الفكر السياسي عند الفارابي وابن رشد
الزمان -

الجزائر – الزمان

يناقش كتابُ “أيّ مدينة نختار؟”، الصادر حديثًا عن دار أدليس للنشر والتوزيع في الجزائر، للباحثة قورشال فريال سولاف، فكرة الفلسفة السياسيّة بين الفارابي وابن رشد، كما يفتح نافذة على الفكر السياسي الإسلامي، في محاولة لإخراج الفلسفة من قاعات الجامعات إلى فضاء القراءة العامة.

ما يُميّزُ الكتاب أنّ مؤلفته لم تعتمد الأسلوب الأكاديمي التقليدي، بل صاغته بلغة أدبيّة سلسة تجعلُ القارئ العادي قادرًا على ملامسة قضايا الفكر السياسي العميقة من دون تعقيد.

وينطلقُ الكتاب من رحلة مقارنة بين الفارابي (874م/ 950م)، في المشرق الإسلامي، وابن رشد (1126م/ 1198م)، في المغرب الإسلامي. وكلاهما استلهم الفلسفة اليونانية في بحثه عن معنى السياسة العادلة والمدينة المثالية، لكنّ مسارهما اتّخذ أشكالًا مختلفة؛ فقد كان الفارابي مشدودًا إلى أفلاطون ومدينة الفلاسفة الفاضلة، بينما وجد ابن رشد نفسه مُضطرًّا إلى العودة إلى أفلاطون أيضًا في ظلّ غياب مؤلفات أرسطو السياسية في الأندلس، وهو الذي اشتهر بكونه الشارح الأكبر لأرسطو. ويُبرز الكتاب أيضًا كيف انتقلت الفلسفة السياسية الإسلامية من التجريد الميتافيزيقي عند الفارابي إلى التحليل الواقعي عند ابن رشد.
تُقدّم المؤلفة تصوُّرًا جديدًا تُسمّيه “المدينة الثالثة”؛ وهي مدينة تسعى إلى تجاوز الثنائية الكلاسيكية، بين المثال والواقع، فتجمعُ بين مثالية الفارابي الحالمة وواقعية أرسطو النقدية، بين إشعاع التراث وأسئلة الحاضر. وهذا التصوُّر لا يقدّم إجابات جاهزة بقدر ما يفتح الباب أمام القارئ للتفكير والتأمُّل.

وفي ختام الكتاب، تطرحُ المؤلفة أسئلة إشكاليّة، أبرزُها هل الحاكم وحده قادر على تشييد المدينة الفاضلة؟ أم أنّ التغيير يبدأ من المحكومين، ومن إعادة بناء ذواتنا قبل أيّ إصلاح سياسي؟ وهل يكفي أن نبحث عن تغيير السلطة، أم أنّ الثورة الحقيقيّة تكمن في التغيير الداخلي للأفراد؟

مشاركة


إقرأ المزيد