سكاي نيوز عربية - 9/16/2025 7:23:31 AM - GMT (+3 )

كما توجه البيان برسالة مباشرة إلى "الشركاء الاستراتيجيين في المنطقة"، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، بضرورة أن يكون لهم دور أكثر فعالية في التعامل مع السلوك الإسرائيلي.
هذا الموقف الجماعي الذي أتى في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، فتح الباب أمام سلسلة من التساؤلات بشأن مدى جدية العرب والمسلمين في الانتقال من الشجب إلى الفعل، وكيف سيتعامل نتنياهو وحكومته مع موجة من العزلة السياسية التي يُراد فرضها.
صمت إسرائيلي ورسائل متقاطعة
بحسب محرر الشؤون الإسرائيلية لـ"سكاي نيوز عربية" نضال كناعنة خلال حديثه إلى برنامج " التاسعة "، فإن اللافت حتى الآن هو غياب أي رد فعل رسمي من الحكومة الإسرائيلية تجاه ما خرجت به قمة الدوحة.
هذا الصمت، الذي قد يبدو ظاهرياً تجاهلاً، فسره كناعنة بأنه في ذاته "رد"، إذ اختار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الرد بشكل غير مباشر خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأميركي.
في ذلك المؤتمر، دافع نتنياهو عن خطوته وأكد أنها رسالة موجهة مباشرة للقمة المنعقدة في الدوحة، بل ذهب أبعد من ذلك بالقول إن العزلة الدولية ليست مصدر قلق، بل ستكون السمة المقبلة لإسرائيل، داعياً دولته إلى "التجهز لمرحلة من العزلة". بهذا المعنى، فإن نتنياهو لم يُظهر أي تراجع أو مراجعة، بل حاول تحويل التحدي إلى خيار استراتيجي.
لكن ما كشفته القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، ونقله الصحفي براك رافيد، أضاف بعداً أكثر تعقيداً.
فوفق هذه المعلومات، أبلغ نتنياهو الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالهجوم على الدوحة قبل 50 دقيقة من تنفيذه. هذه المعطيات تعني أن ترامب كان يملك القدرة على وقف العملية أو على الأقل تحذير قطر، لكنه لم يفعل.
التسريب لا يضع إسرائيل وحدها في دائرة المساءلة، بل يحرج أيضاً البيت الأبيض ويطرح أسئلة حول حدود التواطؤ أو العجز الأميركي.
هنا تبرز مفارقة: ففي العلن يؤكد نتنياهو أن القرار كان "إسرائيلياً بحتاً"، بينما في الكواليس يسعى إلى تقاسم المسؤولية مع واشنطن. هذا التناقض يعكس ارتباكاً في إدارة الرواية، كما يترك انطباعاً بأن إسرائيل تراهن على المظلة الأميركية حتى وهي تواجه تصعيداً في محاولات عزلها.
تضامن عربي إسلامي.. وحدود الفعل
من الدوحة، قدّم أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر أديب زيادة خلال إلى سكاي نيوز عربية قراءة مغايرة ركز فيها على حجم التضامن الكبير مع قطر، لكنه توقف عند الفجوة بين الخطاب والإجراءات.
برأيه، كانت الكلمات في القمة قوية، واستشعر الجميع مستوى عالياً من الخطورة، لكن المخرجات لم تترجم إلى خطوات عملية ترتقي إلى مستوى الحدث.
زيادة ذكّر بأن ما حصل في الدوحة لا يخص قطر وحدها، بل يهدد كل الدول العربية والإسلامية. فمنذ سنوات، اعتادت إسرائيل انتهاك سيادة دول عدة: محاولة اغتيال المبحوح في الإمارات، محاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن، اغتيال أبو جهاد في تونس، والآن الهجوم على الأراضي القطرية. هذه السلسلة من السوابق تعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة تقوم على اختبار حدود الردع العربي.
ومن هنا، يرى زيادة أن السؤال الحقيقي ليس في حجم التضامن، بل في غياب العقوبات أو الردع. فإذا لم تجد إسرائيل من "يؤدبها"، على حد تعبيره، ستواصل انتهاج نفس النهج. الخطورة في نظره أن الشعوب والحكومات العربية والإسلامية عبّرت عن إدراكها للمجازر والانتهاكات، لكن الأفعال لم تصل بعد إلى مستوى التهديد الذي يشكله السلوك الإسرائيلي.
زيادة وضع القمة في إطار أوسع: بعد سنوات من الحروب على غزة والمذابح التي طالت المدنيين، لا تزال إسرائيل تتصرف من دون محاسبة.
من هنا، فإن البيان الختامي وحده لا يكفي. كان يُفترض أن تُقابل الخطابات بخطوات عملية تفرض كلفة حقيقية على تل أبيب.
قراءة عسكرية واستراتيجية
أما الخبير العسكري والاستراتيجي سمير راغب فقد تناول البيان الختامي من زاوية أخرى، معتبراً أن تقييم مخرجات القمة لا يكتمل إلا إذا أُخذت في الاعتبار مداخلات القادة والوفود. فالبنود المتعلقة بالعلاقات مع إسرائيل، مثلاً، تترك القرار للدول نفسها، لأنه مرتبط بسيادتها ومصالحها الاقتصادية والسياسية، بخلاف ما كان سائداً في القمم السابقة.
راغب رأى أن المشهد تغيّر كثيراً مقارنة بقمم تاريخية مثل قمة الخرطوم. فاليوم هناك مصالح واستثمارات وأسواق وأسهم، ما يجعل اتخاذ قرار جماعي شاملاً بقطع العلاقات أمراً غير واقعي. ومع ذلك، أشار إلى أن مجرد طرح فكرة مراجعة العلاقات يشي بتبدل في المزاج السياسي، حتى في الدول التي ترتبط باتفاقيات سلام أو ضمن مسار "إبراهام".
الأبرز في حديث راغب كان تقييمه لكلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، واصفاً إياها بأنها الأقوى منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979. الكلمة عكست بوضوح أن إسرائيل غير جادة في السلام، وأن استمرار سياساتها الحالية يفتح الباب أمام احتمالات الحرب.
راغب أوضح أن مصر اتخذت وستتخذ إجراءات عسكرية وأمنية لحماية أمنها القومي، خصوصاً في ظل العمليات التي طالت غزة. ورغم التزامات مصر بالملحق الأمني لاتفاقية السلام، فإن ما يجري يبرر تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية. الرسالة لم تكن موجهة لإسرائيل وحدها، بل أيضاً لتأكيد أن القاهرة لن تسمح بالمساس باستقرارها، وهي مستعدة لمختلف السيناريوهات.
كما شدّد على أن فكرة "الأمن الجماعي العربي" ربما لا تتحقق بشكل شامل، لكن يمكن أن تُترجم إلى شراكات ثنائية أو متعددة الأطراف، خاصة بين مصر والسعودية والإمارات والأردن. في هذا السياق، تُصبح قطر نموذجاً واضحاً لدولة مهددة تحتاج إلى هذا النمط من الدعم.
في النهاية، أكد راغب أن "قطار السلام لن يتوقف"، لكنه أضاف أن القوة وحدها قادرة على فرض توازن فعلي. فإسرائيل قد تنفتح على آفاق سلام جديدة إذا اقتنعت أن البديل مكلف.
لم تمر قمة الدوحة كغيرها من الاجتماعات الطارئة. البيان الختامي رفع السقف إلى مستوى غير مسبوق، لكن تصريحات الضيوف الثلاثة تكشف أن الطريق ما زال مليئاً بالتحديات.
نضال كناعنة أبرز ارتباك الرواية الإسرائيلية ومحاولة نتنياهو تحميل واشنطن جزءاً من المسؤولية. أديب زيادة ركّز على الفجوة بين الخطاب والفعل، محذراً من أن إسرائيل ستواصل نهجها إذا لم تجد من يردعها. أما سمير راغب فقرأ المخرجات في ضوء التحولات الجيوسياسية، مؤكداً أن مصر تستعد لكل الاحتمالات، وأن القوة تظل الضمانة الأساسية.
بين الخطاب العربي الموحد والصمت الإسرائيلي المقصود، وبين عزلة معلنة واستعدادات عسكرية مضادة، يبدو أن المنطقة تدخل مرحلة جديدة. قمة الدوحة لم تحل الأزمة، لكنها وضعت أسس معادلة واضحة: لا أمن جماعياً من دون قوة، ولا عزلة لإسرائيل ما لم تُترجم الكلمات إلى سياسات.
إقرأ المزيد