العربي الجديد - 12/22/2024 4:27:45 AM - GMT (+3 )
خفر السواحل المصري يقوم بدورية بينما تبحر سفينة في قناة السويس، 30 مارس 2021 (فرانس برس)
يخيّم التشاؤم على معدلات عبور السفن في قناة السويس المصرية وعائداتها خلال العام المقبل، ما يعمّق خسائر مصر من عوائد الشريان الملاحي الحيوي، وسط استمرار التوترات في المنطقة، إذ تشير البيانات الرسمية إلى تصاعد الخسائر في الأشهر الماضية، بينما سجلت الإيرادات تراجعاً حاداً بلغت نسبته 23.4% خلال العام المالي المنقضي بنهاية يونيو/حزيران الماضي، لتسجل 7.2 مليارات دولار، مقابل 9.4 مليارات خلال العام المالي السابق.
تأتي توقعات خبراء الاقتصاد والملاحة المتشائمة، مدفوعة بتهديد الاحتلال الإسرائيلي بشنّ حرب قادمة على اليمن خلال الفترة المقبلة، لمنع هجمات الحوثيين على إسرائيل وعلى السفن الإسرائيلية المارة في البحر الأحمر أو سفن الدول الداعمة للاحتلال، فضلا عن تصاعد الصراع بين 6 دول على النفوذ في البحر الأحمر والاستنفار العسكري فيه.
وأكدت مصادر في قطاع النقل البحري لـ"العربي الجديد"، عدم وجود مؤشرات من شركات الشحن الدولية الكبرى، حول تراجعها عن قرارات عدم العبور في البحر الأحمر وقناة السويس، حتى نهاية الربع الأول من العام المقبل 2025، منوهين إلى اكتفائهم برصد الحالة الأمنية وتطلعهم إلى انتهاء حالة الحرب المعلنة بين الحوثيين والاحتلال الإسرائيلي، باعتبارها أهم مصدر يهدد أمن وسلامة مرور السفن، وفي حالة عدم وضوح الرؤية بنهاية فبراير/شباط المقبل، ستواصل الشركات العزوف عن العبور في قناة السويس حتى منتصف 2025 على الأقل.
وتدفع الأزمة الحكومة إلى البحث عن بدائل لتنشيط حركة النقل البحري بين مصر والاتحاد الأوروبي، لتعويض عجز ناجم عن انخفاض عوائد القناة بلغت 6 مليارات دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، وفق تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في سبتمبر/أيلول الماضي.
تجري الحكومة مفاوضات مع الدنمارك لاستغلال قدرات عملاق الشحن البحري "ميرسك" التي تدير ميناء بورسعيد شمال القناة، في إدارة عدة موانئ جافة في المدن الكبرى والمناطق الصناعية، لزيادة حركة الشحن من مصر إلى أوروبا، بالتوازي مع تعزيز مسارات شحن بين الموانئ المصرية والإيطالية "الرو- رو" التي أصبحت أكبر مركز لعبور المنتجات المصرية إلى قلب أوروبا مباشرة، والتي تحولت إلى بديل عن مسار "الرو- رو" بين الخليج ومصر وتركيا وروسيا وأوكرانيا وشرق أوروبا، الذي توقف منذ 10 سنوات، ويلقى حالياً معارضة أمنية لإعادة تشغيله، رغم تحسّن العلاقات السياسية وزيادة حركة التجارة بين القاهرة وأنقرة عام 2024.
وقال سكرتير عام شعبة النقل الدولي واللوجستيات في غرفة القاهرة التجارية، عمرو السمدوني، إن مصر تسعى إلى إحياء طرق تجارية بديلة تنعش صناعة وحركة النقل البحري، لحين انتهاء المخاوف من ضربات الحوثيين للسفن المارة في البحر الأحمر، وتأثيرها السلبي على قناة السويس.
وأكد السمدوني لـ"العربي الجديد" أن خسائر تعطل حركة المرور في قناة السويس امتدت بقسوة إلى الأنشطة المتعلقة بالخدمات اللوجستية، التي يعمل بها مئات الآلاف من المصريين في كافة التخصصات، المعرّضين لفقد وظائفهم وأرزاقهم، بالإضافة إلى تسببها في ارتفاع الشحن والسلع على المواطنين.
وأشار إلى سعي الحكومة لزيادة عدد السفن وتجديد شباب أسطول النقل البحري ببناء 31 سفينة جديدة، بحلول عام 2030، لتعزيز قدرة السفن على نقل البضائع ومواكبة التطورات التكنولوجية، بما يسهم في تحويل مصر إلى مركز عالمي للتجارة واللوجستيات، بالتوازي مع دعم مشروعات تطوير ممر قناة السويس والمنطقة الاقتصادية على جوانب المرور من السويس إلى بورسعيد.
وتوقفت أكبر شركات الشحن العالمية عن استخدام الممر الملاحي بقناة السويس، مطلع العام الجاري، لأسباب أمنية، من بينها "هاباغ لويد" الألمانية و"ميرسك" الدنماركية و"إم إس سي" السويسرية و"سي إم ايه سي جي إم" الفرنسية و"ميسوي أو إس كيه لاينز" و"نيبون يوسن" اليابانيتان. وحولت الشركات مسار السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا، بما أضاف أسبوعين إلى متوسط مدة الرحلة المتجهة من جنوب آسيا والخليج إلى أوروبا والشاطئ الشرقي للولايات المتحدة.
ووفقاً لتقارير وكالة "بيزنتون لوجيستك" للشحن، أدى تحويل مسارات السفن إلى ارتفاع متوسط شحن الحاوية قياس 40 قدماً من 1670 دولاراً إلى 2400 دولار، بما يقارب 45% من قيمة الشحن بنهاية 2023، وفاقت نسبة 100% عام 2024، إذ تراوحت تكلفة الحاوية حجم 20 قدماً ما بين 3100 دولار و4900 دولار، و40 قدماً ما بين 4250 دولاراً مع التحول الكامل لشركات الشحن العملاقة إلى طريق رأس الرجاء الصالح وارتفاع تكلفة التشغيل والمحروقات والتأمين على السفن والشحنات.
وقال عضو جمعية رجال الأعمال حمادة العجواني، إن زيادة تكلفة الشحن رفعت أسعار السلع في الأسواق بنحو 20%، منذ بداية العام، منوها إلى بذل جمعية رجال الأعمال المصريين والأتراك جهوداً لاستعادة العمل بمنظومة "الرو- رو"، لتساهم في زيادة حركة النقل بين دول الخليج وشرق أوروبا، عبر الموانئ المصرية، والاستفادة من عودة حاويات الشركات التركية فارغة من الخليج، بإعادة تعبئتها بالمنتجات المصرية، خاصة الغذائية المطلوبة في الأسواق التركية والروسية ودول شرق أوروبا.
وينتظر أن يرتفع حجم التجارة الثنائية بين البلدين إلى 15 مليار دولار بحلول عام 2030، وزيادة قيمة الاستثمارات من 3 مليارات حالياً إلى نحو 20 مليار دولار عام 2026، وفقا لأعضاء في جمعية رجال الأعمال المصريين الأتراك. لكن ثمة مخاوف، وفق خبراء اقتصاد، من تداعيات أخرى ناجمة عن تزايد السباق بين تركيا والإمارات والسعودية والصين والولايات المتحدة وإيطاليا، على إقامة قواعد عسكرية على امتداد باب المندب وسواحل البحر الأحمر، بما يشعل التوتر الأمني بمضيق باب المندب والبحر الأحمر. ويرى الخبراء أن المصالح الاقتصادية والسياسية والسباق بين الدول على إنشاء القواعد العسكرية لحماية النفط والشحن التجاري في منطقة حوض البحر الأحمر تغذي حالة الاستنفار الأمني وعدم الاستقرار، بما يهدد إيرادات قناة السويس لفترة زمنية طويلة.
إقرأ المزيد