هذا اليوم - 12/5/2025 1:04:50 AM - GMT (+3 )
شهد الشارع العراقي لغطا حول تراجع الحكومة عن قرار تصنيف "حزب الله" وجماعة الحوثي إرهابيين (أ ف ب)
ما إن تتصفح موقع صحيفة الوقائع العراقية يظهر العدد (4848) الصادر بتاريخ الـ 17 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وقد جرت إضافته على الموقع في الـ 18 من الشهر ذاته، إذ أثار العدد المنشور اليوم عاصفة من الانتقادات والجدل وبيانات الاستنكار، ولم يعرف لغاية كتابة هذا التقرير هل ما نشر في هذا العدد حقيقي أم أن هناك خطأ ورد أو سهواً، فالعدد (4848) ضم في فقراته قرارات صادرة عن لجنة تجميد أموال الإرهابيين رقم (54) لسنة 2025 ويذكر بالنص "قررت لجنة تجميد أموال الإرهابيين في جلستها الاعتيادية الخامسة المنعقدة بتاريخ 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 تجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة والموارد الاقتصادية للأشخاص والكيانات"، وقد أرفق القرار أسماء شخصيات يتبعها قائمة تضم كيانات منها "حزب الله" والحوثي، وكذلك نشر تعديلاً يتعلق بصفة الرئيس السوري، إذ جرى تغيير تصنيف "رئيس هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني إلى أحمد الشرع، وذلك استناداً إلى قرار صادر عن لجنة عقوبات "داعش" و"القاعدة" في مجلس الأمن الدولي، ليختم القرار المنشور بأن "ينفذ هذا القرار بدءاً من تاريخ إصداره وينشر في الصحيفة الرسمية والموقع الإلكتروني لمكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب".
الفصائل المواليةأثار تصنيف الصحيفة الرسمية الوقائع العراقية "جماعة أنصار الله الحوثيين" في اليمن، و"حزب الله" اللبناني ضمن قوائم الإرهاب، استناداً إلى قرارات لجنة تجميد أموال الإرهابيين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء والمتعلقة بتحديد الكيانات والأفراد المشمولين بإجراءات مكافحة الإرهاب وتمويله، موجة من النقد من قبل أطراف ما يعرف بـ"محور المقاومة"، وبدأت حملات النقد تطاول الحكومة ممثلة في رئيس وزرائها محمد شياع السوداني، إذ انتقد رئيس حركة حقوق حسين مؤنس الحكومة العراقية في منشور له، معتبراً أن خطوة إدراج حزب الله والحوثيين ضمن قوائم الإرهاب تعكس ضعفاً في القرار السياسي. وفي السياق نفسه، وصف رئيس المجلس السياسي لحركة النجباء علي الأسدي القرار بأنه غير ممثل لإرادة الشارع العراقي.
الحكومة ترد
وقبل أن يجري حذف العدد (4848) من صحيفة "الوقائع" من موقعها الرسمي الذي ضم إدراج "حزب الله" اللبناني و"أنصار الله" الحوثيين على قوائم الإرهاب، سارعت الحكومة العراقية وعبر بيان لها بتوضيح الأمر قائلة إن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وجه بإجراء تحقيق عاجل، وتحديد المسؤولية ومحاسبة المقصرين في ما ورد من خطأ في قرار لجنة تجميد أموال الإرهابيين رقم (61) لسنة 2025، الذي نشرته "صحيفة الوقائع" العراقية بالعدد (4848) في الـ 17 من نوفمبر 2025، وأشار البيان إلى أن ما ورد فيه من نصوص عكست مواقف وصفها بـ "غير حقيقية"، منوهاً بأن موافقة الجانب العراقي على تجميد الأموال بناء على طلب الجانب الماليزي اقتصرت على إدراج الكيانات والأفراد المرتبطين بتنظيمي "داعش" و"القاعدة" الإرهابييْن.
وأكدت الحكومة العراقية أن "مواقفها السياسية والإنسانية من العدوان على أهلنا في لبنان أو في فلسطين مبدئية لا تخضع للمزايدات، فضلاً عن كونها تعكس إرادة الشعب العراقي بكل أطيافه المتآخية، إضافة إلى حق الشعوب الشقيقة في التحرر والعيش الكريم على أرضها".
لجنة تجميد الأموالوأعلنت لجنة تجميد أموال الإرهابيين في البنك المركزي أن إدراج أسماء الكيانات التي تضمنت "حزب الله" اللبناني و"الحوثي" في اليمن كانت خطأ بسبب نشر القائمة قبل التنقيح، إذ إن قرار لجنة تجميد أموال الإرهابيين رقم (61) لعام 2025 والمنشور في "صحيفة الوقائع" العراقية في العدد 4848 يتضمن تجميد الأموال والأصول لقائمة من الكيانات والأشخاص المرتبطين بتنظيمي "داعش" و"القاعدة"، بناء على طلب من دولة ماليزيا، واستناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1373) لعام 2001، وقد اقتصرت موافقة الجانب العراقي على إدراج الكيانات والأفراد المرتبطين بـ"داعش" و"القاعدة" حصراً، وأن إدراج أسماء الكيانات الأخرى كان بسبب نشر القائمة قبل التنقيح.
وفي كتاب رسمي من البنك المركزي العراقي موجه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، طالب البنك بحذف الفقرات (18)و (19) التي تضم "حزب الله" والحوثيين الواردة في القائمة، لعدم حصول موافقة اللجنة على تجميد أموال تلك الكيانات، وذكر الكتاب بالنص "على ما يبدو نشر سهواً من قبلكم ضمن الأولويات".
قرار دولةويوضح مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن نزار حيدر أن "القرار الذي نشر في 'الوقائع العراقية' لم يكن خطأ مقصوداً ولا غير مقصود، إنما هو قرار دولة وجاء ضمن قرارات أخرى، منها رفع اسم الرئيس السوري أحمد الشرع من قائمة الإرهاب"، وقال حيدر لـ "اندبندنت عربية" إن "تلك الخطوة ضمن خطوات عدة اتخذها العراق وسيتخذها في المستقبل القريب للدخول في الشرق الأوسط الجديد، وهذا الموضوع أشار إليه رئيس السلطة القضائية فائق زيدان في كلمة له في 'منتدى السلام والتنمية في الشرق الأوسط' الذي عقدته ورعته الجامعة الأميركية في دهوك قبل أسبوعين، إذ قال بصريح العبارة إن هناك شرق أوسط جديداً يتأسس والعراق جزء منه".
ويوضح حيدر أن العراق سيتخذ قرارات إستراتيجية ومهمة جداً تساعده في الاندماج داخل الشرق الأوسط الجديد بقرارات حكومية، مردفاً أن "ما يجري هو بإرادة القوى السياسية وليس في غفلة أو سهو أو من طريق الخطأ، والأمور متسلسلة، فعندما حضر السوداني 'قمة شرم الشيخ' كان عنوان الاجتماع هو السلام مع إسرائيل، والرئيس الأميركي أكد أن الدول التي حضرت الاجتماع دخلت في مشروع السلام الخاص بالشرق الأوسط الجديد، فالعراق يعبد الطريق بنفسه للاندماج في هذا المشروع".
تنفيذ التزامات ماليةويؤكد الباحث في الشأن السياسي فراس الياس أن "الوثائق التي نشرت اليوم لا تعني بالضرورة أن العراق صنف 'الحوثيين' أو 'حزب الله' كمنظمات إرهابية، بل إنها ترتبط إجرائياً ولوجستياً بقرارات تجميد أموال الإرهابيين وفق قوائم دولية منها الأمم المتحدة، وليس وفق قائمة عراقية وطنية خاصة بتصنيف الإرهاب"، مضيفاً أن "العراق هنا لا يصدر حكماً سياسياً بأن هؤلاء إرهابيون، بل ينفذ التزامات مالية دولية تخص تجميد أصول أشخاص أو كيانات وردت ضمن قرارات الأمم المتحدة، ولذلك فالعراق يلتزم قانونياً بحظر أو تجميد أموال أي شخص أو كيان مدرج دولياً، بغض النظر عن موقف العراق السياسي منه".
اقرأ المزيديحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى الياس أن "إدراج الاسم هنا لا يعني أن العراق تبنى تصنيفاً وطنياً يعد 'حزب الله' و'الحوثيين' منظمات إرهابية، بل لأنه يجب عليه أن يقوم بتجميد أصول أية جهة مدرجة دولياً"، موضحاً أنه "تطبيق ميكانيكي لقوائم الأمم المتحدة المتعلقة بتمويل الإرهاب وغسل الأموال والدول ملزمة بتطبيقها فوراً وإلا فستتعرض لعقوبات دولية، فالعراق نفذ التزامات قانونية دولية تتعلق بمنع تمويل الإرهاب ونشر القرارات ضمن 'صحيفة الوقائع' العراقية لأنها ملزمة داخل العراق، فلا يوجد قرار عراقي مستقل بتوصيفهما منظمات إرهابية".
معايير اجتهاديةإلى ذلك يشير الأكاديمي والباحث القانوني أسامة الجعفري إلى أن "لجنة تجميد أموال الإرهابيين تجاوزت حدود سلطتها، لأن ميكانيكية عملها تبدأ أولاً وقبل إصدار قرار تجميد الأموال بتحديد ماهية الجريمة الإرهابية ومن هم الإرهابيون، ومرجعية ذلك هي 'قانون مكافحة الإرهاب العراقي' من دون استحداث معايير اجتهادية من لجنة مكافحة غـسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإن فعلت فإنها تجاوزت حدود اختصاصها القانوني"، مردفاً "قانوننا الوطني هو من يحدد من هم الإرهابيون الذين يجب تجميد أموالهم".
"الوقائع العراقية"وتنشر في "صحيفة الوقائع" العراقية التشريعات والقوانين والأنظمة، ونشر أي قانون أو قرار فيها هو بمنزلة الإعلان الرسمي الذي يُدخل القانون حيز التنفيذ، وبمجرد نشر أي قانون أو قرار في "الوقائع العراقية" فإنه لا يمكن إلغاؤه أو التراجع عنه مباشرة، لكن يمكن تعديله أو إلغاؤه بقانون جديد يصدر بالآلية نفسها، وما أثار الجدل في موقف الحكومة العراقية أنها لم توضح أن هذه الإجراءات مالية وتمثل جزءاً من التزامات العراق الدولية، وليس لها تبعات سياسية من "حزب الله" و"الحوثيين"، بل أصرت أن ما ورد خطأ وحذفت عدد مجلة الوقائع العراقية بالكامل، مما فتح الباب على مصراعيه للشك في أن الحكومة خضعت لضغط الفصائل الموالية لإيران.
إقرأ المزيد


