بعد اتفاق وقف النار... سكان غزة ينتظرون المساعدات
العربي الجديد -

سوق وسط مبانٍ مدمرة في مدينة غزة، 27 مارس 2024 (أشرف عمرا/الأناضول)

ينتظر سكان قطاع غزة بدء دخول قوافل المساعدات والإغاثة المتعلقة بهم فور دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بعد حرب إسرائيلية استمرت 16 شهراً، دمر فيها الاحتلال مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبنية التحتية، وعزز من الجوع والفقر والبطالة. ومنذ اليوم الأول للحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 فرض الاحتلال حصاراً خانقاً ومشدداً، حيث منع إدخال جميع الشاحنات وقطع الكهرباء والمياه عن القطاع.
وبشكل متدرج سمح الاحتلال في وقتٍ لاحق بإدخال المساعدات للقطاع سواء من المعابر الحدودية أو عن طريق عمليات الإنزال الجوي، إلا أن جميع هذه العمليات كانت لا تلبي الحد الأدنى للفلسطينيين في غزة ولم تزد عن 10% حسب بيانات المنظمات الأهلية والجهات الحكومية.
ويحتاج القطاع بشكلٍ فوري لكميات كبيرة من الغذاء والدواء، بالإضافة للخيام أو البيوت المتنقلة، في ظل تدمير كبير طاول مختلف البيوت والأحياء السكنية والمنازل، وعدم وجود أماكن صالحة للعيش في الفترة الأولى التي تسبق عملية إعادة الإعمار.

الجوع يتصاعد في غزة

حسب تقديرات الأمم المتحدة وخبرائها، فإن الجوع تصاعد في القطاع بشكل صاروخي، حيث يواجه أكثر من 90% من السكان انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من 300 ألف شخص يعانون من الجوع الكارثي على الأرجح.
ووفقاً للتقديرات الأممية، فإنه لا يزال حوالي 120 ألف طن متري من المساعدات الغذائية موجودة خارج القطاع وبانتظار السماح بإدخالها، وهو ما يكفي لتوفير الحصص الغذائية للمواطنين بالكامل لأكثر من ثلاثة أشهر.

وانتهج الاحتلال خلال الحرب أسلوب التجويع، إذ كان يسمح بإدخال عدد محدود من الشاحنات لا يزيد عن 80 شاحنة في أفضل الأحوال يومياً، فيما كان يسمح للعصابات المسلحة بسرقتها ونهبها قبل وصولها لمخازن الجهات الأممية والإغاثية.
وقبل الحرب الإسرائيلية على القطاع، كان يصل إلى غزة عبر الجانب المصري والإسرائيلي قرابة 600 إلى 800 شاحنة من مختلف احتياجات الفلسطينيين الأساسية، مثل المواد الغذائية والدوائية والمحروقات والغاز الطبيعي.
وشكّلت بوابة صلاح الدين التجارية مع مصر في السنوات الأخيرة، شريان الحياة الاقتصادية للقطاع، بالإضافة لمعبر كرم أبو سالم التجاري الواقع جنوب شرقي القطاع، حيث كان يجري إدخال الشاحنات التجارية يومياً من خلال هذين المنفذين.
ونتيجة لحرب التجويع التي شنها الاحتلال، شهد العام الأخير وفاة أكثر من 50 فلسطينياً بفعل الجوع، وفقاً لما تمكّنت الجهات الحقوقية من توثيقه، فضلاً عن حالات لم يجر توثيقها بالذات في مناطق شمالي القطاع.

تكدس المساعدات

في الأثناء، يقدر مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، حجم المساعدات المكدسة التي لم تدخل غزة بأكثر من 600 ألف طن، وهي لا تقتصر فقط على المواد الغذائية، بل تشمل أدوية، ومستلزمات طبية، وخياماً، وشوادر بلاستيكية. ويقول الثوابتة لـ"العربي الجديد" إنه لتلبية الاحتياجات الإنسانية في قطاع غزة، يُقدّر أن القطاع بحاجة إلى 1000 شاحنة يومياً، تشمل مواد غذائية، وأدوية، ومواد بناء، ووقوداً، وهي تقديرات تعتمد على تقييمات الاحتياجات الحالية التي تجريها الطواقم الحكومية المختلفة.
وحسب مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، فإنه قبل إغلاق معبر رفح، وصلت إلى القطاع مساعدات محدودة، موزعة بين مواد غذائية، وأدوية، ومواد إغاثية أخرى، ولم تكن هذه المساعدات تكفي لنسبة 5% من احتياجات الفلسطينيين في غزة، ما أدى لانتشار الجوع.

وعن أبرز المساعدات التي يحتاجها القطاع، يوضح أن غزة تحتاج إلى مساعدات في القطاع الصحي، وتضم إنشاء وترميم المستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الأشعة والأدوية والصيدليات، وإجراء العمليات الجراحية في القطاع الخاص والعام وغيرها، إذ إنّ التقدير الأولي والمبدئي لخسائر هذا القطاع تبلغ نحو 575 مليون دولار.

ووفقاً للثوابتة، فإن القطاع يحتاج إلى المواد الغذائية بشكل كبير جداً لضمان الأمن الغذائي لأكثر من 2.4 مليون نسمة في غزة، بالإضافة إلى الوقود بأنواعه المختلفة لتشغيل المستشفيات والمرافق العامة وكل القطاعات الحيوية المختلفة. ويشير إلى أن القطاع يحتاج إلى مساعدات على الصعيد التعليمي، حيث إن الاحتلال قام بتدمير الجامعات والكليات والمدارس، والتقدير الأولي والمبدئي لخسائر هذا القطاع بنحو 1.85 مليار دولار.
ويلفت الثوابتة إلى حاجة القطاع الماسة على صعيد الإسكان لإعادة إعمار وبناء وترميم القطاع الإسكاني والقطاعات المنزلية، وبلغت التقديرات الأولية لخسائر هذا القطاع 18.5 مليار دولار.

حاجة ماسة

من جانبه، يقول الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر إن حاجة الفلسطينيين في القطاع للمساعدات لا تقل عن حاجتهم لوقف إطلاق النار، في ظل الحرب التي تواصلت على مدار 16 شهراً من الجوع والتدمير. ويضيف أبو قمر لـ"العربي الجديد" أن حاجة المواطنين في غزة للمساعدات متعلقة بضرورة وجود آلية واضحة للتوزيع، وفقاً لمعايير شفافة، حيث جرى تقليل المساعدات وتقنينها بشكل كبير جداً خلال هذه الحرب.
ويشير إلى أن مناطق شمالي القطاع لم يصلها أكثر من 10% من احتياجاتها طوال فترة الحرب، مقارنة مع مناطق الجنوب التي كان الاحتلال يسمح بإدخال كميات أكبر من الشاحنات إليها، لكنها لم تكن تكفي الحاجة الأساسية كذلك للسكان والنازحين في تلك المناطق. ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي أن الحديث عن 600 شاحنة ستدخل فور بدء تطبيق اتفاق النار ليس بالعدد الكبير، خصوصاً أنّ الاحتياج الفلسطيني كبير، مقارنة مع عدد الشاحنات التي كانت تدخل القطاع قبل الحرب.
ويعتقد أبو قمر أن حجم إدخال الشاحنات لا يجب أن يقل عن 800 شاحنة يومياً في الأشهر الأربعة الأولى، حتى يجري سد النقص والعجز في مختلف القطاعات. ووفقاً لأبو قمر، فإنّ المساعدات مهمة على صعيد إغاثة الفلسطينيين فيما يتعلق بالفترة الأولى من وقف الحرب، على أن يجري لاحقاً تحويل الأموال لتضخ في مشاريع تنموية، يستفيد منها الاقتصاد الفلسطيني الذي يجب ألا يقوم فقط على فكرة المساعدات الخارجية.



إقرأ المزيد