ماذا يقول الخبراء عن أزمة الإجازات الحكومية في سورية؟
العربي الجديد -

موظفون في حقل الرميلان النفطي، شمال شرقي سورية، 8 يناير 2025 (دليل سليمان/ فرانس برس)

لا تزال الضبابية تخيّم على قرارات المؤسسات الحكومية بمجملها، ومنها تلك المتعلقة بالإجازات الخاصة بالموظفين وتحديداً الإجازات المدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر، مع غياب أي تصريحات بشأنهم حول الأسباب الموجبة لذلك، ومصير هؤلاء الموظفين بعد انتهاء المدة المحددة، هل سيبقون فائضاً وسيقالون من أعمالهم؟ أم سيتم تحويلهم إلى مؤسسات أخرى؟ هي أسئلة عديدة تدور في أذهان الموظفين اليوم، حاولت "العربي الجديد" توجيهها إلى من هم معنيون بالأمر لإيجاد تبريرات وحلول وتفنيدات.

بداية، كان التواصل مع وزارة التنمية الإدارية كونها المسؤولة عن موظفي الدولة، ولكن بعد انتظار دام لعدة أيام، كانت الإجابة بالتريّث لوجود تفاصيل لم يؤخذ فيها قرارات حتى الآن. ومن وجهة نظر اقتصادية، يرى الخبير في سوق العمل الدكتور زكوان قريط، في تصريحه لـ"العربي الجديد" أن خزان الموارد البشرية الموجودة في سورية يحتاج إلى إعادة جدولة وهيكلة، فهو يعاني خللاً منذ عهد النظام البائد، فهناك كتلة من الموظفين غير موزعة بشكل مثالي، بدليل وجود 50 موظفاً في دوائر حكومية لا تحتاج إلى أكثر من 10 موظفين.

وعلى اعتبار أن الحكومات السابقة تورطت في توظيف هؤلاء الموظفين، بحسب توصيف قريط، فيجب على الحكومة الحالية أن تجد حلولاً لإعادة توزيع هذه القوى العاملة على مختلف القطاعات كل بحسب اختصاصه، وهذا الأمر لا يتم بشكل عشوائي إنما يحتاج إلى دراسة عبء العمل في كل مؤسسة، وتفنيد الاختصاصات الوظيفية المطلوبة، وربطها مع المؤهلات الحقيقية للموظفين، معتبراً أن الحكومة الحالية لم تتخذ خطوة الإجازات تمهيداً للتسريح كما يدور في خواطر الموظفين، وإنما هي قامت بتجميد الكتلة الفائضة ريثما تعيد توزيعهم إلى أماكن أخرى تتناسب مع مؤهلاتهم، أما الأشخاص غير المؤهلين فسيتم إخراجهم من سوق العمل الحكومي، ومن الممكن أن يتجهوا إلى القطاع الخاص، أو يقدموا استقالاتهم، أو يتقاعدوا في حال كان لديهم عدد سنوات خدمة كبير.

أما الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور زياد عربش، ففضّل في بداية حديثه مع "العربي الجديد" مناقشة الإطار الكلي لموضوع سوق العمل، كون المسألة لها أبعاد عدة لا تقتصر على البعد الاقتصادي أو الاجتماعي، إذ يجب تقدير كينونة كل المجتمع السوري، فالعدالة مطلوبة اليوم بسوق العمل، سواء من جهة رفد عدد كبير من العاملين أو استقطاب موظفين جدد بشكل مباشر لتعبئة فراغات عديدة، لافتاً إلى وجود عدم وضوح بالرؤية في هذا الملف، ففي الأيام الأخيرة تم التراجع عن قرارات عديدة اتخذت في الأسابيع الأولى من تسلّم السلطة، فبعد رفد مئات الموظفين من مؤسسات معينة، كوزارة التموين، تم التراجع عن هذا القرار (بحكمة وإن كانت غير كاملة) من خلال إعادة بعض الأسماء، علماً أن هذه العودة الانتقائية لجزء من العاملين ستخفف بشكل بسيط جداً من الاحتقان العام.

واعتبر عربش أن المسألة ليست اقتصادية، كونه لا يوجد في الأساس سوق عمل بسورية، نتيجة لكثرة التشوهات والاختلالات البنيوية والهيكلية، لذا هناك حاجة ماسة إلى معالجات حكيمة وجذرية، وليست انتقائية، ولوجود رؤية اقتصادية متكاملة تتلازم وتتواءم وينسجم فيها البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي مع البعد القطاعي والجغرافي والزمني، إذاً فالحلول الإسعافية ضرورية جداً، لإنقاذ اقتصاد سورية المتهالك، وذلك قبل الحديث عن (هرطقة) إعادة الإعمار، فمن غير المنطقي من وجهة نظره الحديث عن إعادة التعافي والإعمار والنهوض وغير ذلك، قبل معرفة مواضع نزيف الاقتصاد السوري، معتبراً أن رجل الدولة يجب ألا يتصرف بشكل شعبوي.

وحول قرارات الإجازات التي منحت مؤخراً، تساءل عربش فيما إذا تم إعداد دراسة عن احتياجات الاقتصاد السوري الإسعافية والمتوسطة وطويلة الأجل، للإحاطة بدقة بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل، ابتداء من العمالة الماهرة في قطاع المعلوماتية للبدء الفعلي بالحوكمة الإلكترونية، وفي قطاع البناء والتشييد والترميم، والحرفيين والعمالة الماهرة والنصف ماهرة، والعمالة المطلوبة في المناطق الصناعية والحرفية والتجارية والخاصة، وصولاً إلى مسائل التدريب في الأمن والسلم العام، والمسائل القانونية، كما طرح تساؤلاً آخر، حول القيام بتقدير أولي لحجم الطاقات الفعلية الموجودة في سورية، والطاقات الكامنة الكبيرة المغيّبة.

ولم ينكر عربش أن كل الأمور تشكل اليوم أولوية ملحة فعلاً ولكن يعد تبويب تلك الأولويات من وجهة نظر العدالة الاجتماعية والمجتمعية، أهم بكثير من الحكمة الاقتصادية، إذ يجب توظيف شباب وشابات المخيّمات، ومن فقدوا آباءهم أو معيليهم في السجون، وذلك بعد تأهيلهم وتكوينهم بشكل مهني لائق، على التوازي مع إعادة تفعيل طاقات المجتمع المحلية من دون استعلاء. 

وفي ما يخص موضوع تأهيل الأيدي العاملة غير الخبيرة في المؤسسات الحكومية وغيرها، اقترح عربش إطلاق العنان للعديد من المبادرات والفعاليات والبرامج والتدخلات الإيجابية الفاعلة لكل قوى المجتمع من مؤسسات حكومية وقطاعات أهلية ومدنية، بوصفها جهات معنية بشكل مباشر وغير مباشر بعمليات التأهيل التكويني والتحويلي والتدريب الأصيل والمهني والنوعي والتخصصي، ولكن بشرط تحقيق الشفافية والعدالة، علماً أن مثل هذه الخطوات تأتي في إطار ضرورة إيجاد حلول لفائض العمال الكبير الموجود في سوق العمل بالكثير من القطاعات الحكومية، إضافة إلى احتضان آلاف الشباب المنتشرين على الطرقات والذين باتوا يبيعون محروقات وبضائع أجنبية وغير ذلك، لزجهم في سوق العمل بشكل فعلي وليس بأعمال قد تؤدي لاحقاً إلى مفاعيل يعد المجتمع في غنى عنها.

وبيّن أن الوقت ليس من صالح المجتمع السوري والمخاطر المحدقة عديدة جداً، ولكن بالإرادة والوعي والتفكير الهادئ يمكن صياغة استراتيجية للعمالة عرضاً وطلباً وسوقاً، لتكون مندمجة تماماً مع سياسة اقتصادية تنموية مبتغاة لسورية الجديدة.

وحول قانونية مثل هذه الإجازات من قبل الحكومة المؤقتة، يرى المحامي عدي الشوا في حديث مع "العربي الجديد"، أنه عند سقوط الدولة بالثورات يسقط معها الدستور، ويسقط البرلمان بالتبعية، وتكون الحكومة هي حكومة أمر واقع لحين تشكيل حكومة جديدة، ومن ثم لها أولويات بالعمل، علماً أن هذا لا يعني القانونية من حيث المبدأ، ولكن يمكن للحكومة الحالية اتخاذ قرار الإجازات بحق العمال قراراً مؤقتاً وليس قطعياً حالياً لينظر في تلك القرارات من قبل الحكومة الانتقالية، لافتاً إلى أنه لا يمكن للحكومة الحالية تسريح العمال لأن ذلك يحتاج إلى الكثير من الصلاحيات والإجراءات.



إقرأ المزيد