سورية: سعر الصرف لا يزال غير مستقر وتفاؤل بتعافي اقتصادي قادم
العربي الجديد -

"كل يوم إله ملائكته"... هكذا بات سعر الصرف للعملة السورية مقابل الدولار. ففي الصباح تجده بسعر معين، لا يلبث أن يتغير مساءً، وحالة تذبذب يشهدها حالياً تمنع استقرار أسعار السلع بالسوق، ولحظات حيرة على أوجه البعض تدفعهم إلى استشارة الخبراء في الاقتصاد عما يفعلونه بما لديهم من مدخرات بالدولار، ليبدأ الخبراء بالتكهن حول مصير الدولار.

وينقسم المحللون إلى فريقين، الأول يعتبر انخفاض الدولار وهمياً، محذراً من التعامل به والثاني يعده حالة طبيعية، فيحض كل ما يمتلك دولاراً على التعامل به وضخه في السوق، للمساهمة  بالإسراع في التعافي الاقتصادي واستقرار سعر الصرف.

أحد الخبراء الاقتصاديين، جورج خزام، كان موفقاً باستشاراته لبعض التجار، حين نصحهم ببيع بضاعتهم والاستفادة من سعرها بتحويله الى دولار، فكل شيء في رأيه، سواء الليرة السورية أو الدولار، في المرحلة الحالية أفضل من البضاعة التي باتت تكلفتها أرخص من قبل، بعد إصدار العديد من القرارات أولها إلغاء منصة الاستيراد والجمارك والأمن والمشلحين.

ويقول خزام : تلقيت العديد من الاتصالات التي تشكرني وتثني على نصيحتي ورأيي في درء الخسارة بعد ارتفاع سعر الدولار. وعند سؤاله عن تكهنه حول سعر الدولار، وما إذا كان في انخفاض أم الى ارتفاع، لم يستطع التنبؤ، فهنالك حالة تخبط شديد في سعر الدولار حالياً والسعر الذي يتم تحديده قد يكون وهمياً،  فهل من المعقول أن ينخفض سعر الصرف خلال أقل من أسبوع من 45 ألف ليرة إلى 15 ألفاً.

وأضاف: جميع الأرقام التي تحددها نشرة أسعار المصرف المركزي وهمية، فعلى أي أساس تم تعيينه بقيمة  12,500 و 15,000، فالمركزي لا يستطيع تحديد سعر الصرف ما دام لا يوجد لديه منصة لبيع الدولار وشرائه، ومكاتب حوالات في كل المحافظات.

وأشار خزام إلى أن جميع الأرقام المحددة لسعر الدولار حالياً هي مجرد أرقام افتراضية، يتم رفعها في بعض المحافظات وتخفيضها في أخرى بهدف الربح فقط .

سعر الصرف... تخبط وعدم استقرار

لكن المحلل الاقتصادي عاد وأكد أنه من الممكن أن يكون سعر الدولار الحالي حقيقياً وليس وهمياً، وذلك في حال واحدة فقط وهي أن يقوم المصرف المركزي بتثبيت سعر صرف الدولار في البيع والشراء ويكون لديه إمكانية لتلبية كل طلبات البيع والشراء الوافدة إليه، وإلا فهذا السعر وهمي، ومن الممكن أن يرتفع خلال ساعات.

ورأى خزام أنه لا يوجد لدينا معطيات ثابتة حالياً لنستطيع التنبؤ بأي قرار، فهنالك حالة تخبط في سعر الصرف، ناهيك عن عدم وجود ثقافة التعامل مع الدولار. فالشعب السوري غير معتاد على التداول به على الإطلاق، إضافة إلى عدم قيام المركزي بدوره الكامل للاعتماد عليه في الشراء والبيع، حيث يفترض أن يحدد سعر الصرف في السوق، لكنه ومنذ 30 عاماً أصبح يقوم باللحاق بركب السوق السوداء، لعدم توفر الإمكانيات لديه، فانحصرت وظيفته بشراء الدولار بأقل من قيمته من الحوالات، وبيعه إلى المستوردين.

وأكد حزام وجود مخاطر لشراء الدولار والذهب بالفترة الحالية، ففي لحظة يمكن أن يحدث شيء مخالف أو غير متوقع، ومع ذلك طمأن حزام المواطنين بتحسن الوضع الاقتصادي وتعافيه مستقبلاً.

وأثنى حزام على القرارات الأخيرة التي أصدرها المصرف المركزي، والتي تفضي بإلغاء منصة تمويل المستوردات التي اعتبرها منهكة للتاجر والمستهلك السوري، إضافة إلى قرار إنهاء تعهد القطع وإعادة نصف قيمة المصدر للمركزي وصرفه بالسعر الرسمي، الذي كان عبئاً على المصدرين وأدى إلى تراجع الصادرات، وخسارة الأسواق العالمية. وقال: "كان من المفترض أن يتم إلغاؤها منذ فترة طويلة".

وعلى الطرف الآخر، اعتبر مديرعام هيئة الإشراف على التأمين سامر العش هبوط الدولار أمراً طبيعياً، ونفى وجود مؤامرة أو خدعة تدبرها شركات تحويل الأموال، كما يتم التداول والتحذير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتخويف المواطنين من تصريف الدولار وتحويله الى ليرة. وأشار إلى أن سبب هبوط الدولار كان وجود عوامل، منها أن الانتصارات السياسية والعسكرية قد تحدث أثراً نفسياً مؤقتاً في الأسواق يؤدي إلى تحسن قيمة العملة المحلية، كون سعر الدولار، مثله مثل أي سلعة، مرهون بكمية العرض والطلب.

وأضاف: هنالك أمر مهم للغاية لم ينتبه له الكثيرون، وهو وجود مليارات الدولارات المخزنة في بيوت المواطنين ممن نسبتهم بين 5 الى 10%، والمتمثلين بأصحاب بعض المهن والتجار، فهؤلاء  قاموا بتصريف الدولار بعد سقوط النظام لعدم امتلاكهم سيولة بالليرة السورية. وقال العش إن أغلب السوريين أصبح لديهم اطمئنان بشراء الدولار وتصريفه، بعد أن اتجهوا إلى الاحتفاظ به على مدار سنوات عدة.

وأشار العش  إلى أن المشكلة الحالية لا تتمثل بقيمة الدولار وإنما بالمحافظة على استقرار سعر الصرف، فانخفاضه طبيعي نتيجة وجود العوامل التي ذكرناها، ولكن السؤال هل لديه الركائز ليستقر عليها؟ وتساءل: "إلى متى سيصمد سعر الدولار ويبقى منخفضاً، مشيراً إلى أن "الانخفاض المستدام يجب أن يستند على تخفيض الاستيراد وتحريك عجلة الاقتصاد وزيادة الصادرات، وهذا ليس متاحاً في الوقت الحالي، ولكن كلما بدأت العملية الاقتصادية بشكل أسرع انخفض سعر الدولار أكثر، وهبطت معه الأسعار الأخرى أيضاً".

ودعا العش المواطنين إلى عدم اكتناز الدولار، "فمن يقوم بدعم الليرة حالياً هم المواطنون الذين يملكون الدولارات، ومن المفترض أن يثبتوا وقوفهم إلى جانب بلدهم في هذه الأوقات الصعبة التي تفرض مشاركتهم وتلبيتهم، وهذا من شأنه أن يحقق توازناً نوعاً ما في السوق، ويجنبنا مشكلة التضخم"، وفقاً لقوله.

وأخيراً استبعد العش وجود أيادٍ خفية منظمة تلعب بسعر الدولار في السوق قائلاً: "يمكن أن يكون لدى بعض شركات الصرافة نيّات بالتربح في هذه الأوقات، ولكن ليس الأمر منظماً كما يصوره البعض، فهذا يحتاج إلى ضخ مبالغ مالية هائلة في السوق.



إقرأ المزيد