العربي الجديد - 1/22/2025 2:01:49 AM - GMT (+3 )
خلال تظاهرة في مدينة نيس الفرنسية، يوليو 2014 (فاليري هاش/فرانس برس)
في فرنسا كما في الجزائر، هناك قناعة لدى كل المجتمع السياسي أن العلاقات بين البلدين بلغت مستوى من التوتر غير مسبوق، وأن انعكاسات هذا التوتر في حال استمر على النحو القائم لن تتوقف عند حدود البلدين، ولكنها ستنسحب على مجالات وقضايا تؤثر على بعض المصالح المشتركة، وتعيق بالضرورة كل توجّه نحو إعادة بناء علاقات على قاعدة تبادل المصالح واحترام الاستحقاقات السياسية لكل بلد، خصوصاً مع وجود كتلة ديمغرافية جزائرية كبيرة في فرنسا.
من الواضح أن الجزائر اختارت في خضم المناكفة السياسية مع فرنسا، تصميم موقف سياسي يأخذ بعين الاعتبار الفارق بين فرنسا الدولة واليمين المتطرف، ذلك اليمين الذي يلتقي، ويا للغرابة، في كل مواقفه مع الصهيونية واليمين الإسرائيلي، ويتناسب معها في سياسات التمييز العنصري والإبادة، وهو بذلك يعيد إنتاج موقفه التقليدي منذ رفضه استقلال الجزائر، وتصميمه على فكرة "الجزائر فرنسية" التي يتمثّلها في تعبيراته السياسية، وما زالت تسيطر على أفكار ومواقف رموزه.
مثلما الغرب الذي ليس كله مع الصهيونية، وقد كان ذلك واضحاً خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كذلك فرنسا ليست كلها يمين يتغذى من الفكر المتطرف، وليست كلها بالنفس والنهم الاستعماري ذاته. هناك قطاع واسع من المجتمع السياسي الفرنسي مختلف في تصوراته للعلاقة مع الجزائر، ويتبنى رؤية عقلانية في ضرورة أن تتجاوز المؤسسة الرسمية الفرنسية وبشجاعة مخلفات السياسة السابقة في العلاقة مع الجزائر، وأن تنظر بعين الحقيقة الماثلة إلى الوضع المختلف الذي تقف عليه الجزائر في الوقت الراهن، والمتغيرات الهائلة في ديناميكيات الدولة بشقيها السياسي والعسكري والمجتمع في الجزائر.
حتى في أعقد الظروف وأصعبها بالنسبة للجزائريين، ثورة التحرير (1954-1962)، لم تكن فرنسا واحدة إزاء القضية الجزائرية، لم يقتصر الأمر فحسب على مواقف جريئة لنخب سياسية وثقافية وفرنسية أيّدت استقلال الجزائر، كجان بول سارتر، ودعت إلى وقف الحرب ضد الجزائريين، ولكن كان هناك حتى فعل ثوري لصالح الثورة، مثل "حملة الحقائب" أو ما يعرف "بشبكة جانسون" (أسسها الفيلسوف الفرنسي فرانسيس جانسون)، والتي ضمت فرنسيين وفّروا الأسلحة والدعم اللوجيستي لصالح الثورة.
هذا مثال من التاريخ السياسي يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار في السياق السياسي الراهن، ويمكن أن يقاس عليه بالقدر الذي يسمح للجزائر بالتفاعل إيجابياً مع المكوّن الفرنسي الذي يريد بناء علاقة تقوم على احترام السيادة والمصالح المتبادلة، وتعزيز مواقفه بالطريقة السياسية الواجبة، وبالصورة التي تؤكد أن الجزائر التي توجد في وضع مناسب سياسياً واقتصادياً ومن حيث استقلالية قرارها الداخلي ومواقفها الخارجية، ليست لديها عقدة في التعامل مع "فرنسا المفيدة"، وبما يساعد على عزل اليمين المتطرف في فرنسا. صحيح أن تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون ووزيري الداخلية والخارجية في حكومته تمثل بالنهاية فرنسا الرسمية، لكن فرنسا الدولة ليست هي تلك الأصوات التي سيقفل الزمن قريباً قوسها، هذه فرنسا المريضة بالتاريخ فحسب، لذلك يتعين البحث عن "فرنسا المفيدة"، وهي موجودة بالتأكيد.
إقرأ المزيد