العربي الجديد - 1/21/2025 7:22:26 PM - GMT (+3 )
أثار انتخاب دونالد ترامب رئيساً لدورة ثانية في الولايات المتحدة، تخوفات وتساؤلات عديدة داخل المملكة المتحدة تتعلق بتأثر الاقتصاد والديمقراطية بشكل سلبي. ومع تنصيب ترامب رسمياً يوم أمس، تناولت عددٌ من الصحف والمواقع الإخبارية البريطانية هذه التخوفات والأسئلة وحول مستقبل العلاقة بين لندن وواشنطن خلال السنوات الأربع القادمة.
ويدرك الجالسون في داونينغ ستريت أهمية العلاقة التاريخية التي تجمع بين البلدين، لذلك اقترح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن يزور رئيس الحكومة كير ستارمر واشنطن لإجراء محادثات مع دونالد ترامب في غضون أسابيع. وفي حديثه قبل تنصيب ترامب رئيساً يوم الاثنين، قال لامي إن "قوة" العلاقات بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة تعني أنه "واثق جداً" بأن رئيس الوزراء سيضمن اجتماعاً مبكراً. وقبل التنصيب، أصدر ستارمر بياناً هنأ فيه الرئيس الأميركي القادم، قائلاً إن المملكة المتحدة والولايات المتحدة "ستواصلان البناء على الأسس الثابتة لتحالفنا التاريخي".
لكن بعيداً عن التصريحات الإعلامية والمحاولات الدبلوماسية الحثيثة منذ أشهر من قبل لندن لتأسيس علاقات ودية مع ترامب وفريقه، تظل قضية فرض الولايات المتحدة لتعريفات جمركية جديدة القضية الأكثر قلقاً لحكومة حزب العمّال التي تواجه تحديات اقتصادية عديدة في السنة الأولى للحكومة، التي وعدت المواطنين بازدهار اقتصادي بعد سنوات طويلة من حكم حزب المحافظين.
عدم يقين لمستقبل التعريفات الجمركيةتحاول الحكومة البريطانية التخفيف من هذه القضية على الأقل على مستوى التصريحات، إذ قال الوزير دارين جونز، كبير أمناء الخزانة حول إمكانية فرض ترامب تعريفات جمركية باهظة على المملكة المتحدة "لا أعتقد أننا سنكون في هذا السيناريو". وأضاف في حديث لشبكة سكاي نيوز يوم الأحد "لا ينبغي لنا أن ننظر إلى تنصيب الرئيس المنتخب ترامب باعتباره مخاطرة أو أمرًا سيئًا للمملكة المتحدة. يمكن أن يكون شيئًا إيجابيًّا للغاية مع الكثير من الفرص".
وحتّى هذه اللحظة، لم يُعرف ما هي النسبة التي سيفرضها ترامب من الرسوم الجمركية على المملكة المتحدة. ففي تصريحاته السابقة قال إن ضريبة تراوح بين 10 و25 % على الواردات ستفرض على الدول التي كانت "تستغل الولايات المتحدة لسنوات". وهذا واضح في ما يخص الصين والمكسيك وكندا، ولكن في ما يخص الآخرين لا يزال الأمر أقل وضوحًا.
ويأمل المسؤولون في وايتهول ألا يفرض ترامب ضريبة حدودية شاملة تشمل المُصدّرين البريطانيين، وهو إجراء من شأنه هذا أن يعطل العديد من شركات البلاد، في وقت يكافح فيه الاقتصاد بالفعل لرؤية أي نمو حقيقي. وقالت صحيفة ذا إندبندنت في هذا الشأن إنه من المرجح أن يحتاج الوزراء الآن إلى لعب دور دبلوماسي متوازن، في انتظار معرفة نهج ترامب تجاه المملكة المتحدة والاستعداد للسيناريوهات جميعها. ونظراً إلى تعهد حزب العمال في بيانه الانتخابي "بإعادة ضبط" علاقة البلاد بالاتحاد الأوروبي، فمن المعتقد أن رئيس الوزراء قد يسعى إلى تعويض أي رسوم جمركية أمريكية من خلال السعي إلى إقامة علاقات تجارية أقوى مع الدول عبر القناة.
في المقابل، دعا الحزب الثالث في مجلس العموم، الحكومة إلى المضي قدمًا وتشكيل اتحاد جمركي جديد مع الاتحاد الأوروبي لمنع أي آثار سلبية من رئاسة السيد ترامب. ومع ذلك، تشير التصريحات الأخيرة للوزراء إلى أن الحكومة لا تسعى بأي تحركات يمكن اعتبارها معادية لإدارة ترامب، بل تحاول عوضًا عن ذلك إنقاذ علاقة عمل جيدة.
ومن المجالات الأخرى التي من المرجح أن تتصادم فيها إدارة ترامب وحزب العمال هي الإنفاق الدفاعي، إذ يرى ترامب أن الولايات المتحدة تنفق على الدفاع أكثر من معظم دول حلف شمال الأطلسي، داعيًا إلى هدف جديد يتمثل في 5 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى إلى حد بعيد من الهدف الحالي البالغ 2 % في المملكة المتحدة التي تتعهد حاليًّا برفعه إلى نسبة 2.3 %، مع نية رفعها إلى 2.5 % بحلول هذا العام. ونظراً إلى القيود الاقتصادية الصارمة التي حددتها وزارة الخزانة، فمن غير المرجح أن يرحب المسؤولون البريطانيون بالدعوات إلى زيادة هذا المبلغ.
إيلون ماسك واليمين البريطانيإلى جانب التخوفات الاقتصادية، برزت تخوفات على الديمقراطية البريطانية مع نمو حركات اليمين المتطرف حول العالم، وارتباطها بطرح قضايا مشتركة مثل مسائل اللجوء، والهجرة، والجندر، وغيرها. ويبرز في حالة المملكة المتحدة مؤخرًا، التدخلات التي يسعى لإثارتها الملياردير الأميركي إيلون ماسك.
وحضر اسم ماسك الذي أصبح من الدائرة السياسية الصغيرة لترامب، على الساحة السياسية البريطانية مؤخراً كثيراً؛ بسبب تغريداته في عدة مسائل كان أبرزها استحضار قضية عصابة اعتدت على أطفال جنسياً قبل خمسة عشر عاماً وتصويرها بشكل عرقي ضد المسلمين واتهام رئيس الحكومة بعدم أخذ إجراءات لازمة عندما كان مدعياً عاماً في حينه. تحولت تغريدات ماسك في هذه المسألة إلى شأن سياسي عام لأسابيع بعد أن تبنى توجهاتها نواب في حزب المحافظين وحزب الإصلاح اليميني الذي يشيد به إيلون ماسك، وبزعيمه نايجيل فاراج الذي حضر حفل تنصيب ترامب في واشنطن إلى جانب شخصيات سياسية من حزب المحافظين كرئيس الوزراء السابق بوروس جونسون وليزا تراس.
وكان لافتاً رغم وجود جهود تصالحية بين حكومة حزب العمّال وفريق دونالد ترامب بعد موجة من المشاحنات خلال الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة، إقدام عمدة لندن من حزب العمّال صادق خان، نشر مقال يوم الأحد في صحيفة الأوبزرفر حذر فيه من "الفاشية المتجددة" عشية تنصيب الرئيس الأميركي القادم.
وقال خان في مقاله "لقد أصبحت الدول الأوروبية تحت تأثير الأحزاب القومية المتطرفة المعادية للمؤسسات الديمقراطية والسكان المهاجرين والصحافة القائمة على الحقائق. في ألمانيا، يسير حزب البديل من أجل ألمانيا على الطريق الصحيح لتحقيق اختراق في الانتخابات الفيدرالية الشهر المقبل. وفي فرنسا، يتصدر التجمع الوطني استطلاعات الرأي الرئاسية. وبالطبع، في الولايات المتحدة، عاد دونالد ترامب".
تحذيرات من المستقبلوفي سياق متصل، حذرت إيفي أسبينال، مديرة مركز أبحاث مجموعة السياسة الخارجية البريطانية في حديث لمجلة "بوليتيكو أوروبا"، قائلة: "ترامب لا يمكن توقعه إلى الحد الذي يجعلني أعتقد أن حكومة المملكة المتحدة ستكافح حقاً لإدارة هذه العلاقة والانخراط بشكل بناء". وأشارت إلى إمكانية استخدام لندن ورقة "العائلة المالكة" والقوّة الناعمة التي تمثلها بهدف تكوين علاقات طيبة بين البلدين، إلا أنها ليست مضمونة بشكل تام.
وقالت جينيفر نادل، مديرة مؤسسة "السياسة الرحيمة" في جامعة ستانفورد والمقيمة في المملكة المتحدة، في مقابلة لمجلة Big Issue عن رئاسة ترامب: "إنها علامة تحذير لكل من يؤمن بسيادة القانون والديمقراطية، وهنا في المملكة المتحدة، فإن أعظم تهديد لنا هو الرضا عن الذات". وحذّرت نادال من الأوامر التنفيذية التي سيصدرها كما فعل في بداية ولايته الرئاسية الأولى عام 2016، قائلة: "سيكون ترامب لديه افتقار كامل إلى المساءلة. لا يوجد تدقيق تشريعي. إنه يتجاوز العمليات الديمقراطية، وهذا يعني أنه يقوض الديمقراطية (...) إنه نوع من تصرفات الدكتاتور".
وحتى هذه اللحظة، لم يُحسم من سيكون السفير البريطاني في الولايات المتحدة وسط تقارير تفيد بأن دونالد ترامب قد يذهب إلى حد منع اختيار حزب العمال بيتر ماندلسون لمنصب السفير، وهو ما يعتبر خطوة نادرة ستكون بمثابة عمل عدائي مخيب للآمال للحكومة البريطانية.
إقرأ المزيد