العربي الجديد - 1/22/2025 3:50:22 AM - GMT (+3 )
حصاد القمح في موسم سابق بدرعا جنوب سورية (محمد أبازيد/فرانس برس)
تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتداءاتها على الأراضي السورية في القنيطرة وريف درعا الغربي، حيث بدأت منذ توغلها بتجريف أراضٍ زراعية، احتوت على أشجار مثمرة معظمها من الزيتون.
وبالتوازي مع ذلك، تواصل قواتها تعزيز النقاط العسكرية على حواف سد المنطرة في منطقة أمّ العظام في ريف القنيطرة الجنوبي.
فمنذ 15 سبتمبر/ أيلول 2024 بدأت أول التوغلات الإسرائيلية بعمق 200 متر داخل الأراضي السورية من الجهة الغربية لبلدة جباتا الخشب في القنيطرة، ثم تلا ذلك توغل آخر في 11 أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام، وخلال عمليات التوغل جرفت قوات الاحتلال أراضي زراعية تتبع بلدة كودنة، واحتلتها وأعلنت عن إنشاء سياج أمني بذريعة "منع تسلل مسلحين إليها".
تجريف الأراضي في جنوب سوريةمع هروب بشار الأسد من سورية صباح الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ توغل جديد تدريجي في أراضي محافظة القنيطرة السورية وريف درعا الغربي الجنوبي، لتصل إلى مدينة السلام (البعث سابقا) وسط مدينة القنيطرة.
كما قامت بتثبيت نقاط عسكرية في أكثر من 12 قرية وبلدة في القنيطرة وثلاث بلدات وقرى بريف درعا الغربي الجنوبي، وخلال توغلها عمدت إلى تجريف أراضٍ تعود لسكان تلك القرى وقطع أشجار مثمرة.
وفي حديث لـ"العربي الجديد" قال المواطن عمر المحاسنة، وهو من إحدى القرى الحدودية التابعة لمنطقة الشجرة التي تقع في الحدود الإدارية بين المحافظتين (القنيطرة ودرعا)، إن "توغل الاحتلال في قرى وبلدات القنيطرة وريف درعا كان له أثر سلبي على الفلاحين ومربي النحل في المنطقة على وجه التحديد، حيث حرم وجود دورياته الفلاحين والمزارعين من القيام بنشاطاتهم كالمعتاد".
وأوضح: "يعتمد سكان المنطقة على الزراعة وتربية المواشي والنحل بشكل كبير، حيث يشكل ذلك المورد المالي الأساسي لهم"، مشيرا إلى أن أكثر من 90% من سكان القنيطرة ودرعا يعتمدون على الزراعة في معيشتهم".
وأكد المحاسنة أن هاتين المحافظتين مع ريف دمشق الغربي الجنوبي تعدان سلة غذائية كبيرة لسورية منذ القدم، حيث تتمتع بتربتها الخصبة، ما يجعل أصناف الخضار والفواكه التي تنتجها هذه المحافظات من أجود الأصناف.
وأضاف: "لا يمكن أن نغفل أبدأ أن قمح هذه المنطقة هو الأجود نوعا في سورية منذ زمن الرومان، بالإضافة لكون أن 70% من أراضي القنيطرة ودرعا تستثمر لزراعة الحبوب الأساسية كالقمح والحمص والعدس، عدا عن البقوليات الأخرى كالفول والبازلاء، بالإضافة للورقيات كالنعناع والخس والبقدونس والكزبرة والبطاطا والبندورة والخيار".
وأشار المحاسنة إلى أن "إنتاج الحبوب الأساسية ينقسم إلى موسميّ ينبت بعلاً لاعتماده على الأمطار، وآخر مرويّ بتدخل الإنسان، أما الخضار والفواكه فنعتمد بزراعتها على الري الصناعي". وأشار إلى أن "ذلك يطرح تحديات كبرى اليوم وفي الظروف الحالية، سواء الطبيعية منها أو التي أتت مع توغل الاحتلال في المنطقة وقطع المياه بعد احتلال سد المنطرة الذي يعتبر المورد الأول لمياه الزراعة فيها، وتخريب شبكات المياه الواصلة إلى القرى والبلدات".
في السياق ذاته، يؤكد سعيد المحمد، من أبناء القنيطرة، كلام المحاسنة بأن استمرار الحال على ما هو عليه ستتمخض عنه خسائر كبيرة ستطاول الفلاحين في القنيطرة هذا العام، لافتاً إلى أن ما مقداره 8 آلاف دونم من القمح منها 3 آلاف دونم مروي ستفشل هذا العام، عدا عن مساحة تقدر بحوالي 6 آلاف دونم من الشعير قد لا تأتي بثمن بذورها وزراعتها، إذا بقي الجفاف وبقيت المياه في يد الاحتلال (الدونم = 1000 متر مربع).
وعن زراعة الخضار والفواكه، يرى المحمد أن اعتماد القنيطرة على الأشجار المثمرة الصيفية كالدراق والخوخ والعنب والتين تحتاج لأمطار غزيرة ومياه وافرة كي تنبثق الثمار الجديدة منها، وكذلك الزيتون، وفي حال لم تحصل على حصة كافية من المياه ستتعرض أغصانها للجفاف وتموت.
أما بالنسبة لتربية النحل فيقول المحمد لـ"العربي الجديد": "أنا أحد الذين يعملون في تربية النحل منذ سنوات، ولم أر أسوأ من هذا الموسم لتربية النحل، فنتيجة الجفاف قلّت المراعي وانعدمت في كثير من المناطق، وهذا الأمر سيكون كارثياً على إنتاجية الموسم الحالي، وإذا بقيت الأحوال الجوية على ما هي عليه، فلن تنبت الأزهار وتتفتح وبالتالي فسيكون التعب قد ضاع هباء الرياح، عدا عن ارتفاع أسعار المواد الأولية والسكر والأدوية التي تستخدم في الإنتاج من خلايا ومعدات العمل وانخفاض أسعار منتجات النحل مقارنة بالنفقات التي يدفعها".
وربط المحمد مستقبل تربية النحل في البلاد بالزراعة وتوفر المناخ الملائم للزراعة، وأشار إلى أن القنيطرة وحدها تحتوي على نحو 10 آلاف خلية نحل تقريبا، لذا فإن التحديات كبيرة مع هذا الجفاف وبالتالي ستهاجر مناحل كثيرة كما حدث قبل عامين، وستكون الخسائر بالملايين، حسبه.
مخاوف من توغل أكبر في سوريةعلي الجريدي، وهو أحد المزارعين ومربي مواشٍ في القنيطرة قال لـ"العربي الجديد": "نحاول أن نبقى على أمل رغم أن لا شيء مبشر، لا أمطار ولا مياه ولا عشب في المراعي".
ويضيف: "لا شيء واضح، بدأنا منذ أسابيع بزراعة القمح والشعير وبعض الحبوب، رغم تأخر سقوط الأمطار، وارتفاع أسعار حراثة الأراضي، حيث وصل سعر حراثة الدونم الواحد إلى أكثر من 40 ألف ليرة، وغلاء أسعار البذار أيضا". ويردف: "لا نعلم إن كنا سنحصد ما بذرنا أم لا، أولا بسبب الطقس، وثانيا لدينا مخاوف من حرب قادمة أو توغل أكثر للإسرائيلي، والذي يمكن أن يقوم بحرماننا من حصاد مواسمنا".
ومن جهة أخرى، يقول أحد سكان قرية الجملة في ريف درعا الغربي، رفض ذكر اسمه، إن كثيرين من أبناء منطقته حرموا الذهاب إلى أراضيهم وبالتالي قطعت أرزاقهم، وذلك لخوفهم المرور من قرب نقطة الجزيرة التي استولت عليها إسرائيل، وقد سبق وأطلقت النار على الرعاة، ومرة أخرى على متظاهرين من أبناء قريته وقرية معرية".
وأشار إلى أن النقطة تقع في طريق أبناء هذه القرى إلى أراضيهم الواقعة في منطقة وادي الرقاد في حوض اليرموك، الذي استولى الكيان على مياهه، الأمر الذي ستكون له آثار كارثية على المزارعين ومربي النحل في المنطقة الذين أوقفوا أعمالهم فيها منذ آخر العام الفائت.
والجدير بالذكر أن القنيطرة وريف درعا الغربي الجنوبي من المناطق الأغنى زراعيا في سورية نتيجة تربتها البركانية الخصبة، لوقوعها في وادي اليرموك على ارتفاع يصل إلى 950 مترا فوق سطح البحر، والذي دفع سكان المنطقة لاعتماد الحياة الزراعية كمورد أساسي للرزق.
إقرأ المزيد