هذا اليوم - 4/26/2025 3:02:31 PM - GMT (+3 )
باب اليمن التاريخي بصنعاء القديمة في الثمانينيات (مواقع التواصل)
في هذا الجزء نكمل عرض التقرير البريطاني السري حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في اليمن الشمالي عام 1983.
التوترات العسكرية والسياسية بين اليمن الشمالي والجنوبي
يتحدث النص عن ضعف الجبهة الوطنية الديمقراطية الجنوبية (NDF) عامي 1982-1983 على رغم استمرارها كحركة حرب عصابات، ويوضح الانقسامات داخل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الجنوبية في شأن دعمها، ويشير إلى توتر العلاقات بين اليمن الشمالي والجنوبي على رغم محاولات التنسيق، كما يتناول التوترات العسكرية على الحدود خلال تلك الفترة.
ويشار إلى تجربة نظامي الحكم السياسي المتناقضتين في اليمنين الشمالي والجنوبي قبل الوحدة 1990، فالشمال يحكمه في تلك الفترة "حزب المؤتمر الشعبي" الذي أسسه علي عبدالله صالح، وهو خليط من القوى القبلية والدينية والتجارية والسياسية التي تستند في طريقة إدارة الدولة للأعراف الأصولية والقبلية، بينما ساد في الجنوب نظام اشتراكي مستمد من التجربة السوفياتية والصينية، مما أدى إلى صدام دام بين التجربتين خلال أكثر من مرحلة وطنية.
وتضيف المذكرات أنه "جرى إضعاف القوة العسكرية للجبهة الوطنية الديمقراطية (NDF) صيف عام 1982، وفي يناير (كانون الثاني) 1983 سمحت الجبهة لقوات الأمن الحكومية بدخول مناطق جبل مريس ووادي بنا السفلي، والتي كانت لا تزال تحت سيطرتها، ومع ذلك فقد حافظت على فعاليتها كحركة حرب عصابات طوال العام، سواء في تلك المناطق أو في المناطق الجبلية الغربية في وصابين وعتمة، كما أظهرت عمليات الاعتقال التي نفذها الرئيس علي صالح لمئات النشطاء السياسيين في صنعاء وتعز وتهامة خلال مارس (آذار) اتهامهم بأنهم شكلوا تحدياً سياسياً، إضافة إلى تهديد عسكري كامن للحكومة.
حاول الاشتراكيون في الجنوب اليمني نقل تجربتهم اليسارية للشمال وجرى استخدام أكثر من وسيلة ولكن ذلك قوبل بمقاومة شرسة من القوى الشمالية التقليدية.
ويبدو أن الرئيس محمد من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (PDRY) يفضل اعتمادهم على التكتيكات السياسية ضد إدارة صنعاء، بينما يُقال إن وزير دفاعه يؤيد بشدة استخدامهم لأساليب حرب العصابات، ومع ذلك فإن القيادة في جمهورية اليمن الديمقراطية الجنوبية منقسمة حول هذه القضايا، إذ إن ليبيا تعاني قيوداً مالية، وسوريا منشغلة بقضاياها الداخلية، وبالتالي لم تشكل أنشطة الجبهة تهديداً خطراً للرئيس صالح عام 1983.
العلاقات بين اليمنين الجنوبي والشمالي تبقى "بيضة القس" أي خليطاً من الجيد والسيئ، ويبدو أن الرئيسين قد اتخذا خطوات طفيفة إضافية نحو التنسيق تحت غطاء من الخطابات الحماسية حول إعادة التوحيد، كما أنهما يتعاونان بصورة معقولة في القضايا العربية والدولية.
ومنذ تحقيق ثورتي التحرر في الشمال والجنوب مطلع الستينيات سعى قادة البلدين إلى اتخاذ خطوات عدة لتوحيد الشطرين قوبلت بمحطات عدة من العراقيل والتسويف قبل أن يتم ذلك في عام 1990 برئاسة علي عبدالله صالح.
يستدرك التقرير: "لكن لا يزال هناك نقص أساس في الثقة يؤثر في توجهاتهما الشخصية الظاهرة، وكان من المفترض أن يمهد اجتماعهما في أغسطس الطريق لتسهيل السفر عبر الحدود، لكن ما حدث بعده هو زيادة في الصعوبات الحدودية، وتخشى الجمهورية العربية اليمنية أن تؤدي سياسات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المعتدلة إلى تقليص حصتها من المساعدات العربية، في حين أن حكومة "12 نوفمبر" اليمينية لم تكن موضع ترحيب في عدن، كما أن الجبهة الوطنية الديمقراطية (NDF) لا تزال تشكل مصدر إزعاج دائم، وقد انتشرت تقارير عن توترات عسكرية على الحدود عندما استنفرت قوات الرئيس صالح مرة أخرى لمواجهة عسكرية محتملة مع الجنوب".
العلاقات السعودية - اليمنية
النص يوضح الشكوك السعودية تجاه مزاعم اليمن الشمالي في شأن التوغلات العسكرية من قبل الجنوب مما أدى إلى زيادة التوترات بين البلدين، ومع ذلك كانت هناك تطابقات في السياسات السعودية واليمنية في المجالات العربية والدولية، مثل الدعم المتبادل للعراق وفلسطين.
ويؤكد أن السعوديين ظلوا متشككين في مزاعم اليمن الشمالي في شأن التوغلات العسكرية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهذه الشكوك السعودية، أضعفت التأثير الإيجابي لسخائهم مما أدى إلى عام آخر من التوتر في العلاقات السعودية – اليمنية، ولم يساعد تأجيل اللجنة التنسيقية السعودية - اليمنية المشتركة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول) ومحاولات السعودية في تلك اللجنة فرض سياساتها على اليمنيين في تحسين الأوضاع.
لكن في العلاقات العربية والدولية، وهما المجالان اللذان بدأت الجمهورية العربية اليمنية (YAR) تظهر فيهما بعض المبادرات، توافقت السياسات السعودية واليمنية بصورة جيدة، فقد أرسلت الجمهورية العربية اليمنية قوات لدعم العراق في يناير، كما استقبلت دفعة ثانية من مُهجّري منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في ديسمبر، وكلا الحدثين حظيا بدعم مادي ومعنوي من السعودية، وعلى رغم أن اليمنيين الذين يحافظون على موقفهم غير المنحاز رفضوا إضعاف روابطهم مع روسيا، إلا أنهم امتنعوا أيضاً في نهاية العام عن التعبير العلني عن انتقاداتهم الخاصة لسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط".
العلاقات اليمنية - البريطانية
يناقش نص المراسلات تطور العلاقات بين الجمهورية العربية اليمنية والدول الأوروبية، وبخاصة المملكة المتحدة، مشيراً إلى زيادة الصادرات البريطانية واستمرار التعاون في مجالات عدة مثل المساعدات والتدريب العسكري، كما يطرح تساؤلات حول مستقبل اليمن الشمالي متوقعاً أن يستمر في تحقيق تقدم نحو الاستقرار على رغم الصعوبات الاقتصادية، مع احتمال تحول الوضع إلى ساحة صراعات داخلية إذا حدثت تغييرات عنيفة في القيادة.
"على رغم أن صنعاء تعطي الأولوية لعلاقاتها مع الدول العربية لكن علاقاتها مع أوروبا الغربية، وبخاصة بون ولاهاي ولندن تستمر في الازدهار، فخلال الأشهر التسعة الأولى من العام ارتفعت الصادرات البريطانية إلى الجمهورية العربية اليمنية بنسبة 10 في المئة عن مستواها خلال الفترة نفسها من العام السابق على رغم الصعوبات الاقتصادية، ومن المتوقع أن تتأثر بدرجة أقل من تدابير التقشف التي تنفذها الجمهورية العربية اليمنية مقارنة بمنافسيها، فلقد قدمنا أول عرض لمساعدات (ATP) إلى الجمهورية العربية اليمنية، ووقعت شركة (BP) اتفاق امتياز في منطقة تهامة، وعلى رغم انخفاض عدد الزوار المهمين بين عاصمتينا فقد أعرب الرئيس صالح عن رغبته في زيارة المملكة المتحدة، كما يواصل المجلس الثقافي البريطاني ومعظم مشاريع المساعدات ازدهارهم، ومع تزايد اهتمام اليمنيين بالتدريب العسكري في المملكة المتحدة فإن علاقاتنا مع القوات المسلحة وقوات الأمن في الجمهورية العربية اليمنية تتطور وتتعمق.
ماذا عن مستقبل الجمهورية العربية اليمنية؟ هناك ورقتان مجهولتان في المعادلة، فإذا اختفى الرئيس صالح، خصوصاً بوسائل عنيفة، فقد يتحول اليمن الشمالي مجدداً إلى ساحة معركة داخلية للتنافسات في الشرق الأوسط بسبب الاضطرابات وعدم الاستقرار والانقسامات الداخلية، وبخلاف ذلك، فعلى رغم الصعوبات الاقتصادية فمن المتوقع أن تستمر الجمهورية العربية اليمنية في تحقيق تقدم بطيء نحو بناء دولة مستقرة، وبمجرد تحقيق ذلك فإن عدد سكان اليمن وذكاءهم وقدرتهم النسبية على العمل قد يضمن لبلادهم دوراً متزايد الأهمية في شؤون شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط، ولكن اعتمادهم المالي على الآخرين ورغبتهم في إرضاء جميع الأطراف من المرجح أن يمنعاهما من اتخاذ خطوات متهورة".
النفط ومستقبل العربية اليمنية في الخليج العربي
يناقش النص أهمية النفط كعامل حاسم في المستقبل المالي للجمهورية العربية اليمنية، موضحاً تفاؤل "شركة هونت" باحتمال اكتشاف النفط في شمال شرقي اليمن، حيث جرى العثور على كميات كافية من النفط، فقد يقلل ذلك من اعتماد اليمن على جيرانه مالياً ويحوله إلى لاعب مهم في الخليج، وتشير السطور إلى أن هذا التطور قد يعزز الهوية الوطنية اليمنية وقواتها المسلحة، مما يجعلها قوة مؤثرة في المنطقة.
تقول الرسالة "يعتمد استمرار اعتمادهم المالي على الورقة الأخرى في المعادلة وهي النفط، وتبدو 'شركة هونت 'متفائلة نسبياً بإمكان العثور على النفط في شمال شرقي الجمهورية العربية اليمنية خلال العام المقبل، ومن غير المرجح أن يكون أي اكتشاف كبيراً، ولكن إذا جرى العثور على كميات كافية تمكن الجمهورية العربية اليمنية خلال بضعة أعوام من تقليل أو الاستغناء عن اعتمادها المالي على جيرانها، فقد يتغير الوضع هنا بصورة جذرية، فمع وطنهم الخصيب نسبياً وإحساسهم القوي بالهوية الوطنية وقواتهم المسلحة المتزايدة الفعالية، سيصبح اليمنيون عاملاً يجب علينا وعلى جيرانهم أن نأخذه بعين الاعتبار بصورة أكبر، وحينها لن تبقى الجمهورية العربية اليمنية مجرد زاوية مهملة من شبه الجزيرة العربية، بل ستتحول إلى لاعب بارز في مشهد الخليج المضيء والهش".
تعليق وزارة الخارجية البريطانية على تقرير
علق قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية على تقرير السفارة حول أوضاع اليمن عام 1983، مشيراً إلى التحديات الاقتصادية التي تواجه الحكومة اليمنية مثل الزلازل ونقص التمويل وأثرها في استقرار النظام، كما جرى التطرق إلى فشل محاولات الحكومة تحسين الوضع من خلال فرض الضرائب ومكافحة التهريب، ونُوقش أيضاً التعاون البريطاني مع اليمن في مجالي المساعدات والتدريب العسكري مع الصعوبات في تلبية توقعات اليمنيين بسبب تقليص المساعدات، وعبّر الرئيس صالح عن اهتمامه بزيارة المملكة المتحدة، وهناك احتمال زيارة قصيرة من السيد لوس إلى اليمن.
"إن المشكلات الاقتصادية التي واجهتها حكومة الجمهورية العربية اليمنية عام 1983 والتي لا تزال قائمة قد تكون لها تداعيات خطرة على استقرار النظام، فقد أضافت الزلازل التي وقعت في ديسمبر عام 1982 عبئاً ثقيلاً على اقتصاد ضعيف بالفعل، ولم يبدأ العمل الجاد في إعادة الإعمار طويل الأمد إلا الآن، وهو ما يعوقه بشكل خطر كل من نقص التمويل الكافي والفوضى الإدارية المعتادة في اليمن، وقد تفاقمت المشكلة أكثر بسبب انخفاض التحويلات المالية من الخارج وجمود المساعدات القادمة من الدول الغنية بالنفط، أما محاولات الحكومة المركزية تحسين الوضع من خلال فرض ضرائب فعالة وحملة صارمة على أنشطة التهريب عبر الحدود اليمنية - السعودية، فقد كانت غير فعالة إلى حد كبير، وفي الحال الأخيرة هناك تقارير مقلقة عن وقوع اشتباكات على طول الحدود وحشد للقوات في المنطقة،
وحتى الآن تمكن الرئيس صالح من تحقيق توازن بين متطلبات التنمية والضرورة الملحة لإعادة ترتيب الاقتصاد، ولكن قدرته أو عدم قدرته على تلبية تطلعات اليمنيين ستكون حاسمة، وعلى رغم اهتمام شركتي (BP) و (Hunt) بالتنقيب عن النفط في شمال اليمن، لكن لا يوجد دليل على أنه سيجري العثور على النفط بكميات كبيرة، ولا يبدو أن هناك انتعاشاً اقتصادياً وشيكاً، وقد كانت العلاقات بين المملكة المتحدة والجمهورية العربية اليمنية نشطة، ولا سيما في مجالي المساعدات المدنية والتدريب العسكري، ويعد برنامج المساعدات الثنائية من أكثر الوسائل فاعلية للحفاظ على علاقات جيدة، لكننا نتعرض لضغوط كبيرة لخفض مخصصاتنا، وقد نتمكن من التكيف من طريق تشجيع استهداف المشاريع بصورة انتقائية، ولكن من المحتمل أن يتوقع اليمنيون منا أكثر مما يمكننا تقديمه، وقد أعرب الرئيس صالح عن اهتمامه بزيارة المملكة المتحدة، وهناك احتمال أن يقوم السيد لوس بزيارات قصيرة إلى كل من شمال وجنوب اليمن في وقت ما هذا العام. (آخر زيارة إلى شمال اليمن قام بها وزير بريطاني كانت زيارة السيد هيرد عام 1982)، وتوصي المذكرات بأن "تكون الزيارة مفيدة لإظهار اهتمامنا المستمر بالجمهورية العربية اليمنية كجزء من سياستنا الهادفة إلى تحسين العلاقات مع الغرب على حساب الاتحاد السوفياتي".
إقرأ المزيد