الطماطم تقفز بأسعار الوجبات الشعبية في مصر
العربي الجديد -

أبت الطماطم أن تتنازل عن لقبها الذي يطلقه عليها المصريون" المجنونة". ترتفع أسعار الطماطم بجنون منذ أسابيع، بلغت مستوياتها المرتفعة بداية الشهر قبل الماضي، حيث قفزت من خمسة جنيهات بداية أشهر الصيف، لتصل في مطلع الخريف ما بين 40 – 60 جنيهاً للكيلوغرام قبل أن تتراجع قليلا. لم يترك جنون الطماطم طرفاً في دائرة إنتاجها وتسويقها واستهلاكها من دون أن تنقل له ألماً عظيم الأثر.
يشكو المنتجون سوء طالعهم، بعد استثمار أموال طائلة في تجهيز الأراضي، التي تجري وفقا لأنظمة حديثة للري والزراعة، مع تكلفة تأجير الأراضي، والعمالة الماهرة والمبيدات والأسمدة، أملا في تحقيق إنتاج بمتوسط 40 طناً للفدان الواحد، يحقق بحده الأدنى 500 ألف جنيه، فإذا بهم يفقدون 50% من الإنتاج، بفعل عوامل جوية مفاجئة (الدولار = 48.5 جنيهاً).
دفعت خسائر المزارعين إلى تحميل ما أنفقوه على ما تبقى لديهم من محصول، فارتفعت الأسعار لقلة المعروض وزيادة الطلب المحلي، مع إقبال كبير من جانب كبار المصدرين للحاصلات الزراعية على توجيه نسبة إنتاج كبيرة للأسواق العربية، حيث تباع بمتوسط 1.25 دولار للكيلوغرام الواحد، في كلّ من السعودية وليبيا.
 

الوجبات الشعبية

حرم الغلاء المصريين من الطماطم التي تدخل في وجباتهم اليومية وخاصة الشعبية، كالبامية والباذنجان والملوخية والمحشي، حيث تعتبر عماد الأكلات التقليدية، غير المشمولة باللحوم أو الأسماك، وتدخل عنصرا رئيسيا في صناعة طبق السلطة الخضراء الذي حرم منه الطبقات الفقيرة وأصبح قاصرا على شرائح الطبقة الوسطى بسبب الارتفاع الكبير بأسعار الخضروات ومكونات السلطة من بقدونس وخيار، بمعدل أربعة أضعاف أسعارها الطبيعة التي سادت حتى منتصف أغسطس الماضي.

تختفي الطماطم في قرى محافظات الصعيد ودلتا النيل، ويندر وجودها بمعظم الأسواق الشعبية مع ارتفاع ثمنها إلى ما يزيد عن 40 جنيها للكيلو، والتالف منها بسعر 30 جنيهاً، مع ارتفاع نسبة الهالك، الأمر الذي يدفع الموزعين إلى تجاهل المتاجرة بها أو الاكتفاء بعرض كميات بسيطة، خشية تعرضها لسرعة التلف، وعدم إقبال المستهلكين على الشراء.
تظهر عروض الطماطم بالمراكز التجارية بالعاصمة القاهرة والمدن الكبرى، على استحياء، بأسعار فلكية تبدأ من 40 إلى 60 جنيهاً لتنافس سعر التفاح المحلي وأفضل أنواع المانغو وتتخطى أسعار بلح زغلول الشهير الطازج. يبرر موزعون بأحد المراكز التجارية الكبرى غرب العاصمة غلاء الطماطم بأنه يحصل على المنتج من المزارع المغطاة، ذات النوعية الجيدة الموجهة للتصدير، مع المخاطرة بزيادة معدلات التالف الموجود بكلّ شحنة، التي تتغاضى المراكز التجارية عن ارتفاع نسبتها، مقابل توفير السلع للجمهور.

شح المعروض

يشير موزع خضروات بمنطقة الدقي غربي العاصمة، محمد الفيومي، إلى أن الحصول على قفص من الطماطم من سوق الجملة يكاد يكون مستحيلا، لعدم وصول كميات من المزارع تكفي لكبار التجار والموردين للمراكز التجارية والأسواق الكبرى، مبينا لجوء بعض التجار إلى شراء المحصول من المزارع، مع تحمل تبعة النقل ونسبة التالف الكبيرة، مقابل ضمان تدبيرها للزبون. يعتبر الفيومي الطماطم سلعة رئيسية لكل موزعي الخضروات والفاكهة، بما يضطره إلى توفيرها بأي سعر ولو حقق خسائر بها، مقابل ضمان تسويق باقي الخضروات.

تبدي سيدة ستينية دهشتها من عرض الطماطم في السوق الشعبي، بسعر 40 جنيهاً، وتشكو لـ"العربي الجديد" عدم وجود البدائل الأمر الذي يصعب على الأسر توفير أبسط الأطعمة لأولادهم، في ظل غلاء كبير بكل السلع الأساسية، التي تشمل اللحوم والبيض والأجبان، والتي صعدت خلال الأسبوعين الماضيين.

في قرية طحا المرج بمحافظة الشرقية (شمال)، اختفت الطماطم تماما من الأسواق بها والقرى المحيطة، ومن يحتاج إليها يحتاج إلى السفر للمركز الإداري للقرية" ديرب نجم أو مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية شرق دلتا النيل، على مسافة 15 كيلو مترا. حٌرمت أغلب القرى من الطماطم المزروعة بها، حيث يتجه المحصول المتبقي لديها إلى الأسواق الكبرى، رغبة من المنتجين في تحقيق عوائد أفضل، تمكنهم من مواجهة الخسائر الناتجة من سوء الأحوال الجوية وارتفاع تكاليف الإنتاج والتشغيل.
تتوقع وزارة الزراعة انتهاء جنون الطماطم، فور وصول بشائر حصاد عروة الخريف، التي تنتج بأراضي النوبارية غرب دلتا النيل والمناطق الصحراوية المعتدلة، خلال شهر يوليو/ تموز ويبدأ جنيها منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
رغم تسيير وزارة التموين حملات للرقابة على الأسواق، لا تملك الحكومة سلطة للسيطرة على جنون الطماطم، مع تعميم سياسة حرية التسعير، وفقا للعرض والطلب، إذ اختفت قبضة الدولة، بعد بيع شركات صناعة المواد الغذائية للقطاع الخاص، المتخصصة في إنتاج "صلصة الطماطم"، البديل الوحيد الذي يحد من فورة الطلب اليومي على الطماطم.
يصل إجمالي المساحات المزروعة بالطماطم إلى نحو 150 ألف فدان، وفقاً لتقديرات الزراعة، بينما يوضح نقيب الفلاحين حسين أبو صدام أن المساحات تزيد عن تقديرات وزارة الزراعة بنحو 100 ألف فدان. يشير أبو صدام إلى تعرض عروة الخريف البينية بين الإنتاج الصيفي والشتوي، لهبوب رياح ساخنة وارتفاع درجات حرارة أعلى من المتوسطات السنوية، بالإضافة إلى هطول أمطار غير متوقعة في بداية موسم الزراعة، أغرقت مساحات واسعة من الأراضي، بما أدى إلى تراجع كميات الإنتاج المتوقعة، بنسب تتراوح ما بين 25 و50%. يبين أبو صدام أن موسم الزراعة الحالي شهد تذبذبا في إنتاج الكهرباء وانقطاعها عن الآبار الزراعية في بداية الموسم، بالتوازي مع تراجع كميات إنتاج الأسمدة بشركات الأسمدة والبتروكيماويات بسبب نقص الغاز الطبيعي، فظهرت أزمة الأسمدة وصعود أسعارها بنسب مضاعفة، بالسوق السوداء.



إقرأ المزيد