إدارة ترامب وسورية: مقاربة مختلفة أم توجس مستمر؟
العربي الجديد -

الشرع وديبرا تايس، والدة الأميركي المفقود بسورية أوستن تايس، دمشق، 19 يناير 2025 (سانا)

تأمل الإدارة السورية الجديدة بمقاربة مختلفة من قبل الولايات المتحدة حيال الملف السوري، تتضمن رفع العقوبات التي فُرضت على سورية إبّان حكم نظام بشار الأسد المخلوع، لمواجهة الأزمات الاقتصادية المستعصية والتي ما زالت تضغط على السوريين منذ سنوات. وأبدت الإدارة الجديدة في دمشق انفتاحاً من أجل التأسيس لعلاقة "تشاركية" مع الولايات المتحدة، تجلى في التهنئة التي وجهها أحمد الشرع، قائد هذه الإدارة التي تولت مقاليد الأمور في البلاد منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، للرئيس الأميركي دونالد ترامب بمناسبة تنصيبه رئيساً، أول من أمس الاثنين. يأتي ذلك وسط ملفات عدة سيكون على إدارة ترامب وسورية معالجتها، من بينها العقوبات و"محاربة الإرهاب" إلى جانب العلاقة مع دول المنطقة.

ونشرت القيادة الجديدة رسالة باللغة الإنكليزية، مساء الاثنين، جاء فيها "باسم قيادة وشعب الجمهورية العربية السورية، أهنئ السيد دونالد ترامب على تنصيبه الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأميركية". وأمِل الشرع في التهنئة بـ"شراكة" بين الولايات المتحدة وسورية "تعكس تطلعات كلا البلدين"، مشيراً إلى أن "العقد الماضي جلب معاناة هائلة لسورية، حيث أدت الحرب إلى تدمير أمتنا وزعزعة استقرار المنطقة، ونحن على ثقة من أنه الزعيم القادر على جلب السلام إلى الشرق الأوسط واستعادة الاستقرار في المنطقة".

مرت العلاقة الأميركية السورية بمنعرجات عدة منذ انطلاق الثورة ضد النظام المخلوع في عام 2011، إذ مارست واشنطن خلال فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما سياسة الضغط على النظام لـ"تغيير سلوكه" من خلال فرض عقوبات اقتصادية في وقت مبكر من عمر الثورة السورية. وشملت العقوبات شخصيات النظام الرئيسية والمؤسسات المرتبطة به، وتجميد كافة الأصول السورية الحكومية. واتُهمت الإدارة الأميركية خلال فترة أوباما باتّباع سياسة "مهادنة" مع النظام، إذ اكتفت في عام 2013 بعقد صفقة مع الجانب الروسي تتضمن تسليم النظام الأسلحة الكيميائية عقب ارتكابه مجزرة بهذه الأسلحة المحرمة دولياً (مجزرة الغوطة بريف دمشق). وصرفت إدارة أوباما جهدها كله على محاربة تنظيم داعش، لذا أقامت العديد من القواعد العسكرية في سورية لهذه الغاية لا تزال موجودة حتى اللحظة.

ترامب وسورية قبل الأسد وبعده

ومع تسلم ولايته الأولى في عام 2017، أولى ترامب الملف السوري اهتماماً أكبر، إذ ضيّق على نظام الأسد أكثر، ولم يتردد في استخدام القوة عندما أمر في ربيع ذلك العام بتوجيه ضربات عسكرية لمطار الشعيرات (شرق محافظة حمص)، الذي انطلقت منه طائرات استخدمت غاز الأعصاب في قصف الشمال الغربي من سورية. وأُقرّ خلال ولاية ترامب الأولى قانون العقوبات الأشهر والأقسى على نظام الأسد والمعروف بـ"قانون قيصر" رداً على مجازر النظام بحق السوريين في المعتقلات، إذ أظهرت صور مسربة بشاعة ما كان يجري فيها. ودخل القانون حيّز التنفيذ الفعلي في منتصف عام 2020، عندما فرضت الإدارة الأميركية عقوبات مشددة على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية أو التقنية لمؤسسات حكومة النظام السوري حينها والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن الحكومة السورية أو روسيا أو إيران. كما فرضت عقوبات على المسؤولين لجهة انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم، ومنهم بشار الأسد، وأبرز أركان حكمه من سياسيين وعسكريين وأمنيين.

وبانتظار أن تتوضح العلاقة بين إدارة ترامب وسورية على المدى المنظور، تأمل الإدارة الجديدة في سورية خلال ولايته الثانية بإلغاء "قانون قيصر" وقرارات العقوبات التي سبقته، خصوصاً بعد انتفاء الأسباب، وهو ما سيساعدها على مواجهة الأزمات الخانقة المتلاحقة التي عانت منها البلاد لسنوات. وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أعلنت في يناير/ كانون الثاني الحالي، أن بعض الأنشطة في سورية ستكون معفية من العقوبات خلال الأشهر الـستة المقبلة، لتسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية. لكن حكومة تسيير الأعمال السورية المؤقتة تريد رفعاً كاملاً لكل العقوبات المفروضة على سورية من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والتي تُثقل كاهن السوريين.

كما تريد الإدارة الجديدة في دمشق من الولايات المتحدة إلغاء قرار تصنيف "هيئة تحرير الشام" التي كان لها الدور الأكبر في إسقاط نظام الأسد من قوائم الإرهاب الأميركية. ومن المتوقع أن تتريّث إدارة ترامب في إسقاط التصنيف، فالأمر مرهون ربما بتحقيق تقدم على صعيد تشكيل حكومة انتقالية من الأطراف السورية كافة. ولم تتضح بعد ملامح السياسة التي ستنتهجها الإدارة الأميركية الجديدة حيال الملف السوري عقب سقوط نظام الأسد، خصوصاً لجهة رفع العقوبات المفروضة وفق "قانون قيصر"، ولجهة الوجود الأميركي العسكري، خصوصاً في شمال شرقي سورية. وكان ترامب قد صرّح بعد سقوط نظام الأسد بأن "سورية ليست معركتنا"، وهو ما يدفع للاعتقاد بأن واشنطن ليست بصدد التدخل بشكل مباشر في تشكيل النظام المقبل في سورية.

أحمد القربي: واشنطن تريد معالجة ملف المقاتلين الأجانب في سورية بشكل يبدد الهواجس الإقليمية

هواجس واشنطن

حول الملفات التي ستحكم العلاقة بين إدارة ترامب وسورية وشكلها، رأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الملف الأمني "هو هاجس واشنطن الأكبر، خصوصاً محاربة تنظيم داعش في سورية"، مضيفاً أن "واشنطن تريد معالجة ملف المقاتلين الأجانب في سورية بشكل يبدد الهواجس الإقليمية". من جهة أخرى، هناك ملفات متعلقة بخرائط السيطرة الميدانية تهم إدارة ترامب وسورية بمختلف مكوناتها على حد سواء. في هذا السياق، أشار القربي إلى أن ملف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من الملفات المهمة، وبرأيه أن "واشنطن تريد مقاربة تضمن حقوق هذه القوات"، لافتاً إلى أنه "ربما يكون هذا الأمر محل خلاف، خصوصاً أن الرؤية الأميركية حيال مصير هذه القوات والإدارة الذاتية غير واضحة".

وباعتقاد القربي، فإن "واشنطن ستركز أيضاً على مسألة الحكومة الانتقالية وتمثيل الأقليات"، مشيراً إلى أن الإدارة الجديدة في سورية "تريد شرعنة وجودها وتسليمها مقعد سورية في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية. والحد من النفوذ الروسي وعدم عودة النفوذ الإيراني إلى سورية مصلحة مشتركة بين واشنطن ودمشق". ورأى أن هناك مصالح مشتركة أخرى بين إدارة ترامب وسورية بإدارتها الجديدة "مثل محاربة تنظيم داعش"، مضيفاً: "أعتقد أن الإدارة الجديدة في دمشق ستبدي تعاوناً في هذا المجال"، مشيراً إلى أن بعض القضايا ربما "تشهد خلافاً". أما عن التسوية المحتملة بين إدارة ترامب وسورية، فرأى القربي أن "إدارة ترامب تريد تسوية تشمل مختلف المكونات السورية، في حين أن الإدارة الجديدة في دمشق ربما تميل أكثر في المرحلة الحالية لحصر السلطة بهيئة تحرير الشام. ربما هذه المسألة ستكون محل تجاذب". وتوقّع أن تكون العلاقة "حذرة" بين إدارة ترامب وسورية خلال الفترة المقبلة، معرباً عن اعتقاده بأنه "لن يكون هناك انفتاح كامل من الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه لن يكون هناك عداء أميركي للإدارة الجديدة في سورية". وقال: "أعتقد أن تخفيف العقوبات الذي جرى خلال إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن جاء نتيجة محافظة هيئة تحرير الشام على مؤسسات الدولة وعدم ارتكاب مجازر".

بسام السليمان: الموقف من إسرائيل يمكن أن يكون محدداً رئيساً في العلاقة مع إدارة ترامب

من جهته، رأى المحلل السياسي بسام السليمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الإدارة الأميركية الجديدة "ستولي الملفات الداخلية اهتماماً أكبر من الملفات الخارجية"، معتبراً أن هذا الأمر "سيفتح باباً للدول الإقليمية مثل تركيا والسعودية لتعزيز وجودها الإقليمي (وهما دولتان منفتحتان على دمشق)". وتوقع "من إدارة ترامب أن تعمل على استكمال اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل وإنهاء النزاعات في الشرق الأوسط، ولهذا فإنّ موقف الإدارة السورية الجديدة من إسرائيل وجهوزيتها للدخول في اتفاقات سلام معها يمكن أن يكون محدداً رئيساً في علاقة إدارة الرئيس دونالد ترامب بالإدارة السورية".

ورأى أن هناك محدداً آخر سيحكم العلاقة بين إدارة ترامب وسورية خلال الفترة المقبلة، مرتبط بالمحدد الأول إلى حد بعيد "وهو مدى قابلية وقدرة الإدارة الجديدة في سورية على الانخراط في منظومة الأمن الإقليمي، وإنهاء النزاعات التي تحد من قضايا الهجرة والأمن". وبرأيه، فإن هناك عوامل أخرى يمكن أن تنعكس إيجاباً على العلاقة بين الطرفين "أبرزها الجالية السورية الفاعلة في الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أنه "كما يبدو هناك حالة من الرضا من قبل الجالية على الإدارة الجديدة في دمشق، وهو ما سيدفعها للعمل على تحسين علاقتها بإدارة ترامب".



إقرأ المزيد