الصهيونية الممنوع لمسها غربياً
العربي الجديد -

من الدمار في جباليا، 20 نوفمبر 2024 (عمر القطاع/فرانس برس)

قد يظن من يحمون الفصل العنصري (أبرتهايد) الصهيوني، بالتسليح والدبلوماسية المستهترة بالقيم الإنسانية، أن ازدواجية معاييرهم ونفاقهم غير مكشوفة أمام الشعوب. هكذا ظنّ بعضهم أيضاً في ذروة دولة الأبرتهايد السابقة في جنوب أفريقيا. الوقائع وسرعة الوصول إلى حقيقة الفرز الغربي للضحايا، بناء على العرق والدين، لا تساهم في جعل الغرق الأميركي وبعض الأوروبي في وحل ازدواجية المعايير أقل انكشافاً. وما نشهده اليوم من مستويات جرائم الحرب والإبادة الجماعية بهدف التطهير العرقي، بذخائر وفيتو غربي أميركي، تقدم أمثلة حيّة لحتمية اصطدام النفاق بفواجع لا يمكن التهرب من المسؤولية المستقبلية عنها.

نعم قد يظن البعض أن الإنجيليين الصهاينة في أميركا سيندفعون أكثر تحت جناح دونالد ترامب، لكن ما تراكم طيلة العام الماضي لم يعد من الممكن التعمية عليه. كل شيء بات مكشوفاً وصادماً، حيث سادت البكائيات على "المخطوفين في غزة"، باعتبارهم أعلى قيمة من عشرات آلاف الضحايا والمعتقلين في فلسطين ولبنان، بما يضع أحادية المعايير والقيم والمبادئ العالمية أمام مرآة دامية بتورطها في دعم الأيديولوجيات المسمومة لاحتلال فلسطين بناء على أوهام التاريخ والدين.

في بعض أوروبا وفي أميركا، يجري تسويق شعار أحمق عن "حق الدفاع عن النفس" لكيان احتلالي يرى حدوده حيث يصل حذاء جنوده، حيث يجهد ساسة التملق والنفاق في الدفاع عن الصهيونية. حدث ذلك أيضاً مع أبرتهايد جنوب أفريقيا. ما يفضح مساعيهم، بعد الجهود الضخمة من الصهيوني جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ليس فقط الجرائم بحد ذاتها، بل نفاق التسامح والسكوت على تصريحات وممارسات كهانيي "الذبح للعرب"، وضرورة إفناء الشعب الفلسطيني، كما يردد ويمارس إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وبقية رهط الفاشية بزعامة بنيامين نتنياهو.

ليس العرب من يقارنون اليوم بين ذلك التسامح والتملق للصهيونية في ملاحقة من ينتقدها، بل الغربيون أنفسهم. فليتصور المرء ما ستكون عليه مواقف الغرب لو أن سياسياً عربياً دعا إلى "تطهير فلسطين من اليهود" و"تجويعهم ومعاملتهم كحيوانات بشرية ليرحلوا طوعاً". تخيلوا القول إن "لا فرق بين يهودي وصهيوني"، ويجب "تطبيق الحل النهائي بحقهم"، أو هتافا هستيريا جماعيا مقابل هتاف "الموت للعرب".

أمام أعين الجار الأوروبي، تظهر نيات وممارسة الإبادة من قبل الصهيونية الدينية "الديمقراطية والمسالمة". وأصبحت بمساندة غربية تسعى، بهوس استهداف مساجد وكنائس فلسطين ولبنان، والاستهزاء بمعتقدات الشعوب، إلى تحويل الصراع إلى حرب دينية "بين النور والظلام"، كما ردد المعاتيه المسكوت عنهم.

ليس بعيداً عن التجند في الدفاع عن جرائم الصهيونية، يسود في بعض أنحاء أوروبا، وبالطبع في واشنطن، بعض ذعر وهلع عدم إنصات تل أبيب لنصائح عدم التصريح عن النيات في التطهير العرقي، وضرورة ضبط انفلات الإرهاب اليهودي الاستيطاني في الضفة الغربية. ولأن القصة من أولها إلى آخرها لا تحيد عن ثقافة صهيونية تقوم على اعتبار الآخر مجرد "حيوانات بشرية"، فإن فاشية الأبرتهايد تساهم بنفسها في وصولها إلى ذروة المنحنى، فيخشى غربيون كثيرون بدء انحداراتها الحتمية. على كل، ليس وهماً ولا خداعاً للذات، أن من عايش تفاصيل انهيار الأبرتهايد في جنوب أفريقيا سابقاً، بات اليوم على قناعة بأن كل محاولات تكميم الأفواه لمنع حتى انتقاد الصهيونية، تحت شعار "محاربة معاداة السامية"، المثير لسخرية يهود أوروبيين وأميركيين، ستصبح جزءا من معركة معقدة لأجل تأجيل التعرية التامة لهذه الأيديولوجية الصهيونية السامة، وخصوصاً حين تلتقي بدينية موغلة في تطرف وقتل وحرق وتدمير باسم "الوعد الإلهي".
 



إقرأ المزيد