"حزب الله" آخر حصون إيران في الإقليم
هذا اليوم -

عناصر من "حزب الله" في تشييع علي الدبس القائد في "قوة الرضوان"، 16 فبراير عام 2024 (أ ف ب)

بعد مرور عام على اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، تعود إيران إلى الساحة اللبنانية لتذكر بأن الهدنة لا تُلزمها، وأن موقع "حزب الله" في استراتيجيتها الإقليمية ثابت لا يتغير، وفي لحظة تصعيد متجدد تفرض طهران شروطها من جديد عبر إبراز أهمية الحزب كذراعها الأمامية، وكأن لبنان مجرد منصة، يستخدم ويضبط إيقاعه، وفق مصالحها أو كلما احتاجت إلى موازنة ميزان القوى مع إسرائيل.

وكان مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي أثار امتعاض وتنديد واستهجان واستنكار الشارع اللبناني، بعد تصريحه أن وجود "حزب الله أكثر ضرورة للبنان من الخبز والماء"، خلال مقابلة مع وكالة "تسنيم" الحكومية.

 

رجل يمشي وسط دمار خلفته غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت، 3 أكتوبر عام 2024 (أ ف ب)

وفي رد مباشر، اتهم وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي، ولايتي، بإهانة السيادة اللبنانية والتدخل في شؤون البلاد، في حين قال النائب أشرف ريفي "الأفضل أن تهتم بالشعب الإيراني المسحوق تحت قبضة استبدادكم بدل إلقاء الدروس على اللبنانيين"، وأضاف "تدخلكم السافر في شؤون لبنان هو أصل كل المآسي التي نعيشها، ومن المعيب أن تعتبروا أنفسكم أوصياء على بلد حر"، بدوره علق النائب نديم الجميل، في منشور على منصة "إكس"، أنه "بوجود 'حزب الله' في لبنان، لن يبقى للبنانيين حتى خبزهم اليومي"، إضافة إلى تعليقات وردود عدة من السياسيين والصحافيين والمتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي.

لبنان يدخل منطقة الصراع المفتوح

وكان ولايتي قد أشار إلى أن "طهران لن تتخلى عن خيار دعم 'حزب الله'"، وشدد على "أن شراسة العدو الإسرائيلي أظهرت للجميع النتائج الكارثية لنزع سلاح المقاومة" بالنسبة إلى لبنان.

بدوره كان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قد حذر من أن لبنان "لن ينعم بالهدوء في حال عدم ضمان أمن إسرائيل"، هنا، يكون لبنان قد دخل رسمياً منطقة الصراع المفتوح بين إيران وإسرائيل، ولم يعد البلد مجرد مساحة توتر أو ساحة رسائل غير مباشرة، بل تحول إلى مسرح صدام معلن يُستخدم فيه اللبنانيون كورقة ضغط في حسابات إقليمية أكبر منهم. كلام ولايتي يضع لبنان تحت الوصاية الأمنية لطهران، فيما كلام كاتس يضعه تحت التهديد العسكري المباشر لتل أبيب، وبين هذين الحدين يتأكد أن قرار الحرب والسلم لم يعد في بيروت، وأن لبنان يتحرك الآن داخل خط الزلزال الإيراني - الإسرائيلي بكل ما يحمله ذلك من أخطار على دولته وشعبه.

 

دمار في شارع معوض في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ ف ب)

إيران تريد تعويض هزائمها المتنقلة عبر الأراضي اللبنانية

لم يعد انهيار نفوذ "محور إيران" في المنطقة مجرد احتمال سياسي، بل تحول إلى مسار يتكرس في العراق وسوريا وحتى داخل إيران نفسها. وكلما اشتد الضغط الدولي على طهران ازداد إصرارها على تحويل لبنان إلى ساحة تعويض عن هزائمها المتنقلة، فلبنان، في منظور القيادة الإيرانية، ليس دولة لها سيادة وحدود، بل الخط الدفاعي الأخير الذي يُدار كملف تفاوضي في البازار المفتوح مع القوى الدولية، كل صاروخ وكل جبهة مشتعلة وكل نقطة دم تتحول إلى ورقة مقايضة على طاولة المساومات الكبرى، ومع تراجع قدرة إيران على المناورة في ساحات أخرى يصبح المجتمع الشيعي في لبنان هو الخزان الوحيد الذي يمكن لطهران أن تستنزفه بلا حدود، لذلك تتصرف إيران اليوم بمنطق واضح، القتال حتى آخر شيعي لبناني إذا لزم الأمر، ما دامت الحرب تُخاض خارج أراضيها، وما دامت الكلفة البشرية والسياسية تُدفع من رصيد لبنان لا من رصيدها، هكذا يُختزل بلد بأكمله، إلى جدار ناري يحمي نظاماً مأزوماً، وتختزل جماعة كاملة إلى درع بشرية تُستنزف لصالح مشروع يتجاوزها.

في السياق، تبدو مأساة لبنان مضاعفة، دولة تنهار، مجتمع يُدفع إلى الجوع والهجرة، وبيئة شيعية تُقاد إلى مواجهة ليست معركتها، فيما إيران تفاوض على مستقبلها كما لو أنهما سلعة قابلة للمقايضة. إنها معادلة ظالمة وضع فيها لبنان، بعمقه وتنوعه وطاقاته، ليكون ساحة الخسارة التي تُعوض خسائر الآخرين، لا دولة تقرر مصيرها بيدها.

وكشفت مصادر صحافية عن تحرك للمرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، مرتبط مباشرة بالوضع اللبناني، وبحسب هذه المصادر، ووفقاً لموقع "جنوبية" بعث السيستاني أخيراً برسالة إلى إيران ركز فيها على حساسية المرحلة التي تمر بها الطائفة الشيعية في لبنان، محذراً من أن الظروف الراهنة باتت "حرجة جداً" وتتطلب حماية عاجلة، وأشارت رسالة السيستاني إلى أنه لا يجوز ترك المجتمع الشيعي اللبناني عرضة لحرب جديدة، لما قد يترتب على أي مواجهة من موجات تهجير إضافية، وتدهور في أمن القرى والبلدات، وتعاظم هشاشة البيئة الاجتماعية التي أنهكتها الحرب طوال الأشهر الماضية.

 

حياة اللبناني اليومية، ولقمة عيشه، وماؤه وكهرباؤه، كلها عناصر قابلة للتضحية إذا تعارضت مع بقاء "الذراع" الإيرانية على المتوسط (أ ف ب)

وتزامن تحرك السيستاني مع زيارة قام بها المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، علي حسن خليل، إلى إيران، حيث شارك في مؤتمر رسمي وأجرى لقاءات مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني ووزير الخارجية عباس عراقجي، وبحسب المعطيات، ودائماً وفقاً لـ"جنوبية"، فإن ما طرحه خليل أمام المسؤولين الإيرانيين جاء متطابقاً مع مضمون رسالة السيستاني، إذ شدد على ضرورة الخروج من النفق المظلم الذي يعيشه شيعة لبنان، في ظل الضغوط المتزايدة والدمار الواسع، وخصوصاً مع استمرار تعذر عودة عدد كبير من العائلات إلى منازلها.

لماذا تتمسك إيران بـ"حزب الله" إلى هذا الحد؟

يأتي تصريح ولايتي بأن وجود "حزب الله" للبنانيين أهم من الخبز والماء، ليس مجرد جملة انفعالية، هو تلخيص فج لعقيدة إيرانية كاملة حول وظيفة الحزب في لبنان، وحول موقع لبنان نفسه في الاستراتيجية الإيرانية. فلماذا تتمسك إيران بـ"حزب الله" إلى هذا الحد؟، ثم كيف ينعكس ذلك على لبنان واللبنانيين في ظل تهديد إسرائيل بحرب موسعة؟

تحمل عبارة "أهم من الخبز والماء" رسائل عدة في آن، وتقدم أولوية السلاح على العقد الاجتماعي، يقول ولايتي عملياً للبناني، إذا اضطررت إلى أن تختار بين لقمتك وبقاء "حزب الله"، فالخيار الصحيح في نظر طهران هو الحزب، أي أن وظيفة الدولة، أي الخبز والماء والخدمات والاقتصاد تصبح ثانوية أمام وظيفة الحزب كما تعرّفه إيران. وتشرعن هذ العبارة "الفقر" بوصفه ضريبة لبقاء الحزب، بمعنى، بربط ولايتي بين الخبز و"حزب الله" يحاول القول إن الأزمة الاقتصادية هي قدر محتوم مقابل الحماية من إسرائيل، وعلى اللبناني أن يتحمل الجوع والعزلة مقابل بقاء "المظلة" العسكرية. ومما لا شك فيه أن تصريح ولايتي "السافر" هو انتقاص من سيادة اللبنانيين، بوصفه مستشار دولة أجنبية يقرر بالنيابة عن اللبنانيين ما هو أهم لهم من أبسط مقومات الحياة. وفي الخلفية، يتجاهل نصف لبنان، وربما أكثر، الذي يعتبر سلاح الحزب سبباً أساساً في العزلة والانهيار لا في الحماية.

رسالة تطمين لبيئة الحزب بعد اغتيال الطبطبائي

في السياق يأتي التصريح بعد اغتيال القيادي البارز في الحزب هيثم الطبطبائي، والغارات الإسرائيلية المتلاحقة والمتنقلة، وفي لحظة نقاش داخلي لبناني حول كلفة بقاء الجبهة مفتوحة. إيران تقول لبيئة الحزب لن نتخلى عنكم، بل بالعكس، وجودكم عندنا أهم من لقمة اللبنانيين أنفسهم.

"حزب الله"، خط الدفاع الأمامي لإيران ضد إسرائيل

في العقيدة الأمنية الإيرانية، الساحة اللبنانية هي الجبهة المتقدمة في مواجهة إسرائيل، بدلاً من أن تكون المواجهة على الأراضي الإيرانية. وكل صاروخ ينطلق من جنوب لبنان يُحتسب في منطق طهران جزءاً من منظومة الردع الإيرانية بأقل كلفة مباشرة عليها. وغني عن القول إن الحزب أنجح نموذج لـ"الوكيل الكامل"، عسكرياً وسياسياً واجتماعياً، فالحزب ليس مجرد ميليشيا، بل تنظيم مسلح ضخم، ولاعب سياسي ممسك بمفاصل السلطة، ويمتلك شبكة خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية ومالية متجذرة في بيئته، ومن منظور "الحرس الثوري" يمثل الحزب المشروع الأكثر نجاحاً لتصدير الثورة خارج إيران منذ الثمانينيات، لذلك فإن مستوى "الاستثمار العاطفي" والسياسي فيه أعلى من أي ذراع أخرى، في العراق وسوريا واليمن.

وظيفة الحزب في منظومة "محور الممانعة"

يشكل الحزب جزءاً من هندسة جغرافية أوسع، تمتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق، وصولاً إلى بيروت وغزة، هذه السلسلة تؤمن خط إمداد لوجستياً وبشرياً، وتطوق إسرائيل من الشمال والجنوب، وتمنح إيران القدرة على إشعال أكثر من جبهة إذا تعرضت لضربة كبيرة، وعلى ما يبدو أن طهران تتخذ احتياطاتها المقبلة، بعد ارتفاع احتمال أن تتعرض لضربة أميركية – إسرائيلية، وعبر إمدادها الحزب وخلال الأعوام الماضية بالصواريخ الدقيقة والمسيرات والوحدات الخاصة، واستثمارها في البنى التحتية والأنفاق التابعة للحزب، وهي بالمناسبة أدوات حرب غير تقليدية، تجعل كلفة أي حرب شاملة على إسرائيل أعلى بكثير مما كانت عليه عام 2006، ومن وجهة نظر إيرانية، أي تطور في ترسانة الحزب هو استثمار مباشر في موازين القوى الإقليمية لصالحها، هنا تأتي أهمية شبكات التمويل التابعة للحزب في الالتفاف على العقوبات الدولية، فالجمعيات والشبكات المرتبطة بالحزب، مثل "القرض الحسن" التي تعمل خارج الرقابة المصرفية التقليدية، توفر قنوات تمويل مرنة في ظل العقوبات الأميركية على إيران و"الحرس الثوري"، وهذا يهم طهران اقتصادياً بقدر ما يهمها عسكرياً، لأن جزءاً من شبكات التهريب واقتصاد الكاش مرتبط بالحزب ومحوره.

البعد الرمزي والعقائدي

تعتبر السلطات الإيرانية أن "حزب الله" هو الدليل الحي على قدرة "ولاية الفقيه" على إنتاج تنظيم مسلح عابر للحدود، يدين بولاء مباشر للمرشد، وليس للدولة اللبنانية، لذلك، تضخم طهران خطاباً أسطورياً حول الحزب، وتجعله مقياساً لـ"الشرعية الثورية" في الداخل الإيراني أيضاً، بخاصة حين تواجه احتجاجات شعبية، مثل تظاهرات عام 2017 التي رفعت شعارات مثل "انسحبوا من سوريا وفكروا بنا"، و"لا للبنان ولا لغزة... نعم لإيران"، و"الموت لـ'حزب الله'".

كيف ينعكس هذا التمسك على لبنان تحت تهديد حرب موسعة؟

كلام ولايتي إعلان صريح بأن قرار الحرب والسلم ليس في بيروت، فعندما يعلن مستشار المرشد أن "حزب الله" ضرورة وجودية للبنان، فهو عملياً يضع سلاح الحزب فوق أي قرار للحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيد الدولة أو التفاوض على ترتيبات أمنية جديدة مع إسرائيل، وهذا ما يقوّض موقع الدولة اللبنانية وسيادتها أمام الخارج، فكيف يمكن لوزير خارجية لبنان أن يقنع شركاءه العرب والغربيين بأنه يفاوض باسم "دولة مستقلة"، بينما مسؤول إيراني يعلن أن هناك ميليشيا على الأراضي اللبنانية أهم من خبز مواطنيه؟

هذا النوع من التصريحات سيستخدم كدليل رسمي على تبعية القرار اللبناني لمحور خارجي، ويبرر رفع سقف الضغوط والعقوبات، وهذا بدوره يغذي المنطق الإسرائيلي للحرب الاستباقية، فإسرائيل تقول منذ أعوام إن "حزب الله" ذراع لـ"الحرس الثوري" على حدودها، وتصريحات من هذا النوع تؤكد سرديتها أمام العالم، وتبرر أي عملية عسكرية بحجة، ردع إيران في لبنان.

لبنان كساحة حرب دائمة الاحتمال

في ظل تهديدات الحكومة الإسرائيلية بحملة أوسع شمالاً، وفي ظل تحويل "حزب الله" إلى "مقدس" لا يُمس، يعني عملياً أن لبنان سيبقى على خط الزلزال العسكري، وكل دورة تصعيد ستنعكس، ضرباً للبنى التحتية، وتراجعاً في السياحة والاستثمار، ومزيداً من الانهيار المالي، وأي مشروع جدي لإصلاح اقتصادي عميق، عبر صندوق النقد، أو إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وضبط المعابر، سيصطدم عند نقطة معينة بـ"فيتو" مرتبط بسلاح الحزب وشبكاته، يقول خطاب ولايتي ضمناً، إذا خُيرنا بين إنقاذ الاقتصاد والحفاظ على سلاح الحزب، فإيران تختار السلاح، وعلى اللبناني أن يتكيف مع الجوع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الشيعة كرهائن جيوسياسيين

وتبعاً للمعطيات السابقة فإن أي حرب موسعة ستقع كوارثها أساساً على مناطق نفوذ الحزب، أي الجنوب والضاحية والبقاع. وحين يقول مسؤول إيراني إن الحزب أهم من الخبز والماء فهو عملياً يعلن استعداد طهران لتحمل دمار هذه المناطق، ما دام الحزب نفسه باقياً وقادراً على إطلاق النار، وهناك حركات شيعية سيادية ناشئة مثل "تحرر" وغيرها، تقول بوضوح إن معظم اللبنانيين، وبينهم شيعة، لا يريدون حرباً جديدة تُفرض عليهم من خارج قرار الدولة. وهنا يضع خطاب ولايتي هذه الأصوات في خانة "الهرطقة السياسية"، بمعنى أنت ضد الحزب إذاً أنت ضد حياة لبنان نفسها، وهذا ما يعمق الانقسام الوطني، إذ تسمع بقية المكونات اللبنانية الرسالة بشكل معاكس، "خبزكم وماؤكم وقود لحربنا"، وهذا يعزز الكراهية الطائفية، ويغذي خياراً مقابلاً متطرفاً، بين مَن يطالب بفك أي شراكة مع الحزب حتى لو كلف ذلك فدرلة، وتقسيم أمر واقع، أو صداماً داخلياً، بمعنى آخر بالنسبة إلى اللبنانيين، الرسالة قاسية وواضحة، أنتم في نظر طهران لستم مواطنين لدولة يجب أن تُحمى، بل سكان منصة عسكرية اسمها لبنان، مهمتها خدمة معركة إقليمية أكبر.

إيران تحتاج إلى "حزب الله" في أقصى جهوزية لفتح جبهة استنزاف طويلة مع إسرائيل، بالتوازي مع أدوات أخرى في غزة، وسوريا، وربما العراق، وحين ترفعه إلى مرتبة "أهم من الخبز والماء"، فهي ترسم سقفاً مسبقاً لأي وساطة دولية، لا تفاوض على جوهر قدرته الصاروخية والتنظيمية، مهما كانت الكلفة على لبنان، وإذا فرضت تسوية على الجبهة الشمالية، فإسرائيل والغرب سيطالبان بترتيبات تقلص خطر الحزب، أي منطقة منزوعة السلاح وإعادة انتشار ومراقبة دولية مشددة ربما، وما إلى هنالك، لكن طهران ستقاتل سياسياً كي تبقى البنية الأساسية والنواة الصلبة للحزب، أي القرار والصواريخ والشبكات خارج أي اتفاق، ولن تقبل إلا بتنازلات شكلية تحت عنوان تطبيق القرار 1701 أو تعزيز الجيش جنوباً.

الحزب كآخر خشبة نجاة إيرانية

في المحصلة، ولايتي لم يخطئ في التعبير، بل قال بصراحة ما كانت إيران تمارسه عملياً منذ أعوام، "حزب الله" بالنسبة إليها أهم من لبنان نفسه، وفي لحظة تهديد بحرب موسعة، هذا يعني أن حياة اللبناني اليومية، ولقمة عيشه، وماءه وكهرباءه، كلها عناصر قابلة للتضحية إذا تعارضت مع بقاء "الذراع" الإيرانية على المتوسط، والتحدي التاريخي اليوم ليس فقط كيف نمنع حرباً جديدة، بل كيف نعيد تعريف الأولويات، أن تصبح الدولة اللبنانية نفسها، بسيادتها واقتصادها وعقدها الاجتماعي، أهم من أي سلاح، وأهم من أي محور، لأنها وحدها القادرة على أن تؤمن للبنانيين ما يحتقره ولايتي في جملته، الخبز، والماء… والكرامة معاً.

وفي لحظة تتراجع فيها أوراق طهران الإقليمية وتتعاظم الضغوط الداخلية على نظامها، يبدو تمسكها بـ"حزب الله" أشبه بالتمسك بآخر خشبة نجاة في بحر يضيق من حولها، فالحزب لم يعد مجرد ذراع خارجية، بل بات الركيزة الأخيرة التي تمنح إيران قدرة الردع، والقدرة على التفاوض، والقدرة على إظهار حضورها في معادلات الشرق الأوسط، لذلك تستشرس اليوم في الدفاع عنه، لأن سقوطه يعني انكشاف المشروع الإيراني كله، من بغداد إلى دمشق، وعودة الصراع إلى عمق إيران نفسها، ومن هنا يصبح لبنان بكل مآسيه وأزماته الثمن الذي تقبل طهران بدفعه بلا تردد، ما دام بقاء الحزب يمنحها الوقت والقدرة على تأجيل لحظة حساب باتت أقرب من أي وقت مضى.







إقرأ المزيد