المؤتمر الوطني السوري... تباينات تسبق انعقاده
العربي الجديد -

من الاحتفالات بسقوط الأسد، دمشق، 20 ديسمبر 2024 (عمر حج قدور/فرانس برس)

تعتزم الإدارة السياسية في العاصمة السورية دمشق الدعوة، خلال الأيام المقبلة، إلى عقد المؤتمر الوطني السوري الذي سيضم القوى السياسية داخل البلاد وخارجها، لبلورة رؤية جامعة بشأن المرحلة الانتقالية والحالة الدستورية، في خطوة تترقبها هذه القوى منذ سقوط بشار الأسد في الثامن من الشهر الحالي.

وذكرت مصادر مطلعة في دمشق أن التحضيرات تجري لعقد المؤتمر الوطني السوري مشيرة إلى أن الدعوة ستوجه إلى التجمعات السياسية والمجتمع المدني والكفاءات العلمية والمستقلين، وإلى الفصائل العسكرية لاختيار ممثليها في هذا المؤتمر. من جهته، اكتفى عبيدة الأرناؤوط، المتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسية التابعة لإدارة العمليات العسكرية في سورية، بالقول رداً على سؤال "العربي الجديد" عن المؤتمر المزمع عقده بالقول: "ما زلنا نرتب". وكان عضو إدارة الشؤون السياسية في الإدارة السورية الجديدة محمد الخالد قال، في مقابلة مع "العربي الجديد"، الجمعة، إن الإدارة بصدد "الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع لكل أبناء محافظات سورية، وكل الطوائف الدينية، ومكونات المجتمع السوري"، موضحاً أن "هذا المؤتمر الوطني سينبثق منه مجلس يقوم بعدد من المهام والإجراءات".

حراك لعقد المؤتمر الوطني السوري

ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من الشهر الحالي، والقوى السياسية السورية تتحرك لعقد مؤتمر وطني شامل يخرج برؤية جامعة حول آليات إدارة المرحلة الانتقالية، خصوصاً لجهة تشكيل الحكومة وكتابة دستور جديد للبلاد تجري على أساسه انتخابات، فضلاً عن ملفات أخرى معقّدة تتعلق بالجيش والاقتصاد والمجتمع الذي تركه الأسد وهو يعاني من تصدعات تهدد مستقبل البلاد. وتؤكد الإدارة السياسية على لسان أعضائها أنها ليست بصدد التفرد بالسلطة على الاطلاق، وأنها تريد بلورة رؤية واحدة تتفق عليها كل القوى السياسية، تضع البلاد على طريق نظام حكم ديمقراطي تعددي، لا إقصاء ولا تهميش فيه لأي مكون، ولا طغيان فيه لمكون على آخر. وبددت هذه التأكيدات المتلاحقة مخاوف بعض السوريين من فرض نظام ذي صبغة إسلامية في بلاد تضم أقليات دينية ومذهبية وعرقية. ولم تتضح حتى اللحظة معالم المؤتمر المزمع عقده، خصوصاً لجهة اللجنة التحضيرية التي من المفترض أن تعد أوراق عمل وتدعو الجهات والتيارات إلى حضور المؤتمر الذي يعوّل عليه السوريون في وضع خريطة طريق واضحة للوصول إلى الصيغة المثلى للنظام السياسي المقبل.

وأكدت الكثير من القوى السياسية التي تواصلت معها "العربي الجديد" أنها لم تتلق حتى اللحظة أي دعوة لحضور مؤتمر وطني، مشيرة إلى أن أحداً من الإدارة السياسية الحالية لم يتشاور معها حول شكل ومضمون المؤتمر. وفي هذا الصدد، أكد أحمد العسراوي، القيادي في "هيئة التنسيق الوطنية" التي لطالما نُظر إليها إبان العهد البائد باعتبارها الممثلة لمعارضة الداخل، أن الهيئة لم تتلق أي دعوة ولم يتم التشاور معها بخصوص المؤتمر المزمع عقده. وأشار إلى أن "رؤيتنا السياسية واضحة المعالم"، مضيفاً: نحن مع تجميع القوى السياسية في البلاد. وفي السياق، أكد فراس الخالدي، وهو رئيس "منصة القاهرة"، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المنصة لم تتلق حتى اللحظة أي دعوة لحضور مؤتمر وطني يُعقد في العاصمة دمشق.

أحمد العسراوي: هيئة التنسيق لم تتلق أي دعوة ولم يتم التشاور معها بخصوص المؤتمر المزمع عقده

وتنضوي "هيئة التنسيق الوطنية"، و"منصة القاهرة"، في هيئة التفاوض التي تضم العديد من القوى السياسية، ومنها الائتلاف الوطني السوري الذي يدعو إلى تطبيق القرار الدولي 2254 الذي كان رسم في عام 2015 خريطة حل للقضية السياسية تنهض به هيئة حكم انتقالية "غير طائفية وذات مصداقية"، وفق مضامين هذا القرار، إلا أن الوقائع السياسية الحالية تجاوزت الكثير من هذه المضامين، خصوصاً أن القرار قائم على التفاوض بين النظام والمعارضة.

وأكد المتحدث باسم المجلس الوطني الكردي في سورية، فيصل يوسف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المجلس "يعتقد بأهمية مشاركة كل المكونات السورية في أي حوار وطني يتعلق بمستقبل البلاد وشكل الحكم". وتابع: "الشعب السوري قدّم تضحيات جسيمة خلال المراحل السابقة، وآن الأوان لبناء دولة متعددة القوميات والأديان تكون موضع تقدير المجتمع الدولي، عبر إشعاره بأن أي قرار يصدر عن سورية هو نتاج توافق من كل المكونات السورية بدون إقصاء أو تهميش، مثلما مارسه نظام الاستبداد والطغيان". وأشار إلى أن المجلس "يؤكد على التوافق الوطني والابتعاد عن كل ما يفرّق أبناء الشعب السوري وبث روح التسامح وتطمين ضحايا حكم القمع بأن العدالة الانتقالية ستسود وأن حكم القانون سيكون معمولاً به".

تأسيس لسورية المستقبل

من جهته، رأى سفير سورية السابق في السويد بسام العمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المؤتمر الوطني السوري مفترض به أن يؤسس لسورية المستقبل". وتابع: "لذا يتعين أن يتم انتخاب أعضائه من الشعب السوري ليفوضه ويعطيه الشرعية في رسم المستقبل، وذلك لا يتم إلا بعد أن تتم عملية إحصاء شاملة وتصحيح القيود المدنية بشطب المتوفين وإضافة المواليد غير المسجلين وهم كثر، خصوصاً في المناطق المحررة قبل السابع والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (موعد بدء عملية ردع العدوان التي انتهت بإسقاط النظام)، وإلغاء الجنسية التي منحت للزينبين والفاطميين (عناصر في مليشيات إيرانية ساندت النظام الذي منحهم الجنسية السورية)، وأتباع إيران الآخرين، لتحديد السوريين الذين يحق لهم اختيار أعضاء ذلك المؤتمر".

العمادي: الظروف تغيرت والحصول على شرعية المؤتمر أهم من الإسراع فيه، خصوصاً أن البلاد ما زالت بحاجة لاستقرار الأمن والأمان

وحذر العمادي من الوقوع "في مشكلة اللاشرعية"، إذا لم يتم هذا الأمر، مضيفا: كانت المشكلة الكبرى للمجلس الوطني السوري والائتلاف أنهما شُكلا من دون انتخاب بسبب عدم إمكانية ذلك في تلك الظروف. ورأى أن الظروف الآن تغيرت "والحصول على شرعية المؤتمر أهم من الإسراع فيه، خصوصاً أن البلاد ما زالت بحاجة لاستقرار الأمن والأمان". وتابع: "أما أن يتم اختيار أعضاء المؤتمر الوطني بدون انتخاب حتى لو كانوا ملائكة فلن تكون لهم الشرعية لدى الشعب، ومما عاصرناه وشهدناه ونشهده، فسوف تكون المحاصصة والضغوط الداخلية والخارجية هي العوامل الرئيسية في تحديد أعضاء ذلك المؤتمر، ونتجه بذلك لنكون كالعراق ولبنان كدول تحكمها المحاصصات، وهذه وصفة أكيدة للفشل". ودعا إلى إهمال دعوات "بعض الفئات التي تستعجل عقد المؤتمر للحصول على أجزاء من الكعكة"، معرباً عن اعتقاده أن هذه الفئات "لا قاعدة شعبية لها ولا تأييد لها حتى من الفئة التي يدّعون تمثيلها، فيجب إهمالها لأنها ظواهر صوتية فقط".

ودعا العمادي القيادة الجديدة في دمشق إلى "التأني كثيراً في هذا الأمر (عقد مؤتمر وطني)، لوضع البلد على السكة الصحيحة التي تصل به إلى ما نبتغيه من تقدم وحضارة"، مضيفاً: "دخول بعض المندسّين وطالبي السلطة وأصحاب المصالح سيؤدي في المستقبل إلى ما يشبه الماضي". وبيّن أن للمؤتمر الوطني أهمية، خصوصاً لجهة "إنهاء المطالبات التي انفجرت بعد التحرير التي تطالب بتنفيذ القرار 2254 بعد أن أهملوه لـ14 عاماً، وكأن التحرير لم يحدث وكأن العصابة الأسدية ما زالت مسيطرة"، مضيفاً: "المؤتمر سيثبت ما يريده الشعب، ولن يكون للمطالبين بتنفيذ القرار المذكور الحق في مخالفة ما يريده الشعب، ومن ضمنه بند مشاركة الأقليات في مستقبل سورية".



إقرأ المزيد