العربي الجديد - 12/22/2024 3:36:57 AM - GMT (+3 )
أضرار كبيرة خلّفها العدوان الإسرائيلي على بيروت، 28 سبتمبر 2024 (الأناضول)
تتجه أنظار اللبنانيين إلى إجراء إصلاحات مؤسسية واقتصادية حقيقية ونفض غبار الحرب لإعادة الثقة في البلاد، إذ يحلمون بلبنان جديد تعود إليه الاستثمارات وأموال المغتربين ودعم المانحين، بينما خرج من الحرب بمتاعب مضاعفة للاقتصاد العليل بالأساس، بفعل الانهيار المالي الذي شهده البلد عام 2019.
ويمرّ الاقتصاد اللبناني اليوم بأسوأ مراحله التاريخية، متأثراً بمجموعة من الأزمات المتتالية التي تفاقمت بسبب الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله. هذه الحرب لم تقتصر على التدمير العسكري فقط، بل تركت آثاراً كارثية على البنية التحتية والقطاعات الحيوية، مما أدى إلى خسائر مدمرة تجاوزت مليارات الدولارات. ووفقاً لتقديرات البنك الدولي وبرامج الأمم المتحدة، فإن هذه الخسائر قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ سنوات، مما يهدد مستقبل الدولة وقدرتها على النهوض مجدداً.
مع غياب الإحصاءات الرسمية الدقيقة وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، يجد لبنان نفسه في مواجهة خيارات صعبة تتطلّب اتخاذ قرارات جذرية لتحقيق الاستقرار. وبينما يعتمد تاريخياً على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية، فإن هذه المساعدات لن تتحقق من دون إصلاحات سياسية وإدارية عميقة تعزز الشفافية وتعيد الثقة في المؤسسات الوطنية. ويبقى التساؤل حول كيفية إعادة بناء الاقتصاد اللبناني واستعادة الثقة الدولية والمحلية، مع اقتراب الاستحقاقات السياسية التي قد تكون مفتاح الحل للخروج من هذه الأزمة الخانقة.
صرحت رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، ونائبة رئيس لجنة الأمم المتحدة للخدمة العامة، لمياء المبيض بساط، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن الاقتصاد اللبناني دُمِّر نتيجة سنوات من الأزمات المستمرة، ويواجه اليوم مستقبلاً مظلماً، حيث تسببت الحرب بين إسرائيل وحزب الله في تدمير البنية التحتية، وخلَّفت خسائر تقدر على الأقل بنحو 8.5 مليارات دولار، وفقاً لتقديرات البنك الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وقد تصل الخسائر إلى نصف إجمالي الناتج المحلي، مما يعكس عمق هذه الحرب وخطورتها.
وأضافت أن قطاع الإسكان تكبد خسائر ضخمة، حيث دُمّر أو تضرّر أكثر من 100 ألف منزل، بتكلفة تصل إلى 3.4 مليارات دولار، كما تعرضت قطاعات حيوية أخرى مثل التربية والصحة والبيئة لخسائر تقدر بـ5.1 مليارات دولار، ما يهدد قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية. وقد زاد تدمير سلاسل الإمداد وطرق التجارة من تفاقم الوضع الاقتصادي، حيث أغلقت العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وفقد 166 ألف شخص وظائفهم. وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من المتوقع أن يصل معدل البطالة إلى أكثر من 32.6% بنهاية العام.
وأكدت أن الاقتصاد اللبناني الذي تعرّض لانهيار مالي عام 2019، من المتوقع أن يتقلص بنسبة 9.2% هذا العام، مع مزيد من الانكماش في السنوات القادمة، مما يفاقم الانكماش الاقتصادي الحاد المستمر على مدى السنوات الخمس الماضية، ليتجاوز 34% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال عام 2024. وأكدت أن هذا التراجع الحاد سيفاقم معاناة أكثر من 80% من السكان الذين يُتوقع الآن أن يصبحوا أكثر فقراً وهشاشة، ويؤثر على قدرات الدولة المالية وعمل المؤسسات الحكومية وقدرتها على الاستجابة للأزمة.
وتابعت أن لبنان الذي يعتمد على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية كمصادر أساسية للاستقرار الاقتصادي، يجد نفسه اليوم في مواجهة أزمة خانقة تهدد بنيته الاقتصادية والاجتماعية، وهو بأمسّ الحاجة إلى دعم دولي عاجل لإغاثة الأسر المتضررة، وكذلك لتقديم مساعدات تنموية من أجل استعادة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. مشيرة إلى أن البلاد تحتاج إلى استثمارات ضخمة في إعادة الإعمار، تصل إلى أكثر من 15 مليار دولار على الأقل، ولكن أي مساندة لن تأتي من دون مسار سياسي واضح يعيد دور المؤسسات الدستورية، ومن دون إجراء إصلاحات شاملة بما فيها إصلاحات في الحوكمة لتعزيز الشفافية والمساءلة.
وتابعت أن التعافي من هذه الأزمة يتطلب عملاً جماعياً يقوم على التضامن والوحدة، مع تعزيز الثقة في المؤسسات الوطنية، لضمان استدامة إعادة البناء وتحقيق استقرار طويل الأمد.
وفي سياق متصل، تشير التحديات الراهنة إلى ضرورة تبنّي رؤية اقتصادية جديدة توازن بين الإغاثة الفورية للأسر المتضررة وإعادة بناء البنية التحتية من جهة، وتحفيز النمو الاقتصادي المستدام من جهة أخرى. حيث يتطلب هذا التوجه التركيز على الاستثمار في رأس المال البشري، ودعم القطاعات الإنتاجية المبتكرة، وتعزيز شراكات القطاعين العام والخاص. كما أن إشراك المغتربين اللبنانيين في خطط إعادة الإعمار والاستثمار يمكن أن يشكل ركيزة أساسية لتحريك العجلة الاقتصادية وتعزيز التدفقات المالية إلى الداخل.
من جانبه، قال الكاتب والباحث الاقتصادي باسل الخطيب، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن الحركة الاقتصادية تشكل في موسم الأعياد حوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي. ومع وقف إطلاق النار قبل بداية الموسم وعودة المغتربين إلى لبنان، هناك فرصة لتحريك العجلة الاقتصادية، رغم الفجوة الكبيرة الناتجة عن غياب الإحصاءات الرسمية، مما يجعلنا نعتمد على تقديرات جهات مثل الدولية للمعلومات.
وأضاف الخطيب أن الخسائر الناجمة عن الحرب انقسمت بين مباشرة وغير مباشرة، حيث بلغت الخسائر المباشرة 12 مليار دولار، منها 5.2 مليارات دولار للوحدات السكنية، و600 مليون دولار للبنية التحتية، و520 مليون دولار للقطاعات الأخرى، بالإضافة إلى خسائر القطاع الزراعي التي وصلت إلى 900 مليون دولار نتيجة الغارات الفسفورية وكساد المحاصيل. أما السيارات ومعارض السيارات، فقد بلغت خسائرها حوالي 500 مليون دولار. وتابع أن الخسائر غير المباشرة تقدّر بـ400 مليار دولار، مع توقف النشاط الاقتصادي بنسبة 50% خلال فترة الحرب، كما أظهرت التقديرات خسائر يومية بقيمة 30 مليون دولار، ما يعادل 2.1 مليار دولار خلال 70 يوماً.
وأكد أنه، وبحسب البنك الدولي، وصلت الخسائر الإجمالية إلى 8.5 مليارات دولار، لكن مع استمرار عمليات المسح قد تتغير هذه الأرقام. في الوقت نفسه، فقد نحو 250 ألف موظف وظائفهم، وفق تقدير الخطيب، نتيجة توقّف 15 ألف مؤسسة عن العمل كلياً أو جزئياً، مما يعكس عجز الدولة عن تقديم الدعم.
وأضاف أن لبنان أمام خيارين، إما البحث عن تمويل دولي لإعادة الإعمار، أو الاعتماد على المغتربين. ومع ذلك، فإن أي دعم لن يتحقق من دون انتخاب رئيس للجمهورية وتنفيذ إصلاحات جذرية تعيد بناء الثقة الدولية. هذه الاستحقاقات تشكل فرصة أخيرة لجذب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، وإعادة بناء الاقتصاد.
ومن جانب ثان، قال رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية، إيلي رزق، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إنه مع انتهاء الحرب، تتجه الأنظار اليوم إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقررة في 9 يناير/كانون الثاني 2025، حيث تأمل الدول في انتخاب رئيس جديد يتمتع بمواصفات رجل دولة قادر على إعادة بناء المؤسسات، على ألا يكون محسوباً على الأحزاب المهيمنة حالياً، والهدف الأساسي هو إعادة بناء الثقة في المجتمع الدولي.
وأضاف رزق أن الرئيس المنتخب سيشكل حكومة يكون هدفها الأساسي النهوض بالاقتصاد اللبناني، خصوصاً أن الدول ترى في لبنان دوراً اقتصادياً مهماً يمكن أن يلعبه في المنطقة، بفضل ما يتمتع به من خبرات وقدرات. من هنا، تقع المسؤولية على عاتق المواطن اللبناني لانتخاب سلطات قادرة على وضع سياسات تشجع الاستثمار وتعمل على توسيع حجم الاقتصاد.
وتابع إن المجتمع الدولي بعد الحرب يركز على قدرة الدولة اللبنانية على إحداث التغيير المطلوب في تركيبة النظام السياسي، أما جذب الاستثمارات، فهو عملية بسيطة، خاصة من قبل المغتربين اللبنانيين الذين يملكون قدرات كبيرة لإعادة الاستثمار في البلاد.
وأشار رزق إلى أن لبنان الجديد يعتمد على إعادة إحياء المؤسسات، مثل مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة، مع التركيز على التغيير الجذري وليس الإصلاح المرحلي فقط، بل يجب وضع خطط اقتصادية واجتماعية واضحة، وتحفيز جذب الاستثمارات من خلال شراكة فعالة بين القطاعين العام والخاص لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد.
ومع تزايد التحديات الاقتصادية والسياسية المتفاقمة التي يعيشها لبنان، يبقى الأمل معقوداً على تحقيق تغيير جذري يعيد بناء الدولة ومؤسساتها على أسس قوية، وانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة ذات رؤية إصلاحية شاملة يمثلان خطوة حاسمة لاستعادة ثقة المجتمع الدولي والمغتربين اللبنانيين.
إقرأ المزيد