وعدالله إيليّا: الترجمة والشعر من النظرية إلى التطبيق
الزمان -

أحمد الحاج

 نينوى 

تعرف الترجمة على أنها فعل إبداعي يتم بموجبه ترجمة نص من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف وفق إحدى معايير الترجمة، وهي كنتاج فكري تسهم في نقل ثقافة اللغة المصدر إلى ثقافة لغة الهدف لتعطي فرصة جاهزة للمتلقي من الإطلاع على تجارب الأمم والشعوب الأخرى والتي لا يفقه لغتها. وهي على عدة انواع: الترجمة الفورية، والتتبعية، والترجمة التحريرية، والعلمية، والصحفية، والأدبية. وقد عرفت الترجمة منذ اقدم العصور ولدى كل الشعوب والجماعات وهي التي ساهمت في تسهيل التعاملات السياسية والتجارية والثقافية والفنية بين تلك الأمم والشعوب.

والترجمة كفعل لغوي يختص بالنص وعلاقاته الرئسية والعمودية وتماسكه النحوي والدلالي وتراكيبه ومفرداته، واللغة بمجملها عبارة عن لعبة شطرنج على حد تعبير دي سوسير، وعلى من يتعامل معها أن يجيد اللعبة بدقة وحرفية، والكلام هنا ينطبق على مستوى اللغة الواحدة، فما بالك بمن يجمع بين لغتين أو أكثر. واذا كانت اللغة بمجملها تشكل مودم الرسالة بين المتكلم والمستقبل عبر شفرة اللغة، فإن الترجمة تعد أعقد بكثير كونها تتعلق بنظامين لغويين منفردين في البنية والدلالة ويقف بينهما ـ بالإضافة إلى ماذكرنا ـ عقل المترجم وثقافته وخزينه اللغوي في كلا اللغتين. لذلك عدَّ منظرو اللغة فعل الترجمة على أنه نتاج لغوي بحت، وحسب منظور جي سي كاتفِد (J. C. Catford) في كتابه الموسوم: “نظرية لغوية للترجمة” ـ صدر عام 1965 ـ والذي يعد المرجع الرئيسي في نظريات الترجمة وقوانينها وقواعدها، بعد أن حدد عدة أساليب وأنظمة للترجمة منها: الترجمة الكلمية، والترجمة الحرفية، والترجمة النحوية، والترجمة الصوتية، والترجمة الصورية، والترجمة الدلالية، والترجمة التواصلية،…إلخ.

ولعل أسهل أنواع الترجمة هي ترجمة المفردة إلى مكافئها لو كانت هذه المفردة محددة بمعنى واحد في لغة المصدر وكذلك ما يكافئها في لغة الهدف، ولكن المشكلة تكمن في كون معظم المفردات إن لم تكن كلها وفي كل لغات العالم تجدها متعددة المعاني وقابلة للإشتقاق والترادف والتعدد والتضاد والإشتراك اللفظي بشقيه الصوتي والكتابي، وهنا يأتي دور المترجم في تحديد المعنى بدقة بالإعتماد على السياق الخطابي للعبارة والجملة والنص، أي بمعنى آخر يتحول المترجم هنا إلى مفسر للمعنى وهذا يتطلب بدوره إلى ثقافة موسوعية في كلتا اللغتين المصدر والهدف.

لذلك أكد العالم اللغوي بيتر نيومارك (Peter Newmark) على أن “الترجمة ليست مجرد استبدال حرفي للكلمات، بل هي عملية نقل المعنى بين اللغات، وقارن الترجمة بـ”النقل” أو “النسخ”، ودعا إلى الالتزام بالمعنى بدلاً من الشكل”، وقد اقترح ثمان أنواع من الترجمة هي الترجمة الكلمية، والترجمة الحرفية، والترجمة الدقيقة، الترجمة الدلالية، الترجمة المعدلة، الترجمة الحرة، ترجمة التعابير الاصطلاحية، والترجمة التواصلية.

وربما ترجمة النص الشعر من أصعب ترجمات النصوص الأدبية، واذا كان كاتفِد قد تكلم عن الترجمة اللغوية بشكل عام ونظرياتها، فإن عالم اللغة يوجين نايدا (Eugene Nida) في كتابه “نحو علم الترجمة” (Toward a Science of Translating) صدر عام (1964) قد حدد معايير الترجمة الأدبية بكل أنواعها، وقال كلمته الشهيرة عن ترجمة الشعر: “على مترجم الشعر أن يكون شاعراً” وكم كان محقاً في كلامه فالشاعر هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يبث الروح في القصيدة ويضبط وزنها وايقاعها، وأصعب اللغات طبعاً هي اللغة العربية، كونها لغة الاعراب والبلاغة والبيان والاشتقاق والتضاد والترادف. وفي سياق الكلام يقول نايدا: “الشعر يجب أن يُترجم شعراً”، وأشار ضمنيًا إلى أن المترجم المثالي للشعر ينبغي أن يمتلك حساسية شعرية ومهارةُ. عُرف نايدا بأعماله في مجال دراسات الترجمة، ولا سيما تطويره لمفهوم التكافؤ الديناميكي أو التكافؤ الوظيفي كمنهج للترجمة، إذ يؤكد هذا المنهج على ضرورة نقل رسالة النص الأصلي إلى اللغة الهدف بطريقة تجعل استجابة المتلقي أقرب ما يمكن إلى استجابة المتلقين الأصليين.
فيما يتعلق بالشعر، استندت رؤية نايدا إلى الاعتقاد بأن ترجمة النصوص الإبداعية والثرية جماليًا تتطلب أكثر من مجرد الكفاءة اللغوية، فالشاعر المترجم يكون أكثر قدرة على استيعاب الفروق الدقيقة الفنية والعاطفية، والإيقاع، والوزن، والصور الشعرية التي تُعرِّف الشعر، بدلًا من التركيز فقط على المعنى الحرفي للكلمات، وهذا يضمن أن القصيدة المترجمة تعمل كقصيدة في اللغة الجديدة، مع الحفاظ على سلامتها الجمالية وتأثيرها على القارئ”.

وهنا ـ والكلام لزاماً ـ يضطر المترجم إلى الابتعاد عن النص المصدر في سبيل مراعات فكر وثقافة المتلقي في لغة الهدف، وهذا ما تعارف عليه بمقولة “المترجمون خونة”، أو كما يقول المثل الايطالي: “المترجم خائن” (Traduttore, traditore)، وطبعاً أكثرهم خيانة هو أفضل المترجمين على الاطلاق، في اشارة إلى أن المترجم الخائن هو أكثر احترافية وأكثر علماً في صياغة نص رصين ومتسق وقابل للفهم في لغة المتلقي (لغة الهدف).

والمترجم وعدالله إيليا بالاضافة إلى إجادته للغتين العربية (الأم) واللغة الفرنسية فهو أيضاً شاعر مجيد يكتب الشعر في اللغتين العربية والفرنسية وهذا ما يمنحه فرصة كبيرة في ترجمة الشعر من وإلى اللغة الفرنسية لغة الثقافة والفن والأدب. لذلك فقد سعى إلى اصدار موسوعة “شعراء العراق في الموصل” (Poètes irakiens à Mossoul) إلى ترجمة قصائد لأكثر من سبعين شاعر من العربية ـ فيها العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر ـ إلى الفرنسية بإسلوب شعري بحيث جاء النص الفرنسي قصيدة تحاكي عقل المتلقي الفرنسي بشعريتها وفنها وبلاغتها. وقد صدرت الموسوعة عن دار ماشكي في الموصل عام 2025، وتقع في 370 صفحة من القطع الكبير مرتبة حسب الحروف الأبجدية لأسماء الشعراء الواردة قصائدهم في الموسوعة، وعمد المؤلف إلى وضع النص العربي ويقابله النص الفرنسي مع صورة الشاعر للتعريف. وقد جهد المترجم في عمله بشكل كبير خاصة في انتقاء الألفاظ والمفردات الفرنسية المكافئة بالاضافة إلى اجراء تقديم وتأخير في أقسام الجملة لتتناغم مع نحو الجملة الفرنسية وتركيبها، كما سعى إلى تناغم الوزن والقافية في شعر العمود والتفعيلة مع نقل الصورة الشعرية بدقة في قصيدة النثر، وتأتي أهمية الموسوعة في كونها سوف تساعد المتلقي الفرانكوفوني من الإطلاع على تجارب شعراء نينوى وتجاربهم واسلوبهم الشعري، وكان الدافع فيها هو رغبة المؤلف في اسداء خدمة لمدينته وزملائه وأصدقاءه فكانت هذه الموسوعة بعد أن أقترحها له الشاعر الدكتور هشام عبدالكريم.

وحسب ما يقول المترجم إيليا فإنه قد ترجم القصائد بشكل مسودة من اللغة العربية إلى الفرنسية مع الاستعانة بقواميس عربي فرنسي وفرنسي فرنسي لترجمة المفردات الصعبة، ثم عمد إلى مراجعة النص الفرنسي بعيداً عن الأصل العربي ليصيغه كقصيدة فرنسية، ثم تأتي مرحلة التنقيح والمراجعة النهائية على يد مختصين باللغة والشعر الفرنسي، وقد ساهم اطلاع المترجم إيليا على قصائد الشعراء الفرنسيين العموديين من ترجمة القصائد العمودية من أمثال شارل بودلير وبول فيليرين وفيكتور هوغو وستيفان ملارميه وآرثر ريمبو.
هذا وقد أضاء الموسوعة الشاعر الكبير عبدالوهاب اسماعيل بكلمته التي سطرها في مقدمة الكتاب عندما قال: “الشعر عالمٌ جميلٌ يستوطن ذاكرة الناس ويعمر حياتهم بالحب ويفعم أحاسيسهم بالجمال، فهو يعبر عن مكنونات أرواحهم ومؤنسات عوالمهم، وانعكاس تلك العوالم على مفردات أيامهم وأحلامهم، وتكاد لا تخلو أمة أو شعب من إيقاعاته وأثره في تجسيد ميادين عوالمها بهذا القدر أو ذاك”.

المؤلف في سطور:

• الإسم الصريح : وعدالله ايليا كرومي هندي.
• الإسم الأدبي: وعدالله ايليا.
• من مواليد ١٩٦٢ بغديدا/ نينوى/ العراق
• بكالوريوس آداب- لغة فرنسية- جامعة الموصل ١٩٨٦ – ١٩٨٧
• شاعر وكاتب وصحفي ومترجم.
• عضو إتحاد الأدباء والكتاب العراقيين.
• عضو جمعية المترجمين العراقيين.
• عضو إتحاد الصحافة العالمي.
• عضو نقابة صحفيي كوردستان.
• رئيس مركز السريان للثقافة والفنون في بغديدا منذ ٢٠٠٦ – ٢٠١٤
• رئيس تحرير مجلة( المثقف السرياني ).
• سكرتير تحرير مجلة (النواطير ).
• مدير تحرير جريدة (صوت بخديدا).
• ورد إسمهُ ضمن (موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين) تأليف الأُستاذ الدكتور عمر الطالب.
• ورد إسمهُ ضمن ( معجم المؤلفين السريان ) تأليف الأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك.
• ورد إسمهُ ضمن (موسوعة شعراء الموصل في العصر الحديث) تأليف الأستاذ ماجد حامد الحسيني.
• ورد إسمهُ ضمن (موسوعة الشعر العراقي الفصيح – الجزء الثالث) من إعداد وتقديم الباحثة المغربية الأُستاذة فاطمة بوهراكة.
• بدأ الكتابة والنشر في نهاية السبعينات ونشر نصوصه الشعرية ومقالاته ودراساته في الصحف والمجلات العراقية والعربية والأجنبية والمواقع الإلكترونية.
• تأثّر بالأدب الفرنسي وبالأخص المدرسة الشعرية الفرنسية الحداثوية .
• لهُ العديد من اللقاءات الإذاعية والمتلفزة في العراق والأردن وفرنسا ولبنان.
• تُرجِمَتْ قصائده ونصوصه الشعرية الى اللغات الفرنسية والإنكليزية والسريانية والكوردية.
• يُجيد اللغات السريانية والفرنسية والإنجليزية بالإضافة غلى لغته الأم العربية.
صدر له:
• قديس في غابة الرماد/ بغداد ١٩٩٠ – مجموعة شعرية بالعربية.
• مرايا المياه/ الموصل ١٩٩٨ – مجموعة شعرية بالعربية
• كتاب أُفُقْ مشترك/ إتحاد الأدباء والكتاب العراقيين- فرع نينوى ١٩٩٩ .
• أناهيد/ الموصل- ٢٠٠٢ – مجموعة شعرية بالعربية
• أصدر عام ٢٠٠٣ شريط صوتي بعنوان (عروس بغديدا) ضمَّ مجموعة من القصائد باللغة السريانية.
• جراحٌ لِسِفْرٍ لم يُكتَبْ / أربيل ٢٠٠٧ – مجموعة شعرية بالعربية.
• لإحمرار ورد الأرض/ أربيل- ٢٠٠٩ – مجموعة شعرية بالسريانية.
• أناشيد البرتقال/ مجموعة شعرية بالعربية صدرت عن دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع- سوريا- دمشق عام ٢٠١٢.
• من الشعر السرياني المعاصر/ كتاب مُترجم من العربية الى الفرنسية صدر عن دار نون للطباعة والنشر -مطبعة نركال – موصل/ عراق ٢٠٢١.
• قطارُ العُمر/ مجموعة شعرية بالعربية صدرت عن منشورات إتحاد الأُدباء والكُتّاب في العراق ٢٠٢١ .
• أبجدية النرجس/ مجموعة شعرية بالعربية جاهزة للطبع .
• لهُ مقالات ودراسات نقدية وانطباعية وحوارات لمجموعة من الشعراء والكتاب والفنانين المسرحيين والتشكيليين.
• ترجم العديد من النصوص الشعرية من الفرنسية الى العربية لشعراء فرنسيين كبار.
• أشرف على دورات تعليم اللغة الفرنسية ولعدّة سنوات
• شارك في عدّة أُمسيات شعرية ومهرجانات ثقافية ومؤتمرات داخل العراق وخارجه.
• فاز بجائزة ناجي نعمان الأدبية لعام ٢٠٢٣.
• فاز بالمسابقة السنوية التي أعلنها قسم الدراسات اللغوية والترجمية في بيت الحكمة/ العراق ليكون ضمن ( ٣٠ ) مُترجم مُتميِّز لعام ٢٠٢٣.
• حظي بالتكريم وحصل على عدد من الجوائز الأدبية والشهادات التقديرية.
• صدرت له موسوعة “شعراء العراق في الموصل”، ترجمة من العربية غلى الفرنسية/ دار ماشكي/ الموصل/ 2025.



إقرأ المزيد