردات الأميركية من كندا والمكسيك بنسبة 25% على الرغم من أن الدول الثلاث تربطها اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية. كما أعلن بدء تطبيق رسوم إضافية بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم في 12 آذار/مارس.

وصاحب تلك الحرب تهديد بضم كندا إلى الولايات المتحدة لتصبح الولاية رقم 51، لكن ترامب عاد وتراجع عن موقفه وأعلن مرتين تعليقا مؤقتا للرسوم إلى يوم 2 نيسان/إبريل المقبل، في خطوة مفاجئة تتناقض مع مواقفه العنترية السابقة التي هزت الأسواق وأثارت مخاوف التضخم وتباطؤ النمو وتهديده بفرض تلك الرسوم فورا.

وتكرر المشهد حيث أرجأ ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الولايات المتحدة من السيارات، وأوقف خطة لمضاعفة التعرفات الجمركية على واردات الصلب والمعادن الكندية إلى 50%، وذلك بعد ساعات فقط من تهديده بفرضها. وهدد ترامب مرات بأنه سيعلن في القريب العاجل عن فرض رسوم جمركية على السيارات والألمنيوم والأدوية.

وفي الوقت الذي كان فيه ترامب يصدر يوم الاثنين أمرا تنفيذيا ينص على أن أي دولة تشتري النفط أو الغاز من فنزويلا ستدفع رسوما جمركية بنسبة 25% على أي معاملات تجارية مع الولايات المتحدة، فقد غض الطرف عن قراره السابق بضرورة مغادرة شركة شيفرون الأميركية المنتجة للنفط فنزويلا فورا والتخارج منها سريعا وإنهاء العمليات هناك، وقرر إرجاء الموعد النهائي المحدد بعدما أمهلتها وزارة الخزانة في الرابع من مارس/آذار 30 يوما لإنهاء عملياتها.

ترامب في ولايته الأولى لا يختلف عن ترامب في ولايته الثانية من حيث استخدام أسلوب الصفقات والتناقضات في إدارة علاقاته الاقتصادية مع دول العالم، وأحيانا استخدام أساليب الصدمة والعنف والتهديد في معاركه التجارية، والنتيجة حدوث ارتباك وهزات ليس فقط لاقتصادات وأسواق العالم بل أيضاً للأسواق والشركات والاقتصاد والمواطن الأميركي الذي بات يتضرر من سياسات ترامب الانتقامية وربما عشوائيته ورعونته وأحياناً تقمص دور الفنان عبد الفتاح القصري في فيلم "ابن حميدو".



إقرأ المزيد