الأمم‭ ‬المتحدة‭..‬وداع‭ ‬عراقي‭ ‬يحتمل‭ ‬التفسير
الزمان -

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام

الإحاطة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬بعثة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدةعن‭ ‬العراق‭ ‬لمناسبة‭ ‬انتهاء‭ ‬مهمته‭ ‬ومغادرته‭ ‬البلاد،‭ ‬مليئة‭ ‬بالكلام‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬أساس‭ ‬المشاكل‭ ‬أو‭ ‬الى‭ ‬حفافات‭ ‬حلولها‭.‬

‭ ‬التقارير‭ ‬الإعلامية‭ ‬لوسائل‭ ‬غربية‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬أحوال‭ ‬العراق‭ ‬كانت‭ ‬أدق‭ ‬في‭ ‬توصيف‭ ‬الوضع‭ ‬العام‭ ‬لبلاد،‭ ‬لم‭ ‬تتعافَ‭ ‬بعدُ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لحق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬خلّفتها‭ ‬تجارب‭ ‬محبطة‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭.‬

‭ ‬هذه‭ ‬التعابير‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬توافرت‭ ‬عليها‭ ‬الإحاطة‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬الى‭ ‬مجاملات‭ ‬نهاية‭ ‬الخدمة‭ ‬منها‭ ‬الى‭ ‬مستوى‭ ‬العين‭ ‬الدولية‭ ‬العليا،‭ ‬إذ‭ ‬نراها‭ ‬تلامس‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال‭ ‬الأغلفة‭ ‬الخارجية‭ ‬للأزمات‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬وافرازاتها‭ ‬في‭ ‬الفساد،‭ ‬والمليشيات،‭ ‬والنزوح،‭ ‬والتبعية‭. ‬ولعل‭ ‬الإحاطة‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬المعيار‭ ‬السياسي‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬منجز‭ ‬إقامة‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬العملية‭ ‬السياسة‭ ‬وسلامة‭ ‬البلاد،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬فحص‭ ‬اليات‭ ‬الانتخابات‭ ‬ذاتها‭ ‬بالتفصيل‭ ‬عبر‭ ‬المقاييس‭ ‬الدولية‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬ربط‭ ‬المقاعد‭ ‬الافتراضي‭ ‬بتعداد‭ ‬سكاني‭ ‬“مجيّر”‭ ‬مع‭ ‬حرمان‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭ ‬عراقي‭ ‬بالخارج‭ ‬من‭ ‬التصويت،‭ ‬الى‭ ‬المال‭ ‬السياسي‭ ‬والنفوذ‭ ‬الخارجي‭ ‬الواضح‭ ‬وهما‭ ‬عنصران‭ ‬ينزعان‭ ‬شرعية‭ ‬اية‭ ‬انتخابات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لو‭ ‬صادف‭ ‬حدوثهما،‭ ‬لكنهما‭ ‬منجز‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بحسب‭ ‬يونامي‭ .‬

ليس‭ ‬العراق‭ ‬بلداً‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬بعثة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬سواها‭ ‬من‭ ‬البعثات‭ ‬الدولية‭ ‬فالبلد‭ ‬لم‭ ‬يحل‭ ‬مشكلة‭ ‬كبيرة‭ ‬واحدة‭ ‬مثل‭ ‬توفير‭ ‬الكهرباء،‭ ‬وانما‭ ‬العراق‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬فعلا‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأداء‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬توجيه‭ ‬على‭ ‬وجهة‭ ‬المجاملات‭ ‬أو‭ ‬وجهة‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬الإنجاز‭ ‬أو‭ ‬اية‭ ‬وجهة‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تخص‭ ‬الاعمال‭ ‬الاستثنائية‭ ‬الكبيرة‭ ‬لبعثة‭ ‬دولية‭ ‬حتماً‭.‬

لو‭ ‬كان‭ ‬التفسير‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬انهاء‭ ‬مهمة‭ ‬يونامي‭ ‬صحيحاً،‭ ‬كما‭ ‬قالوا‭ ‬في‭ ‬انه‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬انتفاء‭ ‬الحاجة‭ ‬لاستمرار‭ ‬عمل‭ ‬البعثة‭ ‬كون‭ ‬العراق‭ ‬بلغ‭ ‬المستوى‭ ‬التأهيلي‭ ‬المناسب‭ ‬كدولة،‭ ‬لما‭ ‬وجدنا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ترسل‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬متزامن‭ ‬مبعوثاً‭ ‬شخصياً‭ ‬للرئيس‭ ‬ليكون‭ ‬عينا‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬أوضاع‭ ‬العراق‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انّ‭ ‬السفارة‭ ‬الامريكية‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬جهاز‭ ‬سياسي‭ ‬وأمني‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

لا‭ ‬يوجد‭ ‬جديد‭ ‬يستحق‭ ‬الثناء‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬مهمة‭ ‬يونامي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وأغلب‭ ‬عملها‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬اداري‭ ‬روتيني‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭. ‬قولوا‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬دور‭ ‬البعثة‭ ‬الاممية‭ ‬في‭ ‬تقريب‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬المتباعدة‭ ‬بين‭ ‬مسار‭ ‬بغداد‭ ‬ومسار‭ ‬أربيل‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬الطاقة‭ ‬والأموال‭ ‬والرواتب‭ ‬والعلاقات‭ ‬الخارجية؟‭ ‬وهل‭ ‬استطاعت‭ ‬البعثة‭ ‬الأممية‭ ‬أن‭ ‬تساعد‭ ‬آلاف‭ ‬العوائل‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬مصير‭ ‬أولادهم‭ ‬المغيبين‭ ‬بعد‭ ‬عمليات‭ ‬تحرير‭ ‬ثلث‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2017؟‭ ‬حتى‭ ‬ملف‭ ‬المفقودين‭ ‬الايزيديين‭ ‬الذي‭ ‬خصّه‭ ‬صاحب‭ ‬الإحاطة‭ ‬بفقرة‭ ‬خاصة‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬فيها‭ ‬منجزاً‭ ‬عابراً‭ ‬للسياقات‭ ‬التي‭ ‬تكفلت‭ ‬بها‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع‭ ‬والازمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭.‬

  ‬جولة‭ ‬زيارة‭ ‬رئيس‭ ‬البعثة‭ ‬الوداعية‭ ‬الى‭ ‬شخصيات‭ ‬سياسية،‭ ‬لا‭ ‬تمنح‭ ‬صك‭ ‬براءة‭ ‬بصحة‭ ‬الممارسات‭ ‬السياسية‭ ‬الجارية،‭ ‬كما‭ ‬انها‭ ‬ليست‭ ‬صك‭ ‬شهادة‭ ‬بسلامة‭ ‬نهج‭ ‬البعثة‭ ‬الأممية‭ ‬بالعراق‭.‬

fatihabdulsalam@hotmail.com

رئيس‭ ‬التحرير‭-‬الطبعة‭ ‬الدولية



إقرأ المزيد