العربي الجديد - 2/28/2025 2:37:24 AM - GMT (+3 )

طفلة تحمل فوانيس رمضان في أحد أسواق خانيونس، 26 فبراير 2025 (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
تغيب التجهيزات والتحضيرات السنوية في أسواق قطاع غزة مع اقتراب شهر رمضان، بفعل حالة العشوائية الممزوجة بالركود جراء التأثيرات الاقتصادية الصعبة التي تسبب فيها العدوان الإسرائيلي على مدار خمسة عشر شهراً من القصف والتدمير والخسائر.
ولا تتزين الأسواق غير المنتظمة، بفعل تدمير الاحتلال للأسواق الرسمية، بأصناف البضائع الرمضانية التي درجت العادة على عرضها قبيل حلول شهر الصوم، فيما غلب عليها عرض وبيع أصناف المساعدات الإنسانية والمعلبات والحلويات والشوكولاتة والمواد الغذائية الأساسية بأسعار مرتفعة وبأغلى من أسعارها الطبيعية.
وتفتقد أسواق القطاع البهجة السنوية الخاصة بتجهيزات الموسم الرمضاني، والتي كانت تشتهر بأصناف المخللات والأجبان والألبان والبهارات وأصناف التمور المختلفة، فيما بدت الأسواق شاحبة جراء الإغلاق الإسرائيلي للمعابر والتحكم في دخول أصناف محددة وغير أساسية من البضائع.
وإلى جانب ذلك، لوحظ في الأسواق قلة الفوانيس الرمضانية وأحبال الزينة والإضاءة التي تزين واجهات المحال التجارية ومداخل العمارات السكنية وواجهات الشقق ومرافقها، إذ تم تدمير جزء كبير من المباني خلال الحرب. لكن البعض يحاول تعليق الإنارة وأحبال الزينة، في مساعٍ للتغلب على الظروف ولفت الانتباه إلى بضائعه ومعروضاته وتشكيل حالة من الفرح وسط الكم الكبير من الحزن.
وتتزامن الأوضاع غير المستقرة لأصناف البضائع والمتطلبات الرمضانية الأساسية مع أوضاع اقتصادية غاية في السوء، بفعل فقدان شريحة واسعة من الفلسطينيين مصادر دخلهم بسبب تضرر ما يزيد عن 93% من القطاعات الاقتصادية والخدماتية، في الوقت الذي يواجه الناس موجة غلاء تجعل التسوق عبئا على كثير من العائلات.
ولا تعني الحركة النشطة داخل الأسواق بالضرورة أن القدرة الشرائية مرتفعة، فكثير من الزبائن يكتفون بالسؤال عن الأسعار أو شراء الضروريات فقط، أو محاولة توفير أبسط الأدوات التي تعينهم على قضاء شهر رمضان، بينما تكتفي العديد من الأسر بالمساعدات الإنسانية على الرغم من بساطتها، والشكاوى العديدة حول عدم العدالة في توزيعها.
ورغم تهاوي أسعار العديد من السلع مقارنة بأوقات سابقة خلال الحرب، إلا أنها لا تزال مرتفعة عن أسعارها الطبيعية ما قبل الحرب، خاصة في السلع الأساسية مثل الزيت، والأرز، والسكر، التي زادت بنسب تتراوح بين 50% و100% أو أكثر، وقد أصبحت اللحوم والدواجن ترفاً يصعب على العديد من الأسر تحمله، بينما يحاول بعض التجار تقديم عروض محدودة لجذب الزبائن.
وعن استعداده لشهر رمضان، يقول الفلسطيني سالم الأعرج، إنه يحاول شراء الضروريات فقط، على الرغم من ارتفاع أسعارها أيضا "كنا في السابق نحضّر كل مستلزمات رمضان دفعة واحدة، أما الآن فنشتري بالتدريج حسب الإمكانيات، وبعض الأصناف لم أعد أستطيع توفيرها كما في السنوات السابقة".
ويوضح الأعرج لـ"العربي الجديد" أن محدودية الخيارات وسط ارتفاع أسعار المواد الأساسية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية تشكل عبئا عليه، مبينا أن اللحوم والدواجن باتت خارج حساباته في معظم الأيام.
بدورها، تبيّن الفلسطينية هيام البطريخي، وهي ربة منزل من مدينة غزة، أنها لم تشهد أي شكل من أشكال التجهيزات الروتينية لاستقبال شهر رمضان، حيث اختفت البضائع والزينة والملامح المميزة لقرب حلول شهر رمضان.
وتلفت البطريخي لـ "العربي الجديد" إلى أن فقدان موسم رمضان بريقه جاء بفعل التأثيرات الكارثية للعدوان الإسرائيلي الذي لم يترك أي ناحية دون التأثير عليها، مبينة أن الموسم الحالي يتزامن كذلك مع أوضاع اقتصادية معدومة لمعظم الفلسطينيين.
وتصف البطريخي تجهيزاتها لرمضان بأنها متواضعة بسبب حالة الغلاء التي طاولت كل شيء، وتضيف: "حتى لو توفر المنتج، فإن جودته ليست كما كانت، وأحيانا نجد بدائل أقل جودة لكنها تبقى مرتفعة الثمن، أشعر أن علينا التنازل عن أشياء كثيرة لنستطيع توفير الأساسيات".
وتتابع "نحاول الاقتصاد قدر المستطاع، أحيانا نشتري من أماكن مختلفة لنجد السعر الأفضل، كما أننا نركز على الوجبات البسيطة بدلا من الأكلات المكلفة التي اعتدنا تحضيرها في رمضان".
في السياق، يوضح تاجر المواد الغذائية سائد الجديلي أن الموسم الحالي لرمضان يأتي في ظروف مختلفة كليا، الأمر الذي ألقى بظلاله على الشكل العام للسوق، وعلى نوعية البضائع الموجودة، في ظل اختفاء العديد من الأصناف، وغرق السوق بأصناف أخرى.
ويشير الجديلي لـ "العربي الجديد" إلى أن إقبال الناس على الأسواق موجود، ولكنه لا يعكس بشكل حقيقي قدرتهم الشرائية، حيث تزور نسبة كبيرة السوق للسؤال عن الأسعار، وتختار بعناية شديدة الأساسيات فقط، أو تحاول مقايضة بعض الأصناف بأصناف أخرى.
ويرجع الجديلي سبب ارتفاع العديد من الأسعار مقارنة بالماضي إلى عشوائية العرض في الأسواق، نتيجة تذبذب تدفق أو انقطاع دخول البضائع، وزيادة تكاليف الاستيراد، ونقص بعض السلع.
ويبين الجديلي أنه يحاول قدر المستطاع توفير المتطلبات الأساسية للأسر خلال شهر رمضان، مثل الأجبان والبقوليات وأصناف المعلبات والمعكرونة، فيما تختفي أصناف أخرى بسبب محدودية دخول البضائع، كالتمور والعجوة الجيدة والحلاوة والمربى والعديد من أصناف الأجبان ذات الجودة المرتفعة.
من ناحيته، يوضح الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر أن موسم رمضان ينتظره الباعة والتجار، ويترافق معه طقوس خاصة من ناحية السلع والبضائع المعروضة نظرا لخصوصية شهر الصوم.
ويبين أبو قمر لـ "العربي الجديد" أن رمضان الماضي وهو الأول في الحرب لم يحمل أيا من ملامح التحضير لاستقبال الطقوس الرمضانية والتي يتم ربطها عادة بالاقتصاد والأسواق والسلع المتوفرة فيها وعمليات البيع، وبعض المهن الرمضانية ذات العلاقة.
وفيما يتعلق بالموسم الحالي، يشير الخبير الاقتصادي إلى محاولة التجار والباعة لملمة أنفسهم، عبر مواءمة الأسواق قدر المستطاع بالأصناف المتوفرة، في ظل غياب العديد من السلع، والحالة الاقتصادية المتردية التي تعصف بمختلف الفئات المجتمعية.
ويؤكد أبو قمر أن أوضاع الأسواق لم تستقر، على الرغم من مرور شهر على بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ومع ذلك تعتبر الأوضاع الحالية أفضل من السابق، خاصة في المناطق المدمرة مثل رفح وجباليا والتي أبيدت بالكامل، حيث تشهد محاولات للنهوض رغم صعوبة الواقع.
ويسعى التجار، وفق حديث أبو قمر، عبر توفير السلع الأساسية إلى الربح وتعويض المواسم الماضية، ويقول: "سيكون هذا الموسم مختلفا عن أي موسم قبل الحرب، لكن يمكن أن نقول بأنه سيشهد محاولات خجولة للملمة الجراح وتعويض بعض الخسائر الفادحة، فيما يبقى الأمر معلقا على قدرة المواطنين الشرائية".
ويرجع اختلاف ومحدودية الأصناف الموجودة في السوق إلى عدم سماح الاحتلال الإسرائيلي بدخول كافة السلع، إلى جانب وجود أصناف جديدة فرضتها طبيعة المساعدات الإنسانية، وهي معطيات لم تسمح حتى اللحظة بعودة الأسعار إلى طبيعتها السابقة، رغم انهيارات بعض الأسعار وإغراق السوق بأصناف محدودة.
إقرأ المزيد