العربي الجديد - 2/28/2025 11:29:31 AM - GMT (+3 )

ترامب وبوتين في قمة الـ20 بأوساكا، 28 يونيو 2019 (ميخائيل سفيتلوف/Getty)
يبدو أن استراتيجية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تقوم على صياغة نظام عالمي جديد يتسم بالأحادية والهيمنة الاقتصادية والتقنية والتجارية للولايات المتحدة على العالم عبر تنفيذ مبدأ "أميركا أولاً" القائم على تقديم المصالح الأميركية على الحلفاء والأصدقاء، وهي استراتيجية يقول عنها الخبير ريتشارد هاس الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إنها تحيد عن المعايير الراسخة للتعاون متعدد الأطراف واحترام سيادة الدول الذي أسسته الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ولدى ترامب هاجس بناء إمبراطورية "أميركا العظمى" على أنقاض العالم، في هذا الشأن يقول محللون غربيون، إنه لتنفيذ هذه الاستراتيجية يسعى ترامب إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية، خلال دورته الرئاسية الثانية، وهي استخدام تسوية الحرب الأوكرانية للتقارب مع روسيا عبر تحقيق السلام على أمل ضرب التقارب بين بكين وموسكو، وفتح فرص للشركات الأميركية في مجالات الطاقة والصناعة والاستثمار المباشر في روسيا.
والهدف الثاني، هو الضغط على الشركات العالمية لزيادة استثماراتها في قطاع التصنيع الأميركي، وبالتالي زيادة فرص التوظيف وخفض البطالة. وثالثاً الضغط على أوروبا عبر ابتزازها بالانسحاب عن اتفاقات الدفاع عنها ودفعها نحو زيادة الإنفاق الدفاعي وبالتالي خفض ميزانية أميركا العسكرية، وكذلك كسب صفقات جديدة لشركات الأسلحة الأميركية. ورابعاً: تأمين موقف أميركا في السباق التقني العالمي، خاصة مع الصين عبر السيطرة على المعادن النادرة وصولاً لتنفيذ استراتيجية جيوسياسية أوسع، تؤمن تفوق أميركا في صناعات الذكاء الاصطناعي وتقنيات الشرائح الإليكترونية والتقدم العسكري.
على صعيد التقارب الأميركي مع روسيا، يرى مصرف غو لدمان ساكس الاستثماري في تحليل نشره منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أن أحد الأسباب الرئيسية وراء نهج ترامب بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع روسيا، هو أن إدارة الرئيس الأميركي تنظر إلى التعاون الاقتصادي المحتمل وسيلةً لتحقيق الاستقرار في العلاقات وخلق منافع متبادلة، خاصة في أسواق الطاقة. وكان هذا المنظور متجذّراً في فكرة مفادها أن تحسين العلاقات الاقتصادية يمكن أن يؤدي إلى قدر أكبر من الاستقرار السياسي.
ووفق البنك الأميركي، "غالبًا ما ركزت سياسة ترامب الخارجية على التحول بعيدًا عن التحالفات التقليدية والتركيز على العلاقات الثنائية". ويتابع، "من خلال التعامل مع روسيا، كان ترامب يهدف إلى إعادة تعريف ديناميكيات السياسة الخارجية الأميركية، والابتعاد عن العداء في حقبة الحرب الباردة نحو نهج أكثر واقعية يسعى إلى إقامة علاقات عمل مع الخصوم". كما ترغب إدارة ترامب كذلك في استغلال العلاقات التاريخية الطويلة الأمد بين روسيا والعديد من دول جنوب وجنوب شرق آسيا، مثل الهند وفيتنام لصالحها. وترى إدارة ترامب بإمكانية الاستفادة من هذه العلاقات لتعزيز مواقف الولايات المتحدة في هذه المناطق ضد الهيمنة الصينية.
على سبيل المثال، واصلت تجارة الهند زيادتها مع روسيا، على الرغم من العقوبات الغربية المفروضة على موسكو على خلفية غزو أوكرانيا في فبراير 2022، وبالتالي فإن إمكانية التعاون مع هذه الدول يمكن أن يفيد المصالح الأميركية ويحد تلقائياً من نفوذ الصين.
من جانبه ينتقد الخبير الأميركي ريتشارد هاس، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية سياسة ترامب الخارجية، ويقول إنه تحت قيادة ترامب، يبدو أن الولايات المتحدة تعمل كما لو أن لها "حقوقًا خاصة" في تحديد مصير الدول الأخرى. وأشار إلى أن هذا التحول يمثل خروجاً عن النظام الدولي القائم على القواعد حيث تحترم الدول سيادة بعضها البعض. وشدد هاس على أن تصرفات ترامب يمكن أن تؤدي إلى عالم تؤكد فيه القوى العظمى مصالحها دون مراعاة للمعايير الراسخة، مما قد يعيد تشكيل الحوكمة العالمية.
وأعرب في تعليق يوم 19 فبراير الجاري على موقع معهد العلاقات الخارجية الأميركي عن قلقه من أن سياسات ترامب قد تؤدي إلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة على مستوى العالم. وشدد على أن المسار الحالي يبدو أنه يعطي الأولوية للإجراءات الأحادية على التعاون المتعدد الأطراف، مما قد يقوض عقوداً من الجهود الدبلوماسية الرامية إلى الحفاظ على الاستقرار والسلام بين القوى العظمى.
تحالف بكين وموسكوعلى صعيد ضرب سياسة التقارب الشديد بين موسكو وبكين، يرى محللون غربيون أن هاجس ترامب بشأن الصين يقود مفاوضاته مع روسيا بشكل سريع. ويقول في هذا الصدد، أحد المخاوف الأساسية لترامب هو شراكة الصين مع روسيا، خاصة وأن الصين أصبحت الآن القوة المهيمنة في التحالف الصيني الروسي. ونظرًا للتعاون المتزايد بين البلدين في المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، يعتقد ترامب أن نفوذ الصين في الشؤون العالمية خاصة على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي يحتاج إلى مواجهة قوية وكذا إلى التحالف مع روسيا عبر منحها مزايا أكبر في مفاوضات السلام في الحرب الأوكرانية. ولطالما نظر ترامب إلى الصين باعتبارها التهديد الرئيسي للولايات المتحدة، معتبراً إياها أكبر منافس اقتصادي لها وعقبة كبيرة أمام جعل أميركا "دول عظيمة مرة أخرى". ويتفق مسؤولون أميركيون كبار مع هذا النهج.
المعادن النادرةمن خلال تأمين الوصول إلى الموارد المعدنية في أوكرانيا، يهدف الرئيس ترامب إلى تعزيز موقف الولايات المتحدة التي تفتقر إلى المعادن النادرة وتستوردها من الصين، وفق تقرير بموقع صحيفة " كونفرسيشن" البريطانية نشروه يوم الأربعاء.
وتعتبر العناصر الأرضية النادرة ضرورية للصناعات ذات التقنية العالية، بما في ذلك الإلكترونيات وأنظمة الدفاع. ونظرًا لأن الصين تهيمن بشكل كبير على سلسلة التوريد العالمية لهذه المواد، فإن السيطرة على المصادر البديلة يمكن أن تقلل من اعتماد الولايات المتحدة على الواردات الصينية وتعزز الأمن القومي.
وتقول الصحيفة الإليكترونية، المعادن النادرة مثل الغاليوم ضرورية لتقنيات الدفاع المتقدمة ولكنها ليست متاحة للولايات المتحدة محليًا. واستخدمت الصين، سيطرتها على الغاليوم، وسيلة ضغط ضد الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، في جزء من ردها على زيادة الرسوم الجمركية الأميركية على البضائع الصينية. ولاحظت أن تركيز ترامب على المعادن النادرة قاده أيضًا إلى محاولته شراء جزيرة غرينلاند بالدنمارك التي تمتلك احتياطيات كبيرة من المعادن النادرة، مما يجعلها بديلاً محتملاً للموارد التي تسيطر عليها الصين. كما تقول "كونفرسيشن" إن المعادن النادرة كذلك ضرورية للتكنولوجيا العسكرية مثل أنظمة الصواريخ والإلكترونيات والمركبات الكهربائية. وفي أوكرانيا، توجد رواسب لـ 22 معدناً من أصل 34 من المعادن التي حددها الاتحاد الأوروبي على أنها حرجة.
ووفق تقرير "كونفرسيشن"، تحظى صناعة الدفاع بتقدير الغاليوم لأنه عنصر موثوق ومتين. وعلى وجه الخصوص، يُنظر إلى العنصر على أنه أداة حاسمة لتعزيز الرادار وأنظمة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية وأنظمة الحرب الإلكترونية. كما يتم استخدامه في الوحدات متعددة الشرائح التي تستخدمها أنظمة الملاحة ومراقبة الحركة الجوية. وبالإضافة إلى الغاليوم، تمتلك أوكرانيا موارد هائلة من الغرافيت، وهو العنصر الذي يستخدم في بناء السيارات الكهربائية والمفاعلات النووية وصناعة البطاريات.
الضغط على أوروباأوضح دونالد ترامب أن أوروبا بحاجة إلى الدفاع عن نفسها، وبدأت تتشكل استجابة القارة لتهديدات الولايات المتحدة بالانسحاب. ويرى تحليل بمعهد بروغيل ببروكسل في 21 فبراير الجاري، أن أوروبا بحاجة إلى أن ترفع الإنفاق الدفاعي الأوروبي بشكل كبير عن المستوى الحالي الذي يبلغ نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي. ووفق المعهد، يشير التقييم الأولي إلى أن دول الكتلة بحاجة إلى زيادة الانفاق بنحو 250 مليار يورو سنوياً (نحو 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي). ومن خلال تسوية الحرب الأوكرانية يسعى ترامب إلى خفض ميزانية الإنفاق العسكري الأميركي وكسب صفقات عسكرية ضخمة لشركات تصنيع الأسلحة الأميركية.
إقرأ المزيد