الجزائر تراجع اتفاق الشراكة مع أوروبا لتجنب الأضرار الاقتصادية
العربي الجديد -

يقترب موعد مراجعة الجزائر بنود اتفاق شراكتها مع الاتحاد الأوروبي، وهي العملية التي يشرف عليها رئيس البلاد عبد المجيد تبون، إذ ترأس، أول من أمس الثلاثاء، اجتماعاً خصص لمتابعة مدى تقدم التحضيرات الخاصة به.

ويؤكد إشراف الرئيس الجزائري على الفريق المكلف بالتحضير لمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وإعادة النظر في بنوده على المساعي الحثيثة للإقدام جديا على الخطوة، إذ لطالما راوحت مكانها، على الرغم من مطالبة الجزائر مراراً بمراجعتها.

يعود ملف اتفاق الشراكة ليُطرح لكن بمعطيات مختلفة هذه المرة تطبعها المصالح الاقتصادية والمواقف السياسية كذلك، خاصة في ظل الأجواء الباردة للعلاقات الجزائرية الفرنسية واستمرار الأزمة التي تقترب نحو القطيعة، في ظل تبادل التهم، فضلاً عن تجاذب وتباين المصالح الاقتصادية، في وضعية تفرض على الجزائر في نهاية المطاف بذل كل المساعي من أجل إصلاح الوضع.

ويشير مراقبون إلى منح هذه الاتفاقية امتيازات لانتقال السلع بين الجانبين، مؤكدين أن ارتفاع كميات شحنات واردات الجزائر وانخفاض صادراتها خارج المحروقات (التي تخضع لتسعيرات وبورصة خاصة) جعل دول الاتحاد الأوروبي تحصد ثماراً على حساب الطرف الجزائري على مدار السنوات، تراوحت تقريبا بين 20 إلى 30 مليار دولار، وعلى الرغم من أنهم يذكرون بأنّ التأكد من الأرقام في هذا الشأن ليس بالمهمة السهلة، فهم يؤكدون على اختلال التوازن بين طرفي الاتفاقية.

ظروف توقيع الاتفاقية
وفي هذا الصدد، يعود الخبير في الشأن الاقتصادي، عبد الرحمان عية، إلى ظروف توقيع الجزائر لهذه الاتفاقية، خلال مرحلة ميّزها خروج الجزائر من "إصلاحات" صندوق النقد الدولي، ووضع سياسي متشنج، جعلها تسير نحو "الانفتاح" على الأسواق الدولية على حساب مصالحها الاقتصادية، ترجمت وقتئذ من خلال هذه الاتفاقية، فضلاً عن المسار الماراثوني لانضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية.

ولم يستبعد الخبير في حديثه مع "العربي الجديد" تأثير المعطيات والإسقاطات السياسية على ظروف التوقيع على الاتفاقية، ويشير عية في هذا الاتجاه، إلى أنّ اتفاق الشراكة وقّع سنة 2005 على أن التطبيق النهائي خصص له سنة 2015، توالت إثره قرارات التأجيل إلى 2017 ثم 2020 وبعدها 2021، نظرا لتواصل تكبد الجزائر خسائر جراء ما يعرف بـ"التفكيك الجمركي" كونه يمنح امتيازات وإعفاءات لفائدة السلع حين تدخل السوق (الواردات الجزائرية).

الطرف الأوروبي أخلّ ببعض البنود

يذكر عية أنّ الطرف الأوروبي أخلّ بما تنص عليه بنود الاتفاقية، ولا سيما في شقها المتعلق بحرية انتقال الأشخاص، مشيرا إلى ملف منح التأشيرات للجزائريين، بالإضافة إلى عزوف دول المجموعة الأوروبية عن المضي في استثمارات كبيرة في الجزائر، على الرغم من أن الخبير الاقتصادي اعترف بوجود بعض الصعوبات في هذا المجال، أبرزها استفحال البيروقراطية وضعف الرقمنة، واكتفى الاتحاد الأوروبي بدلاً من ذلك بتحويل الجزائر إلى مجرد سوق لاستيراد "أي شيء".

من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي الدولي والمستشار السابق في الأمم المتحدة، عبد المالك سراي، حق الجزائر في مراجعة مضمون الاتفاقية، لوجود بند ينص على إمكانية استعمال هذه الآلية متى سجل اختلال في المصالح بين طرفي العلاقة.

أوراق ضغط في المفاوضات

ويشير سراي، في تصريحه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ ظروف التوقيع على الاتفاقية تغيّرت جملة وتفصيلاً، ولا سيما من الناحية الاقتصادية الهشة التي دفعت الفريق الجزائري المفاوض آنذاك إلى الرضوخ والتنازل، في محاولة لكسب ثقة الشركات الأوروبية للاستثمار وإقامة مشاريع في الجزائر، بعد الخراب الذي خلفته "العشرية السوداء" (مرحلة الأزمة الأمنية والحرب الأهلية في الجزائر في التسعينيات)، ما كبّد الخزينة الجزائرية حوالى 7.5 مليارات دولار من تطبيق "التفكيك" والامتيازات الجمركية خلال السنوات الخمس الأولى من تطبيق الاتفاقية.

ويوضح سراي أنّ لدى الجزائر مجموعة من الأوراق التي يمكن استعمالها في إطار التفاوض وإعادة التوازن لعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، ويذكر منها الإمكانات الاقتصادية بما فيها الاكتشافات الأخيرة في المجال النفطي والمنجمي، مقابل الأزمة الاقتصادية التي تخيّم أوروبا. لكنّه يدعو إلى أهمية إشراك جميع الفاعلين والمختصين فضلاً عن السلطات الوصية في إعداد ملف التفاوض، الذي يَتوقع ألّا يكون مساره سهلاً، ولا سيما في ظل تمسك الطرف الأوروبي بمصالحه وبحثه عن أسواق لبيع منتجاته.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي وعضو لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان الجزائري أحمد بلجيلالي، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إنّ مراجعة اتفاق الشراكة "ضرورة اقتصادية وسياسية لإنهاء وضع غير طبيعي في العلاقات الاقتصادية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، وإعادة التوازن للمصالح المتبادلة بين الطرفين".



إقرأ المزيد