أسرار‭ ‬الرجل‭ ‬الباسم
الزمان -

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام

الوزير،‭ ‬وجهه‭ ‬مرتاح،‭ ‬وكلامه‭ ‬هادئ‭ ‬سلس‭ ‬للغاية،‭ ‬والابتسامة‭ ‬تفترش‭ ‬محياه،‭ ‬وكلماته‭ ‬الواثقة‭ ‬تتدفق‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬مطمئن،‭ ‬ولا‭ ‬ادري‭ ‬لمَن‭ ‬كان‭ ‬يوجه‭ ‬خطابه،‭ ‬حين‭ ‬سمعنا‭ ‬منه‭ ‬ذلك‭ ‬الخبر‭ ‬الجلل‭ ‬أو‭ ‬العادي‭ ‬جدا،‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الحالين،‭ ‬بأنّ‭ ‬هناك‭ ‬ترليونين‭ ‬ونصف‭ ‬الترليون‭ ‬من‭ ‬الدنانير‭ ‬العراقية‭ ‬تبخرت‭ ‬من‭ ‬خزينة‭ ‬تابعة‭ ‬لوزارته‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬يجهلها‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يشأ‭ ‬أن‭ ‬يخبرنا‭ ‬عنها‭ ‬الآن‭ ‬لزيادة‭ ‬التشويق‭.‬

‭ ‬ولم‭ ‬ينسَ‭ ‬الرجلُ‭ ‬الباسم‭ ‬المرتاح‭ ‬جداً،‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬انّ‭ ‬تلك‭ ‬الأموال‭ ‬ضاعفها‭ ‬هو‭ ‬بجهوده‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬وجوده‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬المنصب‭ ‬ما‭ ‬مقداره‭ ‬ست‭ ‬مرات،‭ ‬لكنه‭ ‬لفت‭ ‬انتباهنا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الى‭ ‬ملاحظة‭ ‬عابرة‭ ‬وبسيطة‭ ‬مفادها‭ ‬أنّ‭ ‬الخزينة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالرعاية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬فارغة‭.‬

‭ ‬هناك‭ ‬كائنات‭ ‬على‭ ‬الكوكب،‭ ‬لا‭ ‬ندري‭ ‬حين‭ ‬تبتسم‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬فرِحة،‭ ‬أم‭ ‬حزينة،‭ ‬أم‭ ‬تنوي‭ ‬الانقضاض‭ ‬على‭ ‬فريسة‭ ‬ضعيفة‭ ‬الحال‭ ‬أم‭ ‬تهم‭ ‬بتقبيلها؟

‭ ‬وحين‭ ‬يخبرنا‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الباسم‭ ‬عن‭ ‬تبخر‭ ‬أموال‭ ‬الخزينة‭ ‬في‭ ‬لمح‭ ‬البصر،‭ ‬نقف‭ ‬حائرين،‭ ‬أ‭ ‬هي‭ ‬خدعة‭ ‬كاميرا‭ ‬خفية؟‭ ‬فنقوم‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬أنفسنا‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬اختباء‭ ‬الكاميرا‭ ‬لكي‭ ‬نفشل‭ ‬له‭ ‬تلك‭ ‬المفاجأة‭ ‬التي‭ ‬أعدها‭ ‬للملايين‭ ‬الخمسة‭ ‬والأربعين‭.‬

السعادة‭ ‬التي‭ ‬تتفتق‭ ‬عن‭ ‬ملامحه،‭ ‬كانت‭ ‬ممزوجة‭ ‬بثقة‭ ‬عميقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬واطمئنان‭ ‬أعمق‭ ‬بأن‭ ‬يد‭ ‬المحاسبة‭ ‬لن‭ ‬تمتد‭ ‬اليه،‭ ‬وانه‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬عال‭ ‬جداً،‭ ‬يعصمه‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الامر‭ ‬الكبير،‭ ‬حتى‭ ‬انّ‭ ‬أيّ‭ ‬مراقب‭ ‬يستغرب‭ ‬لِمَ‭ ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬الباسم‭ ‬يخبرنا‭ ‬بتبخر‭ ‬أموال‭ ‬خزينة‭ ‬من‭ ‬خزائن‭ ‬وزارته‭ ‬بعد‭ ‬اعلان‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬وليس‭ ‬قبلها‭ ‬وهو‭ ‬مرشح‭ ‬فائز‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬انّ‭ ‬الفضول‭ ‬يدفع‭ ‬الى‭ ‬سؤال‭ ‬آخر،‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬قراره‭ ‬في‭ ‬اخبارنا،‭ ‬نحن‭ ‬معشر‭ ‬الشعب‭ ‬او‭ ‬المتقاعدين‭ ‬او‭ ‬المتطلعين‭ ‬لقطرات‭ ‬راتب‭ ‬الرعاية،‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬يذهب‭ ‬الرجل‭ ‬الى‭ ‬رئيسه‭ ‬الأعلى‭ ‬ويبلغه‭ ‬بذلك،‭ ‬ويسعيان‭ ‬لحل‭ ‬ما،‭ ‬قبل‭ ‬ابلاغ‭ ‬‮«‬المكاريد‭ ‬بذلك‭ ‬الخبر‭ ‬الصاعقة‭.‬

ما‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬المبلغ‭ ‬المفقود،‭ ‬ليتراصف‭ ‬مع‭ ‬اخوة‭ ‬ضائعين‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬مجاهل‭ ‬الدولة‭ ‬وأصقاعها،‭ ‬ولنتأمل‭ ‬بإعجاب‭ ‬ابتسامة‭ ‬الرجل‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تفارق‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬كلماته‭ ‬الواثقة‭ ‬المستندة‭ ‬الى‭ ‬ظهر‭ ‬لابدّ‭ ‬انه‭ ‬قوي‭.‬

فعلا‭ ‬الرجل‭ ‬الباسم‭ ‬يثير‭ ‬الاعجاب‭.‬

fatihabdulsalam@hotmail.com

رئيس‭ ‬التحرير‭-‬الطبعة‭ ‬الدولية

‭ ‬

مشاركة


إقرأ المزيد