العربي الجديد - 12/21/2024 11:11:47 AM - GMT (+3 )
موظف يعدّ الليرة في بنك تجاري في دمشق يوم 16 ديسمبر 2024 (لؤي بشارة/فرانس برس)
يأتي ملف الديون الخارجية لنظام بشار الأسد المخلوع ليكشف حجم الخراب الذي تركه النظام السابق، وقد يتحول إلى ورقة في أيدي الدول الدائنة للضغط على السلطة الجديدة.
وبدأت تبعات "التركة الثقيلة" التي خلفها النظام المخلوع، تظهر تباعاً على سورية والسوريين، فبعد المقابر الجماعية التي تضم عشرات آلاف رفات السوريين والسجون المخفية وحجم الخراب الذي طاول جميع القطاعات الاقتصادية والخدمية، يأتي ملف الديون الخارجية ليكشف حجم الخراب الذي تركه النظام السابق، وقد يتحول إلى ورقة في أيدي الدول الدائنة للضغط على السلطة الجديدة.
وكانت وزارة الخارجية الإيرانية قد قالت الثلاثاء الماضي، إن ديون طهران لدى نظام الأسد ستدفعها الحكومة السورية الجديدة، مضيفة عبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحافي، أن الديون الإيرانية التي كانت مترتبة على نظام الأسد، سيتحملها النظام السياسي الجديد في سورية، وفقًا لاتفاقيات ومعاهدات تستند إلى مبدأ "خلافة الدول" وهو مبدأ معتمد في القانون الدولي.
وأكد أن "الحديث عن وجود ديون لإيران على سورية بحوالي 50 مليار دولار، أرقامه مبالغ فيها حقا"، دون أن يفصح عن حجم الديون الحقيقي.
في هذا السياق، يحذر الاقتصادي السوري، محمد حاج بكري، من ضغط الدول الدائنة لنظام بشار الأسد المخلوع، على الحكومة الانتقالية، لاسترداد الديون التي مول بشار الأسد عبرها الحرب على السوريين، معتبراً أن إيران وروسيا هما أكبر الدائنين للنظام المخلوع.
وفي حين يقدر الاقتصادي السوري حجم تلك الديون بأكثر من 100 مليار دولار، يقول لـ"العربي الجديد" إن على حكومة محمد البشير أن تستبق الأحداث وتطعن بتلك الديون "عبر القضاء الدولي" على أنها "ديون كريهة" تمت استدانتها لاستخدام بعضها بقمع الشعب والبعض الآخر لأغراض شخصية لها علاقة بثراء الأسد وأسرته، كما رأينا خلال سرقته الأموال وهروبه إلى موسكو، لافتاً إلى أن روسيا بدأت تلمّح لبقائها في ميناء طرطوس وشرعية اتفاقاتها النفطية مع النظام المخلوع، وإيران أكبر الدائنين، بدأت التلويح بهذا الملف ومطالبة الحكومة الانتقالية بتسديدها.
ويتساءل الاقتصادي السوري من مدينة اللاذقية الساحلية غربي سورية، عبر اتصال مع "العربي الجديد" عن المشاريع الاقتصادية أو الخدمية التي تمت أو استفاد منها السوريون، جراء الديون الإيرانية أو الروسية، مضيفاً أن تلك الديون لم تنعكس على الاقتصاد والبنية التحتية، بل تجلت بأسلحة وبراميل متفجرة قتلت الشعب وهدمت سورية إلى أن بلغت تكاليف إعادة الإعمار نحو 400 مليار دولار، في حين قالت دراسات إنها تصل إلى 600 مليار.
الاقتصادي والمفتش المالي السابق، إبراهيم محمد يقول لـ"العربي الجديد" إن "معظم ديون نظام الأسد المخلوع، ديون كريهة، ولكن يمكن لبعض الدائنين أن يقدم وثائق عن استخدام بعض تلك الديون لأغراض خدمية واقتصادية وإنسانية، فمثلاُ: أتوقع أن تستخدم إيران بيع النفط وبعض المواد الاستهلاكية وفق خطوط الائتمان، كذريعة بالمطالبة والتأكيد أمام المحاكم الدولية أن الديون لم تكن لأغراض خاصة أو لإيذاء الشعب، ووفق ما يتم تداوله كانت إيران تصدر ما حجمه 60 ألف برميل نفط بسعر تشجيعي نحو 50 دولارا للبرميل".
ويضيف محمد لـ"العربي الجديد" أنه لا توجد، حتى اليوم، أرقام أو إحصاءات دقيقة عن ديون النظام السابق الخارجية، ولكن على الأرجح أن الدائنين سيبدؤون بكشف أنفسهم ويطالبون باسترجاع الديون. وقال: "لا أستبعد ديون من دول عربية، ولكن تلك الدول، مثل الإمارات أو روسيا أو بيلاروسيا أو حتى الجزائر، لديها أموال وعقارات ومشاريع لنظام الأسد أو رجالاته، فمثلاً الإمارات استقطبت معظم استثمارات الأسد وكذلك روسيا.
كانت سورية منذ عام 2005، قد أنهت ملف الديون لروسيا منذ زمن الاتحاد السوفييتي، عبر ما سُمي اتفاقية المدفوعات والتي تم بموجبها شطب 73% من تلك الديون، البالغة قيمتها نحو 13.4 مليار دولار، والباقي يسدد على 10 سنوات، وجزء آخر يستثمر في مشروعات داخل سورية أو يسدد من خلال بضائع إلى روسيا.
لكن تلك الديون، عادت للتراكم بعد حرب بشار على ثورة السوريين وتبديد احتياطي سورية بالمصرف المركزي الذي قدره الاقتصادي علي كنعان، مؤخرا، خلال تصريحات صحافية، بنحو 23 مليار دولار، منها 18 ملياراً بالمصرف المركزي و5 مليارات بالمصرف التجاري الحكومي، لتتراوح تقديرات الديون الخارجية على نظام الأسد، بين 100 و120 مليار دولار، حسب مراقبين.
وفي المقابل قال أستاذ المالية فراس شعبو إن "الديون التي يتم تداولها هائلة وأشك بصحتها، فإن أخذنا بالاعتبار موارد سورية خلال الثورة والاحتياطي الأجنبي الذي تم تبديده وجمعنا معها ما يقال عن 100 مليار دولار، فهذا الرقم "مرعب" والسؤال هل فعلاً تم صرف كل تلك الأموال حتى على القتل والتهديم والتسليح".
ويلفت شعبو لـ"العربي الجديد" إلى أن "المنطق الاقتصادي وربما القانوني" يقول إن الديون تقع على عاتق الدول وليس الأشخاص، وبسقوط الأنظمة لا تسقط أو تشطب الديون، إن لم يتم إثبات كراهية تلك الديون أو أنها منحت للأسد بهدف المقايضة على ثروات سورية.
وحول قانونية تلك الديون ووجوب دفعها، يرى القانوي السوري محروس فؤاد من محافظة إدلب السورية أن الأساس يكمن بكيفية استخدام تلك الأموال، فالأمر برأيه ليس التنكر لتلك الديون وقول الحكومة الانتقالية أو الحكومات اللاحقة لن نسدد الديون، لأن الدول الدائنة ستلجأ إلى المحاكم الدولية.
ويضيف فؤاد أن المحاكم ستنظر برفوعات كلا الطرفين، وكيف تم استخدام الديون وبهذه الحالة على الطرف السوري أن يثبت أن تلك الديون، خاصة لروسيا وإيران كريهة ويرفض سدادها أو أداء خدمتها للدول الدائنة، ويوجد نقطة قوة لدى الحكومة السورية "تكون شرعية طبعاً بعد الانتخابات" أن هاتين الدولتين كانتا شريكتين بالحرب مع نظام الأسد البائد، وربما ترفع الحكومات السورية دعاوى "بالمقابل" لتغريم تلك الدول وتحميلها مسؤولية الدمار والقتل.
بدوره، يقول المحامي السوري، عمار محمود يوسف، إن إيران تستند في مطالبتها بديونها المستحقة إلى مجموعة من القوانين، إلى جانب المبادئ العامة للقانون الدولي التي تنظم العلاقات المالية بين الدول، ومن أبرز هذه المبادئ مبدأ استمرارية الدول، الذي يمكن أن يشكل الأساس القانوني لمطالبها.
كما يمكن لإيران أيضاً وفق المحامي يوسف اللجوء إلى المحاكم الدولية وهيئات التحكيم للمطالبة بحقوقها، وقد تلجأ إلى اتخاذ إجراءات مثل تجميد الأصول في وسيلة لضمان استيفاء الديون المستحقة".
وبدأت دول عدة تمارس أشكال ضغوط منها الديون، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة السورية الجديدة والشعب السوري إلى إعادة بناء دولتهم والابتعاد عن تبعات نظام الأسد المخلوع.
وتأتي روسيا وإيران بمقدمة الدول التي تحاول إعاقة سورية الجديدة عبر المطالبة بالديون أو بقاء وجودهم واستثماراتهم التي حصلوها من النظام المخلوع، على أقل تقدير، وهو ما ترفضه الحكومة الانتقالية والشعب السوري.
وحصلت روسيا على عقود عدة ووقعت عديد من الاتفاقات مع نظام الأسد، أهمها بقطاع النفط والفوسفات فضلاً عن استثمار مرفأ طرطوس لمدة 49 سنة قابلة للتجديد، كما حصلت إيران على عقود استثمارية في مختلف القطاعات، كالاتصالات والصحة والتعليم والطاقة والمصارف والبناء والزراعة والثروة الحيوانية والكهرباء.
ووقع النظام السوري مع إيران بين عامي 2011 و2024 نحو 126 اتفاقية في مختلف القطاعات، مثل الطاقة والتجارة والصحة والتعليم والزراعة والصناعة والاتصالات والتمويل وغيرها، وفق مركز "جسور للدراسات".
إقرأ المزيد