ما بعد إلغاء "قيصر": مسؤوليات سوريا الجديدة
هذا اليوم -
آراءTags: سورياالعراقإيرانأميركادونالد ترمبقانون قيصر

ليس إلغاء "قانون قيصر" في الكونغرس سوى خطوة متقدمة في رهان الرئيس دونالد ترمب على الرئيس أحمد الشرع ودور سوريا في الشرق الأوسط، ولا شيء من دون حسابات، فاعتماد "قيصر" كانت وظيفته محاصرة نظام بشار الأسد والضغط على دوري إيران وروسيا في دعمه، ولو أنه أضر بالشعب السوري بأسرع مما أسهم في اهتراء النظام وتصعيب مهمة طهران وموسكو، وإلغاؤه يحرر سوريا الجديدة من عقوبات قاسية ويربطها بالانتقال من الفلك الشرقي إلى الفلك الغربي، والعودة من الحضن الإيراني للحضن العربي بعدما كادت تنسى أنها "قلب العروبة النابض"، كما وصفها الرئيس جمال عبدالناصر.

الساعة دقت لأن تحقق دمشق ما تطلبه لنفسها وما يطلب منها ولها الأشقاء والأصدقاء سياسياً واقتصادياً وتشريعياً، فما اكتمل في الانفتاح على الخارج لا يزال ناقصاً في الانفتاح على الداخل، وما يضمن الاستثمارات على المدى الطويل وفي المجالات الصناعية والزراعية والتكنولوجية، لا الاستثمارات السريعة على طريقة "اضرب واهرب"، هو تشريع قانوني دقيق وتحديد واضح للنظام الاقتصادي الحر وقيام قضاء مستقل.

والمشكلة لم تكن في "قانون قيصر" وحده بل في الفظائع التي قادت إليه، فلا مجال للكذب أمام الصورة التي تساوي ألف كلمة، بحسب قول صيني، إذ كان من السهل على النظام الادعاء أنه لم يقصف الغوطة الشرقية بالأسلحة الكيماوية، وعلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن يتراجع عن ضربة عسكرية مقررة بالاتفاق مع فرنسا، مع معرفته أن النظام تجاوز "الخط الأحمر" الذي حدده له، وكان من الممكن الهرب من المسؤولية عن الفظائع الوحشية التي صور وقائعها فريد المذهان بأمر من الأجهزة الأمنية التي قتلت آلاف السجناء بدم بارد لو بقيت الصور محجوبة، لكن المذهان المنتسب الى الشرطة العسكرية انشق عن النظام وتمكن من الهرب إلى أميركا مع عائلته، ونشر الصور المروعة التي هزت العالم ودفعت الرئاسة الأميركية والكونغرس إلى إصدار قانون يعاقب المسؤولين وأيضاً كل من يخرق العقوبات المفروضة عليهم، وبات من المستحيل إنكار الوقائع.

التحدي أمام سوريا الجديدة صار أكبر اليوم، فالكونغرس ألغى "قانون قيصر" لكن العدالة الانتقالية لم تصل بعد إلى محاسبة المسؤولين عن قتل الضحايا، ولا يزال أهل الضحايا في انتظار الإنصاف العادل، والرئيس أحمد الشرع، بمساعدة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترمب والرئيس رجب طيب أردوغان وسواهم، نقل سوريا من ملعب أمام المتصارعين خلال 14 عاماً من الحرب إلى ركيزة جيوسياسية في المنطقة، لكن النظام لم يقم بعد بالنقلة الواسعة المطلوبة من حكم "إمارة إدلب" بقوة "هيئة تحرير الشام" ورجالها إلى حكم الجمهورية العربية السورية بمشاركة رجال سوريا ونسائها في المجتمع المتنوع، والسؤال ليس فقط عن الحاجة الى خمسة أعوام لمرحلة انتقالية، بل أيضاً هو "مرحلة انتقالية إلى أين؟ وإلى أي نظام؟ فالجدل قائم حول نظام مركزي شديد أو نظام لا مركزي مع بقاء الدفاع والخارجية في المركز، لكن كلمة "ديمقراطية" لم ترد على لسان أي مسؤول خلال المرحلة الانتقالية، ومن الصعب إيجاد حلول لقضايا "قسد" والساحل الغربي والسويداء ونخبة المدن من خلال حصر السلطة بأهل الثقة من دون أهل الخبرة، والأصعب هو تحكم السلفيّة المتطرفة بالحريات السياسية والاجتماعية.

لكن من الأمور المهمة التي حدثت أمران بارزان، أولهما تسليم سوريا الجديدة بأنها بلد له حدود ودولة على قياس هذه الحدود، وليست مساحة جغرافية بلا حدود في إطار أممية إسلامية، وثانيهما أن سوريا لا تتدخل في شؤون أية دولة ولا تؤذي أية دولة ولا تتعامل مع أطراف وفئات وأحزاب في أية دولة، بعدما كان النظام المنهار يلعب بدول الجوار والأبعد منها، ويؤذي دولاً وأنظمة ويستغل أحزاباً وتيارات في دول أخرى، ولا حاجة إلى التذكير بما فعله بلبنان و"منظمة التحرير الفلسطينية" والأردن، وما قاد إلى الخصومة مع العراق والتحالف مع إيران في حرب على العراق العربي.

ليس صحيحاً أن الأولوية للاقتصاد قبل السياسة، فالسياسة هي التي تدير الاقتصاد، والحريات الاقتصادية من دون حريات سياسية نموذجها الأبرز ما حدث في تشيلي أيام ديكتاتورية الجنرال بنوشيه: كُل واُصمت، تكلم واذهب إلى السجن أو القبر.

صحيح أن إلغاء "قانون قيصر" لم يعد مربوطاً بشروط لازمة، لكن الصحيح أيضاً أن قرار مجلس الأمن الذي أخرج الرئيس أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطاب من لائحة الإرهاب فرض على سوريا الجديدة مجموعة خطوات أهمها المشاركة الشعبية في إدارة البلاد، وشرطُ الازدهار في أي انفتاح اقتصادي هو الخروج من الضيق السياسي، ومن تصرف في سوريا وبها وكأنه "القيصر"، هرب إلى قيصر روسيا.

subtitle: التحدي أمام دمشق صار أكبر اليوم فالكونغرس ألغى القانون لكن العدالة الانتقالية لم تصل بعد إلى محاسبة المسؤولين عن قتل الضحايارفيق خوريpublication date: الثلاثاء, ديسمبر 23, 2025 - 21:15




إقرأ المزيد