البابا في لبنان: دعوة للوحدة
الزمان -

بيروت (لبنان) (أ ف ب) – في اليوم الثاني من زيارته الى لبنان، يحمل البابا لاوون الرابع عشر دعوة للوحدة بين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، ورسالة أمل الى شباب ينتظرونه بحماسة، بعدما تضاءل إيمانهم ببلدهم الذي عصفت به الأزمات.

ووصل رأس الكنيسة الكاثوليكية الى بيروت عصر الأحد، آتيا من اسطنبول، في أول رحلة خارجية منذ انتخابه في أيار/مايو، قال إنه أراد من خلالها أن يكون “رسول سلام” الى المنطقة التي مزقتها الانقسامات والنزاعات.

ومنذ ساعات الصباح الأولى، تجمع آلاف اللبنانيين على طول الطريق المؤدي الى بلدة عنايا الجبلية الواقعة على بعد 54 كيلومترا شمال بيروت، حيث يزور البابا ضريح القديس شربل، وفق ما شاهد مراسلو وكالة فرانس برس.

وانتظر كثر صباحا خروج موكبه من مقر إقامته في السفارة البابوية في حريصا، المشرفة على مدينة جونية الساحلية، بينهم ربة المنزل تيريز درعوني (61 عاما) التي قالت لفرانس برس بفرح “كل الناس تذهب الى روما لرؤية البابا، لكنه جاء الينا”.

وأضافت “هذه أكبر بركة وأكبر نعمة وأمل للبنان”.

على بعد أمتار منها، وقفت ياسمين الشدياق أمام منزلها وملامح الفرح على وجهها. وقالت لفرانس برس بينما كان المطر ينهمر بغزارة “فرحون جدا بزيارة قداسة البابا. زيارته ردت البسمة الى وجوهنا”.

واضافت بتأثر “نبتسم جميعنا اليوم بعدما مررنا بصعوبات كثيرة. لكن الحمدلله دائما لدينا أمل ورجاء بالسلام وأمل بأن يبقى لبنان منارة وملتقى للدول”.

أمام الدير في عنايا، صدحت التراتيل عبر مكبرات الصوت. ورفع المؤمنون أعلام لبنان والفاتيكان تحت سماء رمادية وأمطار غزيرة. واتُّخذت تدابير تنظيمية وأمنية صارمة في المكان، على غرار جميع محطات زيارة البابا.

ويشكل ضريح القديس شربل، “قديس لبنان”، كما يسمّيه كثيرون، محجا لمسيحيين ومسلمين. وهي المرة الأولى التي يزور فيها رأس الكرسي الرسولي الدير التابع للرهبانية اللبنانية المارونية.

وتم تأسيس الجزء الأول من الدير الذي يحمل اسم القديس مارون عام 1828، وواصلت الرهبانية تطويره وزيادة أجزاء عليه، لا سيما بعد إعلان قداسة القديس شربل الذي دفن في المكان عام 1898.

– “رجاء وإيمان” –

وقالت أخصائية التجميل جيهان دكاش لفرانس برس من أمام الدير “القديس شربل هو بمثابة أب لي، وأعظم قديس في حياتي”.

وتابعت “زيارة قداسة البابا اليوم تاريخية الى أرض تتوق دائما الى السلام، وهو يحمل لي ولكل اللبنانيين رسالة رجاء وإيمان” رغم كل الصعوبات.

ويعاني لبنان الذي لطالما نُظر إليه على أنه نموذج للتنوع الديني في الشرق الأوسط، منذ عام 2019 من أزمات متلاحقة شملت انهيارا اقتصاديا غير مسبوق وارتفاعا كبيرا في معدلات الفقر وتدهور الخدمات العامة، فضلا عن انفجار مرفأ بيروت في عام 2020 والحرب الأخيرة التي خاضها حزب الله واسرائيل، ولا تزال البلاد تعاني من تبعاتها.

ودفعت تلك الأزمات عددا كبيرا من اللبنانيين، خصوصا الشباب الى الهجرة.

وفي خطاب ألقاه في القصر الرئاسي بعيد وصوله الأحد، حضّ البابا المسؤولين اللبنانيين الأحد على أن يكونوا “في خدمة” شعبهم “الغني بتنوعه”، وأن يعملوا على تحقيق المصالحة التي “تحتاج الى السلطات والمؤسسات التي تعترف بأن الخير العام هو فوق خير الأطراف”، في بلد يقوم نظامه على توازنات سياسية وطائفية هشة.

ودعا اللبنانيين الى التحلي بـ”شجاعة” البقاء في بلدهم، رغم الصعوبات.

وشدد البابا لاوون الرابع عشر الذي يحظى باستقبال رسمي وشعبي استثنائي في بلد أنهكته الأزمات على أن السلام “هو أن نعرف أن نعيش معا في وحدة وشركة متصالحين مع بعضنا البعض”.

وقال الياس ابو نصر شعلان (44 عاما)، وهو اب لطفلين يعمل في مجال المجوهرات لفرانس برس “في وقت نتخبط بمشاكل كثيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية، نحن بحاجة الى الأمل وبحاجة الى أن نتحد كلبنانيين، كما جمع البابا المسؤولين ورؤساء الطوائف عند استقباله”.

– حوار بين الأديان –

بعد ضريح القديس شربل، يلتقي البابا المئات من الأساقفة والكهنة والعاملين في الكنائس في مزار سيدة لبنان في حريصا، على أن يلتقي بعدها البطاركة الكاثوليك في مقر إقامته في السفارة البابوية.

وبعد ظهر الإثنين، يتوجه الحبر الأعظم الى ساحة الشهداء في وسط بيروت، حيث يشارك في لقاء مسكوني وحواري بين الأديان، يشارك فيه ممثلون عن غالبية الطوائف، ويتوقع أن يجدد فيه رسائله المؤيدة للوحدة واحترام التنوع الديني، على غرار ما فعله في تركيا.

وتتعايش في لبنان 18 طائفة، رغم حرب أهلية (1975-1990) أودت بحياة عشرات الآلاف من اللبنانيين، وكانت الى حد بعيد، في بعض مراحلها حربا بين مسلمين ومسيحيين.

ويختتم البابا لاوون الرابع عشر يومه بلقاء حاشد مع الشباب في مقر البطريركية المارونية في بكركي، شمال بيروت، حيث سجّل أكثر من عشرة آلاف شخص تتراوح أعمارهم بين 16 و35 سنة، اسماءهم لحضوره وفق المنظمين. وبين هؤلاء أكثر من 500 شاب وشابة يأتون من الخارج.

ويلقي الحبر الأعظم كلمة على مسامع الشباب، بعد سلسلة عروض وتقديم الهدايا له.

وأعلن لبنان الاثنين والثلاثاء يومي عطلة رسمية بمناسبة الزيارة، وتم اتخاذ تدابير أمنية مشددة، بما في ذلك إغلاق الطرق وحظر تحليق المسيّرات، وإقفال المحال التجارية في وسط المدينة مساء الاثنين، قبل القداس المقرر صباح الثلاثاء.



إقرأ المزيد