"مش أحسن ما نبقى زي" سورية والعراق.. عقد على الفزاعة
العربي الجديد -

سوق الشورجة التاريخي في بغداد، 27 فبراير 2025 (مرتضى السوداني/الأناضول)

ظلت حالة سورية والعراق نموذجاً صارخاً تعاير به بعض أنظمة وحكومات عربية شعوبها طوال ما يقرب من عقد من الزمان وربما يزيد، وباتت مقولة "مش أحسن ما نبقى زي سورية والعراق" التي نحتتها تلك الأنظمة وإعلامها هي الشعار الأبرز الذي ترفعه في وجه شعوبها عندما يشكو المواطن من قفزات الأسعار وغلاء المعيشة وتكاليف الحياة وتدهور القدرة الشرائية وتهاوي العملة المحلية، أو حتى عندما كان يهم بالشكوى من اختفاء سلع رئيسية منها البنزين والسولار وغاز الطهي والأرز والسكر وغيرها.

بل كانت وسائل الإعلام المحسوبة على تلك الأنظمة ترفع هذا الشعار لسنوات طويلة عندما يشكو الرأي العام من اختفاء أنبوبة غاز، أو عقب حدوث زيادة في سعر رغيف الخبز والأدوية وغيرهما من السلع الحياتية، أو انقطاعات في الكهرباء لساعات طويلة كل يوم، أو تعويم العملة المحلية مقابل الدولار مرة وربما أكثر في أقل من عام، وحتى في حال اعتراض تلك الشعوب على بيع أصول الدولة للأجانب، والتفريط في الشركات العامة الاستراتيجية، وإهدار المال العام، وإقامة مشروعات لا علاقة لها بالمواطن.

كانت الحال في سورية والعراق وغيرها من الدول العربية تبرر للحكومات هذه المعايرة عندما كانت ترفع الشعار المقيت والمهين، حيث كان تفشي الحروب الأهلية والاضطرابات السياسية والأمنية والتدخلات الخارجية من إيران وروسيا وغيرهما، والغلاء الفاحش، واختفاء للسع الأساسية، وتدهور العملتين، الدينار العراقي والليرة السورية، والهجرة للخارج وانتشار الطائفية والمليشيات المسلحة، وقتل مئات الآلاف من المواطنين بيد الأجهزة الأمنية المعاونة للنظام الحاكم.

وكانت الشعوب المغلوبة على أمرها داخل العديد من الدول العربية تسكت على تلك الإهانات وتبتلعها، إما لأنها مقهورة ومحكومة بالحديد والنار، أو لأن الواقع من حولها أسود كما كانت تصوره وسائل الإعلام وبشيء من المبالغة الشديدة، حيث كان الإعلام ينقل صورة قاتمة وبشكل يومي عن الوضع المزري في دول الجوار العربي، خاصة في الدول التي تشهد مخاطر جيوسياسية عنيفة وحروباً أهلية، كما الحال في سورية والعراق واليمن وليبيا والسودان، وغيرها من الدول التي كانت تشهد اضطرابات أمنية شديدة.

في سورية فقد تخلصت الدولة من نظام قاتل وفاسد، أعقبته تطورات اقتصادية إيجابية عدة منها تحسن ملحوظ في قيمة العملة المحلية الليرة، وزيادة تدفق النقد الأجنبي

الآن، تغير الوضع كثيراً داخل دولتي المعايرة، فالعراق يشهد تحسناً ملحوظاً منذ سنوات على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني، فهناك تدفق للنقد الأجنبي على الدولة سواء من مبيعات النفط أو الاستثمارات المباشرة، والدولة أصبحت جاذبة للاستثمار الأجنبي، وبحسب أحدث الأرقام فإن حجم الاستثمارات العربية والأجنبية وصل إلى 63 مليار دولار خلال عامين بعد إجراء بعض الإصلاحات وتقديم تسهيلات للقطاع الخاص. وهذا التدفق مكّن العراق من سداد الديون الخارجية المستحقة عليها والتي تقلصت لأقل من 10 مليارات دولار. كما مكنها من وقف التهاوي في عملتها الدينار.

وبحسب الأرقام الحكومية فقد تخلص العراق من عبء الديون الخارجية وسدد كامل ديونه لصندوق النقد الدولي، وشهدت الدولة استقراراً أمنياً عقب القضاء على تنظيم داعش أعقبه استقرار اقتصادي ونقدي، وبدأ العراق تنفيذ مشاريع كبرى مع شركات عالمية لاستثمار الغاز والنفط تمهيداً للاستغناء عن الغاز الإيراني وزيادة صادراته، وتبذل الحكومة جهوداً كبيرة لحماية العملة الوطنية وتعزيز الأمن الاقتصادي للدولة. 

وأصبح العراق يمتلك احتياطيات من النقد الأجنبي بقيمة 106.7 مليارات دولار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما حافظ الاقتصاد على تصنيفه الائتماني. ورغم تلك التطورات لا يزال الاقتصاد العراقي يشهد تحديات عدة أبرزها أنه لا يزال أسيراً للاعتماد على النفط في توليد الإيرادات العامة، ولا يزال مستوى الفساد عالياً رغم محاولات كبحه.

وفي سورية فقد تخلصت الدولة من نظام قاتل وفاسد، أعقبته تطورات اقتصادية إيجابية عدة منها تحسن ملحوظ في قيمة العملة المحلية الليرة، وزيادة تدفق النقد الأجنبي، وتستعد الدولة لاستقبال استثمارات عربية وأجنبية ضخمة خاصة من تركيا ودول الخليج، كما بدأت الدولة إعادة بناء احتياطاتها من النقد الأجنبي. بالطبع لا يزال أمام سورية سنوات طويلة وجهود مضنية لاستعادة عافية اقتصادها وإعادة هيكلته، وتدبير نحو 300 مليار دولار لتمويل مشروعات إعادة الإعمار، والحد من الفساد المالي، وإعادة الأموال المنهوبة، لكن الاستقرار السياسي والأمني النسبي الذي تحقق يمكن أن يسرع من هذا التعافي مع تحمس السوريين لإعادة بناء دولتهم.



إقرأ المزيد