تصاعد عمليات الهدم في الضفة الغربية... هجمة شرسة على مسافر يطا
العربي الجديد -

جيش الاحتلال يهدم منشآت في مسافر يطا في الضفة الغربية، مايو 2024 (إميلي غليك/فرانس برس)

في تصعيد يعكس سياسة التهجير القسري، زادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من وتيرة عمليات الهدم التي طاولت مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، على اختلاف تصنيفها بحسب اتفاقية أوسلو "أ، ب، ج"، حيث تركّزت عمليات الهدم في جنين، وطولكرم، والخليل، والقدس. وبحسب مدير عام النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود، خلال حديث مع "العربي الجديد"، فإن سلطات الاحتلال نفّذت 104 عمليات هدم بحق منازل ومنشآت سكنية في مختلف مناطق الضفة منذ مطلع العام الحالي. ويشير داوود إلى أن عمليات الهدم باتت تصنّف على شكل "عمليات عسكرية عدوانية"، كما يجري في مخيمات شمال الضفة، أو "هدم انتقامي" لذوي عائلات منفذي عمليات ضد الاحتلال، أو هدم "تخطيطي" بحجة عدم امتلاك تراخيص، والتي كان آخرها، أمس الاثنين، في مسافر يطا جنوبي الخليل.

وطاولت عمليات الهدم بشكل لافت أمس في مسافر يطا 17 منشأة، ما بين منازل، وغرف سكنية وزراعية، وكهوف مأهولة، في مختلف مناطق المسافر، تحديداً في خلّة الضبع التابعة لقرية التوانة، وقريتي مغاير العبيد وجنبا، وذلك بحجة البناء دون ترخيص أو البناء في مناطق تصنّفها دولة الاحتلال "مناطق إطلاق نار". وكان الاحتلال في ثمانينيات القرن الماضي قد صنّف 12 تجمعاً سكنياً في مسافر يطا على أنها مناطق "إطلاق نار"، أي منطقة عسكرية مغلقة لإجراء التدريبات العسكرية لقوات الاحتلال، ومن أبرز هذه المناطق شعب البطم، وخربة طويل الشيخ، وخربة الفخيت، وخربة بير العد، وخربة عبيد، ومناطق أخرى، تتربع كلّها على مساحة تُقدَّر بـ35 ألف دونم، يعمل الاحتلال على تهجير سكّانها، وتعدادهم أكثر من ألفي مواطن.

ويقول رئيس مجلس قروي التوانة محمد ربعي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن آليات الاحتلال، ودون سابق إنذار، اقتحمت منطقة خلّة الضبع، وهدمت سبعة مساكن وثلاثة كهوف سكنية، بالإضافة إلى شبكات المياه والكهرباء، وجرّفت الأراضي الزراعية المحيطة بالمنازل التي تعود لعائلة الدبابسة، ما أدى إلى تشريد قرابة 50 فرداً من بيوتهم. ويتابع: "قوات الاحتلال لم تمنح السكان أي فرصة لإخلاء منازلهم، فقد كان الهدم شاملاً ومباشراً، حتى إن العائلات لم تتمكن من إخراج ممتلكاتها".

ويشير ربعي إلى أن منطقة تجمّع خلة الضبع كانت قد تلقت أمر إزالة عسكرياً في عام 2022، لافتاً إلى أن الاحتلال صعّد من أساليبه العدوانية بعد فشله في تهجير الأهالي سابقاً عبر وسائل "التهجير الصامت"، مثل الحصار، وإغلاق الطرق ومداخل التجمّع، وقطع الخدمات عن سكّانه، والاعتداءات اليومية، ليصل الآن إلى الهدم المباشر دون سابق إنذار، ما يدفع السكّان إلى الهجرة قسراً.

ورداً على سؤال حول مصير أفراد العائلات التي جرى هدم مساكنها، يقول ربعي: "نعمل اليوم على إيواء العائلات المتضررة في مركز اجتماعي داخل القرية، وذلك لكي نمنع تهجيرهم خارج المنطقة، كما نتواصل مع المنظمات الإنسانية مثل منظمة أوتشا، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، ومؤسسات دولية، لمحاولة تأمين الدعم اللازم، والحيلولة دون دفع الناس مغادرة أرضهم".

ويلفت رئيس مجلس قروي التوانة إلى أن توفير الخيام أو المنازل المتنقلة (الكرفانات) بدلاً من المسكان المهدّمة، ليس حلاً، لأن الاحتلال يعمد إلى هدمها فور تركيبها، مشيراً إلى أن البديل المطروح حالياً هو ترميم وتأهيل الكهوف في خلّة الضبع لتكون مأوى للأهالي، وذلك "يُعتبر ضمن مسؤوليات الجهات المعنية والرسمية"، وفق تعبيره. ويقول ربعي: "نحن لا نريد خياماً، لأننا لا نريد أن نحول المنطقة إلى مخيمات، بل نريد حلولاً تثبّت الأهالي في أرضهم، لأنهم لا يملكون بديلاً آخر".

ويبدي ربعي تخوفه من أن عمليات الهدم اليوم قد لا تكون الأخيرة، إذ لا تزال هناك منشآت سكنية لم يصلها الهدم بعد، وسط مخاوف من استكمال الاحتلال لمخططاته في الأيام المقبلة. ويوضح المتحدث أن قرية التوانة بأكملها لم تُدرج ضمن مناطق إطلاق النار، لكن الاحتلال يستهدف تهجير ثلاثة تجمعات سكانية فيها، وهي الركيز، المفقرة، وخلّة الضبع، كونها من المناطق التي شملها القرار العسكري، مؤكداً أن نجاح تهجير هذه المناطق سيشكل خطراً على قرية التوانة بأكملها. ويشدد ربعي على ضرورة التحرك السريع من الجهات المعنية لترميم الكهوف، وتأمين الاحتياجات الأساسية للعائلات المهجرة، قائلًا: "المطلوب اليوم هو توفير مقومات الصمود على الأرض، فلا يمكن السماح للاحتلال بفرض سياسة الأمر الواقع، وتهجير الناس من بيوتهم بهذه الطريقة".

وفور الانتهاء من عمليات الهدم في خلّة الضبع، توجهت آليات الاحتلال نحو منطقة مغاير العبيد المحاذية لقرية التوانة، حيث هدمت سلاسل حجرية، وجرفت أراضي ومحاصيل زراعية، كما شرعت بهدم غرفتين زراعيتين في المنطقة ذاتها، وفق ما يقوله الناشط ضد الاستيطان وأحد أصحاب المنشآت المهدّمة، أسامة مخامرة. ويشير مخامرة في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن آليات الاحتلال اقتحمت بعد ذلك قرية جنبا، وهدمت منزلين وعدداً من المنشآت الزراعية.

ويوضح مخامرة أن المنزل الأول الذي هدم في جنبا، ومساحته 140 متراً مربعاً، يعود للمواطن إبراهيم أحمد يونس، حيث جرى تدمير ألواح الطاقة الشمسية، واقتلاع الأشجار المثمرة، وتخريب الأشتال المروية في محيط المنزل. أما المنزل الثاني، فيعود للمواطن عيسى أحمد عيسى، ومساحته 100 متر مربع، حيث لم يكتفِ الاحتلال بهدمه، بل أقدم على تخريب مشاتل الأشجار في محيطه بمساحة دونم، واقتلاع الأشجار والسلاسل الحجرية المحيطة بالمساكن.

ووفق مخامرة، فإن الهدف من هذه العمليات هو تنغيص الحياة على السكان، ودفعهم إلى الرحيل القسري، مؤكداً أن بعض المنازل التي تم هدمها قائمة منذ أكثر من 15 عاماً، بينما الكهوف التي استهدفت تعود لمئات السنين، مما يعكس محاولة الاحتلال محو الوجود الفلسطيني في هذه المناطق بشكل كامل. بدوره، يؤكد مدير عام النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود، أن الهيئة تعمل على إعادة ترميم الكهوف في مختلف مناطق مسافر يطا استجابة لمطالب السكّان، ولتعزيز صمودهم، مع توثيق الانتهاكات، والتعامل معها دولياً.

وتبلغ مساحة خلّة الضبع 3000 دونم، يعيش فيها نحو 200 مواطن على مساحة، تُقدّر بـ250 دونماً. أما المساحة المتبقية فهي عبارة عن أراضٍ زراعية أو مناطق عسكرية مغلقة، فيما تحيط المستوطنات بخلّة الضبع من جميع الاتجاهات، ومن أبرزها حافات معون، كرمئيل، افيقال، متسبي يائير، إضافة إلى ثماني بؤر استيطانية جديدة أقيمت بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وجدار الفصل العنصري، وفق ما يقوله ربعي.

وكان أهالي مسافر يطا قد خاضوا معركة قانونية، انتهت في مايو/ أيار الماضي 2022، حيث صدر قرار عن المحكمة الإسرائيلية العليا يجيز لقوات جيش الاحتلال تهجير وطرد أكثر من ألف عائلة فلسطينية من ثماني قرى فلسطينية. ومنذ ذلك الحين، يعمل الاحتلال على دفع سكّان المناطق المذكورة نحو هجرتها وفرض السيطرة الإسرائيلية عليها، وسط تمسّك سكّان المناطق بأرضهم ومنازلهم ورفض الخروج منها.



إقرأ المزيد