العربي الجديد - 5/16/2024 2:16:19 AM - GMT (+3 )
أمير ثامر الوحيد الذي لا يزال يُعد القهوة على الفحم في تونس (العربي الجديد)
يُعدّ أمير ثامر منذ سنوات القهوة على الفحم بطريقة تقليدية في تونس إذ لا يزال كثيرون يفضلون مذاق القهوة العربية على تلك العصرية، رغم انتشار آلات تحضيرها وإعدادها.
قبل أن تفتح المحلات التجارية أبوابها، وتدب أي حركة في سوق العين القديمة بمدينة تبرسق في محافظة باجة، يسبق أمير محمد ثامر الجميع إلى مقهاه الصغير منذ شروق الشمس، ويبدأ في تحضير كل ما يلزم لإعداد القهوة العربية بالطريقة التقليدية القديمة على موقد الفحم، وهو الوحيد في تونس الذي لا يزال يعمل بهذه الطريقة التي تجعل مذاق القهوة أكثر تميّزاً.
يوقد الفحم في وعاء كبير، ويجهّز كل ما يلزمه لإعداد القهوة العربية التي تملأ رائحتها المكان مباشرة، وكل الأماكن المحاذية لمقهاه الصغير. ويسمع العابرون طقطقة ملعقته الصغيرة على وعاء تجهيز القهوة، ونغمات الأغاني التونسية والشرقية.
بالشاشية والزي التونسي التقليدي والفرملة والبلغة والسروال التونسي، وبابتسامته المعتادة، يستقبل أمير رواد مقهاه منذ ساعات الصباح الأولى، خاصة التجار وأصحاب المحلات الذين اعتادوا أن يشربوا القهوة عنده.
يُخبر أمير "العربي الجديد" أنّه تعلّم إعداد القهوة من أفراد في عائلته كانوا يعملون في المقاهي، ثم حافظ على نفس الطريقة التي كانت تستخدم قديماً في إعداد القهوة على الفحم. وهو الوحيد في تونس الذي لا يزال يعد القهوة على الفحم بدلاً من الغاز. ويقول: "تجهّز القهوة على الفحم على مهل ما يكسبها مذاقاً خاصاً يختلف عن تلك التي تعد على الغاز".
وفي ركن صغير ذي مساحة ضيّقة أمام مقهى أمير، يختار الرفاق وبعض المارة الالتقاء منذ ساعات الصباح الأولى، ويشربون القهوة ويتحدثون، وهم يسمعون دندنات الألحان والأغاني التونسية والشرقية التي تملأ المكان وتشكل ميزة إضافية للطابع التقليدي القديم للمقهى.
كل شيء في مقهى أمير بسيط، من طاولات ومقاعد وحتى الفناجين التي يُقدم فيها قهوته بعد إعدادها بعناية لزواره، فالقهوة العربية تحظى بمكانة مميزة لدى التونسيين، وهي رفيقة المجالس الصباحية، ومؤنسة الأمسيات الليلية في العديد من مقاهي المدن العتيقة، ولا تزال تتصدر مجالس الضيافة في المناسبات كتعبير عن حسن الكرم والضيافة.
في الماضي كانت تجهّز القهوة على مواقد بدائية تتضمن حفرة في الأرض وبعض الحطب، وتُطهى في أوانٍ من فخار، وبعدها باتت تعد على ما يسميه التونسيون موقد "الكانون"، وهو وعاء فخاري يوضع فيه الفحم لطهو القهوة أو الشاي. وكانت النساء يشترين حبوب البن ويحمصنها في البيت بدلاً من شراء تلك الجاهزة.
وللقهوة العربية في تونس طقوس ومذاقات مختلفة عن تلك الموجودة في الشرق، فهي تُطحن وتُخلط ببعض قشر الليمون أو الحمص وقليل من الشعير أو حتى نواة التمر لإضفاء مذاقات مختلفة. وتُطهى في ركوات (دلال) نحاسية أو فخارية أو فضية تسمى "ززوة" في تونس، ولا تقدم سوى في فناجين قديمة أنيقة. ويجب سكب القهوة للضيوف في وضع الوقوف مع الإمساك بالطبق في اليد اليسرى لسكب القهوة في الفنجان قبل تقديمه باليد اليمنى. وعند صب القهوة في الفنجان تعطر ببعض قطرات ماء الزهر، وتقدم في طبق من نحاس أو فضة.
ورغم انتشار المقاهي العصرية، تتمسك العديد من المقاهي خاصة تلك التي توجد في المدن العتيقة بإعداد القهوة العربية التي يُفضلها كثيرون. وتقدم هذه القهوة بطريقة خاصة ومختلفة عن تلك العصرية، إذ تُسكب في فناجين خاصة توضع في أطباق فضية أو نحاسية، ومعها إبريق صغير يحتوي على ماء الزهر من أجل إضافته إلى القهوة بحسب الاختيار.
ويقول أمير إنه يستعمل "الززوة" المصنوعة من نحاس، وإنه يحافظ على واحدة يفوق عمرها 30 سنة، رغم أنه اشترى أخرى جديدة، لأن مذاق القهوة في تلك القديمة مختلف بسبب حجمها وسماكتها. ويقول ضاحكاً: "ربما يستغرب البعض كلامي، لكنني أميّز هذا الأمر استناداً إلى خبرتي في إعداد القهوة منذ سنوات".
يضيف: "أبحث عن أجود أنواع القهوة العربية التي تختلف عن القهوة البرازيلية التي تعتمد في إعداد القهوة العصرية اليوم. وأطحن القهوة بنفسي، وأخلطها بأشياء أخرى مثل اللوز أو الحمص أو قشور الليمون المجففة بعد طحنها لإضفاء نكهات ومذاقات مختلفة. وهذه طريقة قديمة خاصة بالتونسيين، لذا يختلف مذاق القهوة لديهم عن القهوة في بلاد الشرق، حيث تستخدم في الأساس حبوب الهال أو جوزة الطيب لإضفاء نكهة على القهوة. ولا ننسى أيضاً أن التونسيين يتميزون بإضافة قطرات من ماء الزهر بعد سكب القهوة في الفناجين".
ويسأل أمير لدى تقديمه القهوة كل شخص عن نوع القهوة التي يريدها ومذاقها وكمية السكر فيها، ويُشير إلى أنّ "كمية البن يجب أن تتناسب مع كمية الماء، وأن النار لا يجب أن تكون قوية كي تُطهى القهوة على مهل، مع إضافة بعض الماء في كل مرة من أجل الحصول على المذاق المطلوب".
ويعمل أمير بمفرده من دون أن يستعين بنادل، علماً أنّه لا يقدم في مقهاه أي مشروبات أخرى سوى القهوة العربية. وهو يتنقل طوال اليوم حاملاً طبق القهوة بين أزقة المدينة العتيقة لتوزيع الطلبات على التجار وأصحاب المحلات والعاملين فيها. وقد اعتاد الجميع منذ سنوات على مذاق قهوته في السوق العتيقة.
ويُستدعى أمير دائماً للمشاركة في مهرجانات وتظاهرات ثقافية في مناطق عدة، خصوصاً تلك التي تقام في الشوارع والساحات العامة وسط المدن. ويقدم لزوار المهرجانات قهوته الشهيرة في كل تونس، وليس في مدينة تبرسق فقط.
واليوم يواجه أمير، على غرار باقي أصحاب المقاهي، مشكلة إيجاد القهوة بعدما تراجعت نسبة توريد كميات منها، ما يضطره إلى التنقل إلى مدن عدة للبحث عن حبات القهوة الخام ذات المذاقات الجيدة.
إقرأ المزيد